سوريا.. محور مستقبلي لسكك الحديد في الشرق الأوسط

camera iconمحطة قطارات حلب التابعة للخطوط الحديدية السورية - 26 نيسان 2017 (ontrack).

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – أسامة العبود

تولي حكومة النظام السوري اهتمامًا خاصًا بإعادة تأهيل وبناء شبكة السكك الحديدية في سوريا، في ربط للمناطق الحيوية من مناطق صناعية ومرافئ ومطارات مع بعضها وصولًا إلى الدول المجاورة.

رصدت وزارة النقل في الحكومة ما يقارب 1860 مليار ليرة سورية (ما يعادل 3.8 مليار دولار أمريكي) ضمن خطة مشروع السكة الحديدية، الذي أفصحت عنه في 26 من تشرين الثاني، بغية تنفيذ 2000 كيلومتر من الخطوط الجديدة، وفق ما نقلت صحيفة “الثورة” الحكومية.

إعادة تأهيل السكك الحديدية ستشمل بشكل مباشر حوالي 1800 كيلومتر من أصل 2450 كيلو مترًا من خطوط السكك الحديدية القديمة التي تنتشر في سوريا، في حين ستخضع بقية الأجزاء للصيانة، نظرًا لعدم تعرضها للضرر المباشر، وهي عمومًا موجودة في محافظتي اللاذقية وطرطوس الساحليتين، والبعيدتين عن المعارك والصراع نسبيًا.

وتشكل الهيكلية الجديدة لخطوط السكك الحديدية محورين أساسيين، الأول: “شمال جنوب”، من أوروبا عبر تركيا مرورًا بسوريا ومنها إلى الأردن ودول الخليج، في حين تتفرع عن المحور مسارات داخلية من الحدود السورية- التركية عبر قرية ميدان أكبس شمالي عفرين، ومنها إلى حلب وحمص ودمشق ودرعا حيث الحدود السورية- الأردنية.

أما المحور الثاني “غرب شرق”، فهو من أوروبا عبر الموانئ السورية إلى سوريا ومنها إلى العراق وإيران ودول شرق آسيا.

فيما تتشكل ثلاثة مسارات فرعية داخلية، الأول من ميناء طرطوس نحو ريف حمص الشرقي وتدمر إلى دير الزور والبوكمال على الحدود السورية- العراقية، في حين يبدأ الفرع الثاني من ميناء طرطوس نحو حمص البصيرة حتى التنف الواقعة على الحدود السورية- العراقية، أما الثالث فهو من ميناء اللاذقية حتى حلب وصولًا إلى ديرالزور والبوكمال حيث الحدود السورية- العراقية.

تقدر خسائر قطاع السكك الحديدية في سوريا خلال الحرب بأكثر من 530 مليار ليرة سورية، وذلك وفق تصريح لنجيب الفارس، المدير العام لخطوط السكك الحديدية في سوريا، في شباط العام الحالي.

السياقات السياسة والعسكرية تمهد الطريق

وبعد عزلة إقليمية لسوريا بسبب الحرب، عاد الحديث عن فتح طرق حيوية مع دول الجوار، في جولة “أستانة 9” أيار الماضي، إذ تحدثت مصادر متقاطعة لعنب بلدي آنذاك أنه تم الاتفاق على فتح أوتوستراد دمشق- حلب الدولي وطريق حلب- غازي عنتاب التركية، وهما طريقان ماران من مناطق سيطرة فصائل المعارضة السورية، بتأمين من دول تركيا وروسيا وإيران الضامنة للمحادثات بدوريات مشتركة.

ولم تفتح هذه الطرقات الحيوية بعد، لكن تركيا تعمل على تهييء بنية اقتصادية متكاملة (تعبيد طرقات وفتح معابر جديدة) في ريف حلب الشمالي الخاضع لسيطرة المعارضة، توحي بأنها تستعد لفتح طرقات حيوية في المنطقة.

كما فتحت استعادة النظام السوري لمعبر نصيب الحدودي مع الأردن الباب لعودة العلاقات (الاقتصادية على الأقل) مع الجارة الجنوبية، إذ أعيد تفعيل المعبر في 15 من تشرين الأول الماضي، وبدأت الحركة التجارية تتدفق بين الجانبين.

وبعدها بأيام، أعلنت المؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي في سوريا عن نيتها تأهيل الخط الحديدي الواصل من دمشق إلى العاصمة الأردنية عمان.

وقال مدير فرع المؤسسة في درعا، نعيم القراعزة، لصحيفة “تشرين” الحكومية، في 7 من تشرين الثاني، إن الخط الحديدي يعتبر محورًا مهمًا لنقل البضائع بين البلدين.

وأضاف القراعزة أن المؤسسة شكلت لجانًا فنية مختصة، وباشرت بالعمل من أجل البدء بإنجاز تأهيل الخط في أقرب وقت ممكن.

يعود تاريخ الخط الحديدي الحجازي إلى زمن السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، عندما أمر في عام 1900 بتشييد سكة قطار بين الشام والحجاز من أجل تسهيل رحلة الحج التي كانت تستغرق قرابة ثلاثة أشهر ذهابًا وإيابًا.

وبدأت المرحلة الأولى بتمديد سكة الحديد من محطة المزيريب القريبة من دمشق إلى درعا، ثم بدأ العمل في تمديد الخط من درعا إلى عمان الذي اكتمل تمديده في 1903.

لكن أول رحلة لانطلاق القطار من محطة الحجاز إلى المدينة المنورة كانت في آب 1908، على متنها حجاج سوريون وأتراك.

الحلفاء يتقاسمون “عصب” إعادة الإعمار

رغم ابتعاد الصين عن دعم نظام الأسد، مقارنة بالدعم الذي قدمته روسيا وإيران، لكنها تعد الرابح الأكبر اقتصاديًا في بقاء النظام في حكم سوريا، نظرًا لحجم الاستثمار الذي ستشغله الصين في إعادة الإعمار.

بهاء الدروبي، مدير قسم المشاريع لدى شركة “عقارات سعودية”، وهو محاضر سابق في كلية الاقتصاد بـ “جامعة البعث” في سوريا، أشار إلى دور الصين في قطاع السكك الحديدية في سوريا، معتبرًا أن إشراك الصين في إعادة الإعمار يعد خيارًا لا بديل عنه، إذ لا يقوى الاقتصاد الروسي على تمويل كلفة إعادة الإعمار، والصين تعد أفضل خيار بالنسبة للروس بعيدًا عن صندوق النقد الدولي والولايات المتحدة وأوروبا، التي ترفض المشاركة في عمليات إعادة الإعمار قبل الوصول إلى انتقال سياسي في سوريا.

ويرى الدروبي أن تنامي حجم الاستثمارات الصينية في سوريا، قد يشكل خلافًا لاحقًا مع الروس، التي تعتبر نفسها الوصي على إعادة الإعمار والاقتصاد السوري.

لكنه يعتقد أن “امتلاك الصين لخطوط السكك الحديدية، إضافة إلى أنها وقعت اتفاقيات 2017 مع سوريا لاستخدام ميناء اللاذقية والناقلات البحرية، سيجعل من الصين تمتلك البلد”.

بالمقابل، ستعمد روسيا إلى بيع عربات القطار (المقطورات) في سوريا، بحسب ما نقلته وكالة “سبوتنيك” عن مصدر بالشركة الروسية لتصنيع العربات “أورال فاغون زافود” منتصف آب الماضي، كما أن الشركة ستكون قادرة على تسليم العربات خلال عام 2019.

أما الحليف الإيراني فقد وقع أواسط تموز الماضي، اتفاق بناء سكة حديدية تربط إيران بسوريا، وذلك خلال لقاء بين وفد من وزارة الطرق وبناء المدن الإيرانية مع حكومة النظام السوري.

ورسم الاتفاق الموقع الخط الحديدي الذي ينطلق من مدينة شيراز الإيرانية نحو مدينة البصرة العراقية مرورًا بالبوكمال ودير الزور حتى ميناء اللاذقية على البحر المتوسط.

وتعد السكة الحديدية الإيرانية الأقل تكلفة، إذ ستعتمد على الخطوط الحديدية القديمة لدى إيران والعراق، وسيتطلب الأمر إضافة خط حديدي لقرابة 32 كيلو مترًا فقط بكلفة 53 ألف دولار أمريكي، بحسب الشركة الإيرانية للسكك الحديدية، بينما سيتكفل الجانب السوري بالطريق المؤدي إلى ميناء اللاذقية.

ويعتبر الممر البري من إيران إلى سوريا “الجائزة الأكبر” لطهران من الحرب السورية، كما وصفته وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية، إذ يضمن لإيران طريق إمداد لنقل الأسلحة الإيرانية إلى حليفها في لبنان (حزب الله)، كما سيسهل حركة الميليشيات التي تدعمها، إضافة إلى كونه طريقًا تجاريًا بديلًا عن مياه الخليج.

صراع دولي على الربط السككي

تسارع دول الشرق الأوسط إلى إنشاء شبكة خطوط للسكك الحديدية وطرق تجارية أخرى، في مسعى لبسط النفوذ الاقتصادي والتحكم بالشريان الرئيسي لحركة الملاحة الدولية التجارية.

ففي الوقت الذي تحاول فيه إيران ربط خطوط سكك حديدية مع سوريا عبر العراق، تسعى دولة الكويت إلى إعادة السكك الحديدية العراقية نحوها لربط الموانئ العراقية بالموانئ الكويتية.

بينما تسعى تركيا إلى إعادة طريق الحجاز الذي يعود إلى فترة السلاطين العثمانيين، والذي يربط بين دمشق في سوريا والمدينة المنورة في السعودية، مع إضافة توسعة لطول الطريق.

كما دخلت “إسرائيل” خط المنافسة على خطوط سكك الحديد من خلال دعواتها لإنشاء خط جديد يربطها مع كل من فلسطين والعراق والأردن ودول الخليج.

تلك الصراعات حول رسم طرق السكك الحديدية الجديدة قد تشعل صراعًا أشد وقعًا من الصراعات السياسية الحالية في سبيل السيطرة على الشريان التجاري في الشرق الأوسط.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة