
اجتماع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني مع نظيره العراقي فؤاد حسين في بغداد - 14 آذار 2025 (وزارة الخارجية السورية)

اجتماع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني مع نظيره العراقي فؤاد حسين في بغداد - 14 آذار 2025 (وزارة الخارجية السورية)
تجري سوريا والعراق مناقشات حاليًا حول ضرورة تعزيز التعاون الأمني بعد سقوط نظام الأسد، مستندة إلى تحديات مشتركة، وعلى رأسها محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”، فرغم خسائره الإقليمية، لا يزال التنظيم يُشكل تهديدًا خطيرًا، لا سيما في المناطق الصحراوية الممتدة بين البلدين.
يدفع هذا التهديد بغداد ودمشق إلى دراسة استراتيجيات أمنية مشتركة، لا سيما مع تراجع دور التحالف الدولي في العراق، حسبما كشف تقرير صادر عن “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى”، مساء الجمعة 7 تشرين الثاني.
التقرير أكد أن الاجتماعات القائمة بين البلدين منذ سقوط نظام الأسد، تعكس اعترافًا متبادلًا بأهمية التعاون الأمني لضمان الاستقرار الداخلي.
ويؤكد المسؤولون العراقيون ضرورة التنسيق المباشر مع دمشق وتكثيف جهود مكافحة الإرهاب لاحتواء هذا التهديد وبناء الثقة بين البلدين.
بغداد تخشى من استغلال الفراغ الأمني الذي خلفه سقوط نظام الأسد، لا سيما من قبل آلاف مقاتلي التنظيم وعائلاتهم المقيمين حاليًا في مخيم “الهول” شمال شرقي سوريا، حسبما ورد في التقرير.
واعتبر أن بغداد حريصة على التعاون في مراقبة المناطق الصحراوية الشاسعة التي أصبحت ممرًا رئيسيًا لتهريب المخدرات والأسلحة بين البلدين، وتشير التقارير إلى تهريب كميات كبيرة من الحبوب المخدرة والأسلحة الخفيفة بين دير الزور السورية ومحافظة الأنبار العراقية، وفق التقرير.
من ناحية أخرى، تُبدي دمشق حذرها، خشية أن يؤدي أي اتفاق أمني مع بغداد إلى تجدد نفوذ “الميليشيات” العراقية داخل سوريا من خلال دعم الجماعات “الشيعية” السورية في المنطقة الساحلية. منذ عام 2013، قاتلت فصائل عراقية، أبرزها “كتائب حزب الله” و”حركة النجباء”، إلى جانب نظام الأسد بذريعة حماية المراقد الدينية.
وبالتنسيق مع فيلق “القدس” التابع لـ”الحرس الثوري الإيراني”، أسهمت هذه الفصائل في توسيع النفوذ الإيراني في مناطق مثل دير الزور والبوكمال والقصير، في إطار تأمين الهلال الشيعي، وهو ممر بري يمتد من طهران إلى بيروت عبر بغداد ودمشق، شرح التقرير.
التقرير يرى أن الانسحاب الوشيك لقوات “التحالف الدولي” من العراق، بما في ذلك القوات الأمريكية، يشكل نقطة تحول مهمة، ونتيجة لذلك، لم يعد التعاون مع دمشق خيارًا دبلوماسيًا أو سياسيًا، بل أصبح ضرورة أمنية لاستباق “الهجمات الإرهابية”.
يتيح رحيل التحالف للعراق فرصةً لإعادة تحديد تحالفاته الإقليمية، ففي غياب حضور غربي مباشر، قد يتيح التواصل مع القيادة السورية الجديدة لبغداد مخرجًا من عزلتها الجيوسياسية الحالية، خاصة إذا نجحت في تحقيق توازن بين كتل القوى المتنافسة في المنطقة.
ترى بعض الفصائل السياسية العراقية في خروج التحالف فرصة لإعادة بناء إطار أمني إقليمي بين بغداد ودمشق، بعيدًا عن الإملاءات الخارجية، ومع ذلك، مهما بدت هذه الرؤية جذابة، فإنها تواجه تحديات جسيمة، أبرزها انعدام الثقة المتجذر بين المؤسسات الأمنية في البلدين، وتباين الأولويات، وتضارب التحالفات الإقليمية.
التقرير أظهر أن التقارب العراقي السوري لا يُقرأ بمعزل عن المشهد الإقليمي خاصة تركيا ودول الخليج وإيران، فتركيا تراقب بحذر أي تنسيق بين بغداد ودمشق، معتبرة أن استئناف العلاقات قد يمنح إيران فرصة لاستعادة نفوذها في سوريا، كما تخشى أنقرة من أن يؤدي إحياء مشروع خط أنابيب كركوك- بانياس النفطي، إلى تهديد خط كركوك- جيهان الذي يمثل ركيزة استراتيجية في العلاقات الاقتصادية بين العراق وتركيا.
بالمقابل، دخلت دول الخليج على الخط، إذ تحاول قطر والسعودية والإمارات دفع سوريا نحو محور عربي مستقل عن طهران. وقد طرحت الدوحة مبادرات اقتصادية لتزويد سوريا بالطاقة وتقليل اعتمادها على النفط العراقي، في حين تعمل الرياض وأبو ظبي على إعادة دمج دمشق عربيًا بشروط تضمن تحجيم النفوذ الإيراني.
أما إيران، التي خسرت جزءًا كبيرًا من نفوذها في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، فبدأت بمحاولة إعادة تموضعها من خلال آلية تنسيق ثلاثية بين طهران وبغداد ودمشق تحت عنوان “مكافحة الإرهاب”. ووفق مصادر عراقية، تستخدم طهران نفوذها السياسي في بغداد لضمان دور محوري في أي ترتيبات أمنية مقبلة مع دمشق.
تنعكس الصراعات الإقليمية بشكل مباشر على المشهد السياسي العراقي، فبينما يدعو فريق من الساسة العراقيين إلى تطبيع العلاقات مع دمشق الجديدة انطلاقًا من المصالح الأمنية، يتمسك آخرون برفض قاطع لأي تواصل مع “نظام جاء على أنقاض حليف استراتيجي لإيران”، حسبما أوضح التقرير.
وقد برز هذا الانقسام بشكل واضح حين رفض رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، دعوة الرئيس السوري في المرحالة الانتقالية، أحمد الشرع، إلى قمة جامعة الدول العربية في بغداد، معتبرًا أن الشرع “متورط في دعم الإرهاب”، وهو ما نفاه مسؤولون عراقيون آخرون، مؤكدين عدم وجود مذكرات توقيف أو أحكام قضائية ضده.
بدوره، شدد رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، على أهمية مشاركة سوريا في القمة “لتقديم رؤية لسوريا الجديدة”، معتبرًا أن تجاوز الأزمة السورية يصب في مصلحة الأمن الإقليمي والعربي.
هناك عدة سيناريوهات محتملة للعلاقات العراقية السورية المستقبلية، وفق ما توقعه التقرير:
تشهد العلاقة بين العراق وسوريا في مرحلة ما بعد الأسد تداخلًا معقدًا بين إرثٍ من المظالم، وهواجس أمنية من جهة، وفرص التعاون الاقتصادي والتحديات الجيوسياسية من جهة أخرى.
وتشعر سوريا بعد سقوط نظام الأسد المخلوع بالقلق من علاقات العراق المتنامية مع إيران، التي تعدّها تهديدًا لحكمها الجديد.
ومن جانبه، يتشكل موقف العراق الحذر تجاه سوريا نتيجة الضغوط الجيوسياسية الخارجية، المتمثلة بحاجة العراق لموازنة علاقاته مع إيران، والحفاظ على علاقات إيجابية مع الولايات المتحدة، وتجنب التحول إلى ساحة للصراعات بالوكالة بين القوى الإقليمية، مثل إيران والولايات المتحدة وإسرائيل.
وهو ما دفع الجارين إلى التحفظ في الإسراع بخطوات إعادة العلاقات السياسية بينهما، والسير ببطء نحو بعض التفاهمات الأمنية والاقتصادية بين البلدين، بحسب دراسة صادرة عن مركز “حرمون للدراسات”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى