عندما تتساوى الحياة مع الموت

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – العدد 78 – الأحد 18-8-2013
7
أصوات الرصاص تخترق كل شيء في الأجواء، ترافقها أصوات القذائف تتهاوى على المنطقة كزخات المطر، وأصوات انفجارات تتعالى كصراخ طفل خائف من عتمة الظلام، وعلى الجبهة شباب من الجيش الحر ومقاتلون من جيش النظام تفصلهم جدران قليلة أو هو جدار واحد، أشبه ما يكون ميزانًا تتساوى عنده الحياة بالموت.
عام أو يزيد قد مر على المعارك الدائرة، وتولدت روح من نوع فريد بين الطرفين، فباتوا أصدقاء الليل وأعداء النهار، ولأن الموت استوى والحياة، فلا شيء يهم. أحمد، وهو شاب في العشرينيات من عمره ومقاتل في الجيش الحر، لم تعد تفرق لديه الأمور البتة، فإن طلب منه جنود النظام سجائر لأنهم يفتقدونها، لن يتردد في ذلك، فالوقت وقت الاستراحة، وإن طلب أحد رفاقه منهم ذات الطلب فسيقدمون السجائر له، ولن ينسى مرة طلبوا فيها بعض ملح الطعام فقام رفاقه برمي بعض الملح لهم.
ولأن الحياة تساوت بالموت، تحول «الشعب» إلى «وحوش» وستدفع المنطقة ثمن ذلك غاليًا، هكذا قال علي، المقاتل في صفوف الجيش الحر حين عادت لذاكرته صورة عشائهم ذات مرة، وفي الجهة المقابلة لهم جثة لأحد جنود النظام، الكل تابع عشاءه، فلا شيء يهم، مجرد جثة ارتمت على الطريق بينما ينام جنود النظام مع جثث أصدقائهم ممن قتلوا خلال المعارك، يقول علي: «فقدنا الإنسانية»، هذا كل شيء.
أحمد، وبعد أن أصيب في إحدى المعارك مع قوات النظام، خرج لتلقي العلاج، لكنه لم يكن ليدرك أنه يحتاج إلى «إعادة تأهيل» استغرقت منه شهرين كاملين ليستعيد توازنه من مخلفات الحرب و «الهمجية» التي حصلت خلال المعارك، وبابتسامة المتفائل يستدرك أحمد: «غدًا عندما نستعيد الاستقرار في سوريا سوف نستعيد التوازن جميعًا».
وعلى إحدى الجبهات، يستيقظ مصطفى للذهاب إلى الجبهة، فقد حان دوره في الحراسة، ولأنه أمضى عامًا ونصف العام على الجبهة في حي الجبيلة، فقد عرف معظم الجنود على الجهة المقابلة، وبات له «صديق» في الطرف المقابل، يستفقده كل يوم، وإن غاب أحدهما يسأل عن الآخر، هي عادة الحياة هناك، حتى قرروا نسف المبنى ولم يعد يعلم إن نسف «صديقه» الذي كان يتحدث إليه من بعيد كل مساء، هكذا هي الحرب، قال مصطفى ولن يكون «صديقه» أغلى من رفاق السلاح الذين سقطوا أمامه في تلك الفترة.
قد تكثر الأمثلة أو تقل، ولكن عندما تتساوى الحياة بالموت، تتمخض الحرب عن شخصين، أحدهما قاسي القلب ولم يعد يعنيه أي شيء، أي شيء، وشخص آخر مؤمن برب العالمين تحول قلبه إلى أبيض شفاف اللون، وفي الحالتين، لم يعد يعني أي منهما أي شيء.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة