من اليسار إلى اليمين.. السوريون لا يجدون موطئًا مرحّبًا

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حنين النقري

لم يكن نجاح حزب أنجيلا ميركل، ذي السياسة المرحبة باللاجئين، بحيازة الصدارة مجددًا في انتخابات ألمانيا البرلمانية كافيًا لطمأنة اللاجئين السوريين، إذ أتى جنبًا إلى جنب مع حصول حزب البديل والتابع لليمين المتطرف على مقاعد في البرلمان للمرة الأولى بعد الحرب العالمية الثانية، وهو أمر وإن كان يلامس بشكل مباشر وضع اللاجئين في ألمانيا إلا أنه لا يبدو محصورًا بحدودها، مع تناقص الترحيب باللاجئين في مختلف الدول التي رحبت بهم في بداية الثورة السورية، على الصعيدين الشعبي والسياسي في آن معًا.

“مضى على لجوئي إلى ألمانيا ثلاثة أعوام ونصف، ألمس اليوم فرقًا واضحًا في معاملة الشارع وتقبله لنا كلاجئين مقارنة ببدايات إقامتي هنا”، تقول السيدة بيان (31 عامًا(، وهي لاجئة سورية مقيمة في ألمانيا مع زوجها وطفلها.

تطرح بيان مثالًا على انحدار نسبة الترحيب باللاجئين ورغبة الألمان بالاحتكاك بهم، تقول “منذ إقامتي في هذه البلدة منذ عامين تقريبًا نظمنا اجتماعات أسبوعية في المكتبة العامة، لتجتمع اللاجئات بنساء من المدينة بغية زيادة الاندماج، التدرب على اللغة، وتبادل الخبرات بالأعمال اليدوية كالحياكة والتطريز بيننا، في البداية كانت أعداد كبيرة من النساء الألمانيات يأتين لعرض رغبتهن بمساعدة أسر اللاجئين ماديًا ومعنويًا، وللترحيب بقدومهم، وتعليم اللغة، اليوم لا يكاد يحضر معنا الاجتماع سيدة أو سيدتين”.

ود متكلّف!

تشير السيدة بيان إلى محاولاتها الحقيقية للاندماج مع المجتمع الجديد، تقول “أحاول جهدي أن أندمج وابني بمن حولنا، أصطحبه لروضة ألمانية ليحتك بأبناء البلد التي سيكبر فيها ويتعلم اللغة بشكل تلقائي، وأحاول أن أتبادل الأحاديث مع الأمهات هناك، أحرص على تهنئتهم بأعيادهم واحترام عاداتهم وتقاليدهم، وهو أمر يسهم قليلًا في تقبل الأخريات لي، لكنني أفكر بأنني أنا من أشتري ودهم، بالحلويات التي أوزعها في أعيادنا، وملاطفتهم والتقرب منهم، وترحيبهم في هذه الحالة لا يعوّل عليه، فلا خير في ودّ يجيء تكلفًا”، في إشارة من السيدة بيان لبيت شعر الشافعي “إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة، فلا خير في ود يجيء تكلفًا”.

عودوا إلى بلادكم

“أتألم عندما أرى العنصرية في تصرفات الآخرين وأحاديثهم، أحيانًا تكون العنصرية في نظرة ازدراء، أو حتى في معاملتك بحدة أو التهرب من تلبية مطالبك في سوبر ماركت أو مؤسسة، وأحيانًا تمتدّ إلى حدّ التصريح اللفظي أو العنف”، تقول بيان، بانزعاج وحزن، وتضيف “أكثر ما يؤلمني هو التفكير بأن يكبر ابني في مجتمع ينظر له كفرد أقل من البقية، في الأسبوع الماضي كنتُ أسير وطفلي في شوارع البلدة عندما لمحت لافتة كبيرة عليها عبارة باللغة العربية، مشيت باتجاه العبارة لأجدها تقول: عودوا إلى بلادكم”.

نظرة مختلفة

رغم إقامته في تركيا، لا تختلف تجربة السيد “أبو هشام” (60 عامًا) عن تجربة بيان، سواء من حيث التعرض لبعض أشكال العنصرية هنا وهناك، أو اختلاف المعاملة الملموس منذ قدومه إلى تركيا وحتى اللحظة، يقول “أول ما قدمنا إلى تركيا، كان الناس يرغبون بالمساعدة حقيقة، ومن يؤجر منزلًا لسوري يعامله كضيف وأخ، البعض الآخر كان يفتح بيوته دون السؤال عن أجرة في آخر الشهر مفتخرًا بأنه استضاف إخوة مسلمين مهجرين بسبب الظلم”.

اليوم الحال اختلف كثيرًا، نسبة كبيرة من الأتراك لا يرغبون بتأجير عقاراتهم للسوريين، ويضيف أبو هشام “لا بدّ أن بعض اللوم يقع على بعض السوريين الذين أساؤوا استغلال هذا الكرم ولم يقدروا هذه الضيافة، لكن بشكل عام الموضوع له علاقة بتغير نظرة الشارع التركي ككل مع تزايد أعداد السوريين وتدهور اقتصاد البلاد وأمنها”.

لا نريد سوريين في بنائنا

يطرح أبو هشام مثالًا على تراجع الترحيب بالسوريين بصعوبة استئجاره لمنزله الأخير، يقول “حصل ابني على منحة جامعية في مدينة أنقرة، وقررنا الانتقال جميعًا إلى هناك لتوفير إيجار منزل إضافي، وتخفيف تكاليف المعيشة، ولتبقى أسرتنا معًا، لكننا لم نتوقع حجم الصعوبات التي سنعانيها أثناء البحث عن منزل، بعد الكثير من البحث ومن مكتب لآخر وافق صاحب أحد المنازل وكتبنا العقد، وبتنا الليلة الأولى في المنزل، في الصباح بحدود الساعة الثامنة فوجئنا بدقات غاضبة على الباب، ولما فتحت الباب تهجم علي أحد سكان البناء وبدأ بالصراخ بنا أن اخرجوا من بنائنا، لا نريد سوريين بيننا”.

يغص السيد بكلماته، يتوقف قليلًا، ثم يتابع “لم أتعرض لموقف كهذا في حياتي، كان الجار يرغي ويزبد ويتفوه بكلمات سيئة ضدنا، ونحن هنا لا حول لنا ولا قوة، لم أعرف كيف أرد عليه، كنت مذهولًا من بشاعة الموقف وغضبه وعجزي، ولم يكن أمامي إلا إغلاق الباب في وجهه ومحادثة صاحب البيت، وكان كل ما فعله هو أن اعتذر، وأقلني في سيارته بحثًا عن منزل آخر، انصياعًا لرفض الجيران وجودنا بينهم”.

أنتم تسرقون فرصنا

رغم الصعوبات التي يواجهها السوريون في دول اللجوء، إلا أنهم يحرزون نجاحات علمية ومهنية بشكل واضح، وهو ما يفترض أن يكون له تأثير إيجابي في تقبّل الآخر لهم، لكن تأثيره يكون معاكسًا أحيانًا. عن ذلك تقول الآنسة نور (25 عامًا (المقيمة في تركيا “للأسف إن رأى الأتراك سوريًا فقيرًا يطلب المساعدة، قالوا إن  السوريين عالة على تركيا ويشوّهون جمال شوارعها، وإن رأوا سوريًا ناجحًا علميًا ومكتفيًا ماديًا، قالوا إنه يسرق فرصهم في العمل والتعلم، وهكذا يكون عجزنا عالة، ونجاحنا سرقة، فعلى أي حال يجب أن يكون السوري حتى لا يُتهم بأي تهمة إذن؟”.

تعترف نور أنها تحاول جاهدة إخفاء جنسيتها السورية عن محيطها، تقول “بحجابي التركي، ولغتي الجيدة، أحاول أن أكون كما الجميع، وذلك لأتفادى الأحكام المسبقة التي قد تكون لدى الأتراك تجاه السوريين، أنا لست خجلى بجنسيتي، لكنني أحاول أن أتلافى العنصرية المحتملة لدى الناس، وبشكل خاص في المشافي والدوائر الحكومية، حتى أتمكن من تسيير معاملاتي دون تعسير من الموظفين أو رؤية عبوسهم وتأففهم، وهم يتعللون بعدم تسيير أموري بوجود مشكلة في السيستم”.

صداقة هشّة

حصلت نور على منحة لدراسة هندسة الحاسب في جامعة تركية، وهي منحة مقدمة من برنامج ممول من الاتحاد الأوروبي، إلا أن ذلك لم يوقف التعليقات التي تتلقاها بأن السوري يعامل أفضل من التركي في تركيا، تقول “كل نجاح نحققه كسوريين مشكوك به، وكأننا ننجح على حساب فشل الأتراك، هذه العوامل بمجموعها تجعل تكوين علاقات صداقة قوية أمرًا صعبًا بين الأتراك والسوريين”.

نروي نور قصة تدلل فيها على نظرة بعض الأتراك لنجاح السوريين، وهشاشة العلاقات بين الطرفين، تقول “بالإضافة لدراستي أعمل بشكل حر عبر الإنترنت، وزوجي يعمل أيضًا في شركة عربية مقرها في تركيا ووضعنا المادي جيد ولله الحمد، دعوت يومًا زميلاتي التركيات لمنزلي، لاحظت نظراتهن المستغربة لمستوى معيشتنا الجيد، وكأن السوري يجب أن يعيش في العراء ليستحق اللجوء، ليس من المفاجئ أن اثنتين منهنّ قطعتا الصلة بي بعد هذه الزيارة”.

تغير السياسات بالأرقام

-بعد عشرات السنوات من عدم تمثيله في البرلمان، حاز حزب البديل من أجل ألمانيا على 94 مقعدًا في البرلمان الألماني، من أصل 709 مقاعد كثالث أكبر حزب في البرلمان، وهو حزب يعارض سياسة استقبال اللاجئين، حيث يقول نائب رئيس الحزب إنه انتخب “لمعالجة قضايا الهجرة دون هوادة”.

قرر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تقليص عدد اللاجئين الذين ستستقبلهم أمريكا في العام المقبل، إلى 45 ألف لاجئ كحد أقصى، وهو أقل عدد محدّد منذ 37 عامًا.

-رغم أن عدد المقاعد البرلمانية لحزب الشعب الديمقراطي المعارض في تركيا لم يزدد إلا بنسبة قليلة منذ سنوات، إلا أن حدّة تصريحات زعيمه، كيليجدار أوغلو، تعبر عن التيار الرافض للسوريين في البلاد، وكان آخرها ما صرّح به في مدينة يوزغات في آب الماضي “نريد أن يعود كل السوريين إلى بلادهم”، بعد أشهر من تصريحه بوجوب تجميع كل السوريين في المخيمات حصريًا ومراقبة تحركاتهم.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة