في بطاقة.. “رقم وطني” جديد يحمله سكان ريف حلب

camera iconاستخراج بطاقات شخصة من أمانة السجل المدني في الباب بريف حلب - 2018 (MONITOR)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – ضياء عودة

يحمل الشاب وائل جمعة، وهو نازح من ريف حمص يقيم في ريف حلب الشمالي، بطاقتين شخصيتين، الأولى حصل عليها من دائرة النفوس في مدينته بعد الرابعة عشرة من عمره، بينما استخرج الثانية حديثًا من دائرة السجل المدني التابعة للمجالس المحلية التي تعمل في مناطق الشمال السوري، التي تديرها تركيا.

في كل بطاقة “رقم وطني” يختلف عن الآخر، وهو أمر يراه الشاب وائل أنه لا يعزز التقسيم في سوريا، رغم أن الحالة تعطي صورة واضحة عن الوضع الذي وصلت إليه سوريا بعد ثماني سنوات من الثورة السورية، فالأرض انقسمت بين أطراف النفوذ التي تتحكم بها الدول، وكل منطقة صبغت بلون خاص انسحب على جميع جوانب الحياة سواء الاجتماعية أو الاقتصادية وغيرها.

ويقول الشاب لعنب بلدي، إن البطاقة الحديثة التي حصل عليها بعد وصوله إلى ريف حلب “مهمة كونها توحد المناطق المحررة، وتخفف العبء عن الأهالي وخاصة المهجرين من المناطق الأخرى”، سواء درعا أو الغوطة الشرقية أو الريف الشمالي لحمص، معتبرًا أن لكل مدينة في سوريا أمانة سجل مدني، وهي تنظيمات إدارية “ليست لها علاقة بالتقسيم”.

مع مطلع عام 2018 بدأت المجالس المحلية العاملة في ريف حلب الشمالي والشرقي، الذي يخضع للإدارة التركية، بإصدار بطاقات شخصية للقاطنين في المنطقة، سواء من السكان الأصليين أو النازحين من المناطق التي سيطر عليها النظام السوري، وجاء ذلك ضمن سلسلة إجراءات تنظيمية شهدتها المنطقة على صعيد الخدمات والتعليم والصحة، لتكون الأمور المدنية واحدة من ضمن الخطوات المخطط للعمل عليها.

اعتُبرت خطوة إصدار البطاقات الشخصية الأولى من نوعها في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، وتجربة جديدة لدى المعارضة السورية، والتي عجزت مؤسساتها طوال السنوات الماضية عن إصدار جوازات سفر أو شهادات وفاة وزواج وميلاد وغيرها.

وتعتبر الوثائق القانونية والقيد المدني أحد أهم الملفات الشائكة في مسيرة “الحكومة المؤقتة”، إذ لم تعترف الدول بشكل فعلي وواقعي بها، كون هذا الاعتراف يترتب عليه تبعات كثيرة، منها الاعتراف بكل الوثائق التي تصدر عنها.

باللغتين العربية والتركية

يوجد علم الثورة السورية على يمين البطاقة التي تصدرها مجالس ريف حلب، وعلى اليسار صورة الشخص، وإلى الأسفل توجد خانات للرقم الوطني، والاسم، والنسبة، وتاريخ الولادة، والأمانة.

على الوجه الثاني تتضمن البطاقة الشخصية خانات لمحل القيد، واسم الأب، واسم الأم، والجنس، وتاريخ الولادة، وهي باللغتين التركية والعربية.

إصدار البطاقات لم يقتصر على مجلس محلي دون الآخر، بل عملت جميع المجالس المحلية في الريفين الشمالي والشرقي لحلب على إصدارها، في خطوة عزتها إلى تنظيم الأمور المدنية في المنطقة من جهة، ومن أجل مساعدة الأهالي الأصليين والنازحين على تسيير معاملاتهم من ثبيت المواليد وإجراء المعاملات، عدا عن الأهمية الأمنية لمعرفة القاطنين في المنطقة، وخوفًا من عمليات التزوير، وما ينتج عنها من مشاكل كبيرة.

وكان معظم السوريين وخاصة القادمين من المناطق التي تشهد قصفًا وعمليات حربية، يلجؤون إلى الحصول على الهوية الشخصية ودفتر العائلة، من الأمانة العامة للأحوال المدنية بدمشق، عن طريق شبكة تربط المحافظات بعضها ببعض.

لكن الحصول على الوثائق الرسمية أصبح في السنوات الأخيرة أمرًا معقدًا، خاصة لدى النازحين واللاجئين خارج سوريا، إذ يحتاجون لسلسلة طويلة من الإجراءات الروتينية والموافقات الأمنية لاستصدارها.

تركيا تعترف بها

يقول رئيس المكتب القانوني في مجلس اخترين المحلي، محمد الحاج قاسم، إن عملية إصدار البطاقات الشخصية في ريف حلب لا تزال مستمرة إلى الآن، وليست مقتصرة على منطقة دون الأخرى بل يتم العمل عليها من جرابلس إلى عفرين، دون استثناء.

ويضيف حاج قاسم لعنب بلدي أن إصدار البطاقات وصل إلى مستوى جيد، وحوالي نصف أهالي المنطقة (ريفي حلب الشمالي والشرقي) بات لديهم بطاقات تعريف.

وبالنسبة لإصدار البطاقات فهي موثقة عند الجانب التركي، وبحسب حاج قاسم يوجد ارتباط مع الجانب التركي في هذا الأمر، والذي يعترف بها في المعابر الحدودية ولدى الجامعات التي تقبل تسجيل السوريين بشهاداتهم الصادرة في المناطق “المحررة”.

ويوضح المسؤول في المجلس المحلي أنه تمت مناقشة الاعتراف بالبطاقة مع الجانب التركي في أكثر من مجال، كتسجيل خطوط الهاتف النقال، وجميع المعاملات الخاصة بالمواطنين.

مدير السجل المدني في المجلس المحلي لاعزاز، عمار شمو، قال إن العدد الإجمالي من البطاقات التي أصدرتها أمانة السجل المدني في المدينة وصل إلى 75 ألف بطاقة ما بين ذكور وإناث وأطفال، بنسبة 40% من السكان الحاليين.

ويضيف شمو لعنب بلدي، أن إمانة السجل المدني تمنح البطاقات التعريفية الحديثة لجميع الشرائح العمرية حتى الطفل حديث الولادة، وهي حاليًا دائمة ومرتبطة بكل الدوائر والمؤسسات الحكومية الموجودة في منطقة “درع الفرات” و”غصن الزيتون” (عفرين).

واللافت في البطاقة التي تصدرها مجالس ريف حلب أنها تستهدف الأطفال من عمر يوم وحتى أربع عشرة سنة، دون وجود البصمة والصورة الشخصية، على أن يتم تجديدها بإضافة البصمة والصورة بعد 14 عامًا.

بينما تشترط أمانة السجل المدني في سوريا، التابعة للنظام السوري، الحصول على البطاقة الشخصية بإتمام الذكور والإناث الرابعة عشرة من العمر.

وبحسب شمو يوجد رقم وطني ورقم كود لمنع التزوير، وترتبط البطاقة التي تصدرها مجالس ريف حلب مع دوائر النفوس في الجانب التركي، ويمكن لحامليها الدخول إلى تركيا، مشيرًا إلى أن أهميتها تكمن بأنه لا يمكن تزويرها، وهي مفعلة في جميع الدوائر الموجودة في المنطقة.

بطاقة تعريف وليست هوية

في أثناء الحديث مع مسؤولي السجل المدني في مجالس ريف حلب، رفضوا اعتبار البطاقات التي يصدرونها كبديل عن الهوية السورية، وقالوا إنها “بطاقة تعريفية” لتسهيل أمور المدنيين في الشمال السوري “المحرر”.

ويوضح عمار شمو، مدير السجل المدني في محلي اعزاز، أن البطاقات ليست هوية بالمعنى المتعارف عليه، بل هي بطاقة تعريفية “لا تدخل في تعزيز التقسيم في سوريا”.

ويؤكد ذلك رئيس المكتب القانوني في محلي اخترين، محمد الحاج قاسم، مشيرًا إلى أنها بطاقة تعريف فقط بالمواطنين، الهدف منها الحد من ظاهرة التزوير في المنطقة، خاصةً أن الكثير من المدنيين فقدوا ثبوتياتهم جراء الحروب والنزوح، “هذا هو الهدف الرئيسي منها”.

وبحسب حاج قاسم تتحدد الإجراءات اللازمة للحصول على البطاقة بدفتر العائلة أو الهوية الشخصية الأساسية، وفي حال غيابها يتطلب على المواطن الحصول على شهادة تعريف من المختار أو المجلس المحلي.

وتتلخص الأوراق المطلوبة لاستخراج بطاقة تعريفية حديثة، ببطاقة شخصية قديمة أو بطاقة عائلية أو جواز سفر وبطاقة تعريف من المختار، من خلال وجود شهود.

وفي ذات الإطار تحدث عمار شمو عن الأمور التي عملت عليها أمانة سجل اعزاز في السابق، إذ سجلت جميع الواقعات المرتبطة في السجل المدني منذ عام 2013 وحتى الآن.

ويشير إلى أنه ورغم إصدار بطاقات تعريفية جديدة للمواطنين في ريف حلب، يلجأ البعض منهم إلى تسجيل المواليد الجدد لدى النظام السوري، عن طريق وسطاء ووكلاء يتولون إتمام المعاملات.

 التعامل حصرًا بالبطاقة الجديدة

لم تقتصر المجالس المحلية في ريف حلب على إصدار البطاقات الشخصية للمواطنين على مدار الأشهر الماضية، بل اتجهت منذ مطلع عام 2019 إلى حصر تسيير المعاملات بإبراز البطاقة الشخصية الحديثة، إلى جانب إصدار تعاميم بخصوص التعامل مع البطاقة في كل الدوائر الحكومية ومخافر “الشرطة الوطنية” والمشافي والنقاط الطبية.

ويقول محمد الحاج قاسم، إن المجلس المحلي في اخترين أصدر تعاميم بخصوص التعامل مع البطاقات في الدوائر الرسمية بالريف الشمالي، واتجهت كذلك جميع المجالس المحلية في الريف الشمالي نحو هذه الخطوة.

ويضيف أن الغاية من الخطوة المذكورة الحد من التزوير، وخشية على ضياع حقوق المدنيين.

وكان المجلس المحلي في مدينة جرابلس أصدر تعميمًا، في نيسان 2019، وجهه إلى جميع الدوائر والمؤسسات الرسمية التابعة لإدارة السجل المدني، إلى جانب قيادة الشرطة المدنية والعسكرية والمشافي والوحدات الصحية في جرابلس وريفها.

وطالب المجلس بعدم قبول أي معاملة أو مراجعة من أي شخص دون إبراز البطاقة الشخصية الحديثة الصادرة عن أمانة السجل المدني في المدينة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة