استعارات “صراع العروش” تتجاوز الحكام والدول

tag icon ع ع ع

حُسم صراع العروش وانتهت معاركه مع عرض حلقته الـ73 والأخيرة يوم الأحد الماضي، في 19 من أيار، إلا أن أثره وصداه ما زال يتردد في قلوب وعقول عشاقه الذين داوموا على متابعته ما يقارب عقدًا من الزمن.

لم يمثل العمل التلفزيوني بالنسبة للملايين حول العالم مجرد قصة ممتعة، بل كان منظارًا جديدًا لرؤية الحياة والواقع، إذ دخل في زوايا السياسة والدين والعبودية والنفس البشرية كما لم يفعل غيره من قبل.

ضمت قوافل معجبيه كبار قادة العالم وأهم المسؤولين، وأصبحت عباراته المميزة من الأكثر شهرة في الخطاب العالمي، لذا لا عجب أنها ألهمت ما لا يحصى من الاستعارات والنكات والدعايات التي زادت من متعة متابعته بلذة الاهتمام الجماعي، ومن أبرز تلك الاستعارات:

الاستعارات السياسية

تتحطم الحواجز بين الخيال والواقع حينما يستخدم قادة العالم العمل التلفزيوني كمرجعٍ للحِكم والأمثال لشرح الدهاليز السياسية وللتشبيه بمناهج الحُكم المتبعة، كان آخر أولئك القادة الرئيس الصيني، شي جين بينغ، الذي فاجأ وفدًا من الزوار الأجانب إلى بكين نهاية شهر نيسان الماضي، بحديثه عن المسلسل.

قال بينغ، وفقًا لشخص كان في الاجتماع، “علينا التأكد من ألا ينحدر العالم الذي نعيشه إلى الممالك السبع الفوضوية في ويستروس”، حسبما نقلت صحيفة “ساوث تشاينا مورنينغ بوست“.

ولعل أكثر الاستعارات حضورًا في الذاكرة هي إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عن قرب موعد فرض العقوبات على إيران في تشرين الثاني من عام 2018، بصورة مستلهمة من أسلوب العمل.

ورد عليها قائد الحرس الثوري، قاسم سليماني، بصورة شبيهة استعارت خط الكتابة وأسلوب التصوير قائلًا “سأقف ضدك”.

قائد الحرس الثوري قاسم سليماني - 3 تشرين الثاني 2018 (إنستغرام)

قائد الحرس الثوري قاسم سليماني – 3 تشرين الثاني 2018 (إنستغرام)

وسارع حينها موقع “lenta” الروسي لنشر صورة الرئيس، فلاديمير بوتين، مع عنوان “الإجابة قادمة”، في عكس للموقف الروسي من العقوبات الأمريكية على إيران.

إلا أن وكالة “سبوتنيك” الروسية ذكرت، في 15 من أيار الحالي، أن الرئيس الروسي لا يشاهد المسلسل، حسبما نقلت عن متحدث رسمي باسم الكرملين.

لم يتوقف ترامب عن استخدام استعارات المسلسل، رغم اعتراض شركة الإنتاج، فقد نشر في 18 من نيسان، تغريدة جديدة مشيرًا إلى تحقيق المحقق الخاص، روبرت مولر، المتعلق بالتدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، بعبارة “انتهت اللعبة”.

إلا أن أكبر المعجبين بالمسلسل، هو الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، الذي أشار للعمل التلفزيوني في العديد من خطاباته، كما نقل عنه المسؤولون عن العمل طلبه مشاهدة نسخة لم تكن قد عرضت بعد، مع سؤاله عن حقيقة موت “جون سنو” قبل عرض الموسم السادس.

ومن أبرز استعارات أوباما للعمل، مقطع الفيديو الذي حث فيه الناخبين الأمريكيين على التصويت من خلال محاولته استرجاع أسماء كل الشخصيات التي قتلت في المسلسل.

وصورته التي سخر بها من الانتقادات الموجهة إليه حول استبداده بالرأي ضمن البيت الأبيض.

هناك العديد من الاستعارات الأخرى ولكن نختمها باستعارة المرشحة الرئاسية الأمريكية السابقة، هيلاري كلينتون، التي قالت عن العمل إنه أفضل عمل تلفزيوني يشرح واقع الحياة السياسية، خلال حديثها في جلسة حوارية في شهر نيسان الماضي.

الدعاية الوطنية

استخدمت الهند في نيسان هذا العام أيضًا استعارة “صراع العروش” لحث الناخبين على التوجه لمراكز الاقتراع، خلال أكبر انتخابات تشريعية ديمقراطية منظمة عالميًا، والتي أجريت على سبع مراحل ما بين شهر نيسان وأيار، وشارك فيها 67% من أصل 900 مليون ناخب.

ونشرت الحكومة عبر حسابها الإعلامي في موقع “تويتر” صورة لأصغر شخصيات المسلسل حجمًا “تيريون” جنبًا إلى جنب مع أكبرهم “هودور” مع عبارة “لا يهم كم كبره أو صغره، لكل صوت قوة مماثلة”.

وعادت لاستخدام استعارة المسلسل مجددًا وهي تحث الناخبين على تصوير أصابعهم التي نالت الحبر الانتخابي بعد اقتراعهم.

وبدورها عمدت القوات الفرنسية عبر حسابها على “تويتر” للترويج إلى جهوزيتها القتالية من خلال نشر مقطع فيديو أعلنت فيه وقوفها مع “جون سنو” خلال معركته الأخيرة.

الدعاية التجارية

استفادت مواقع تصوير العمل من شهرته، إذ رفع محبوه من اقتصاد كرواتيا، التي يقع فيها موقع “كينغزلاندينغ” في المسلسل، بنسبة 10% بعد أن عانت من كساد صعب ما بين عامي 2009 و2014.

وكذلك فعلت إيرلندا الشمالية التي صورت فيها الكثير من مقاطعه، ما دعم اقتصادها بملايين الجنيهات الإسترلينية.

إلا أن وزارة السياحة في إيرلندا لم تتوقف عند الدعاية المجانية لجمال أراضيها الفسيحة التي ظهرت في حلقاته، بل نشرت أيضًا صورة حثت بها السياح على القدوم لأراضيها المثالية “للرومانسية، ولحفلات الزفاف الحمراء”، مشيرة إلى مشهد القتل الجماعي الذي حصل خلال الحلقة ما قبل الأخيرة من الموسم الثالث.

 

الاستعارة الدائمة

شهد عام 2018 تسمية 560 طفلة أمريكية باسم “كاليسي”، وهو لقب لشخصية ضمن العمل ويعني زوجة “الخال” وهو زعيم قبائل “الداثراكي”.

كما سُميت 2545 طفلة باسم “آريا” وهي إحدى الشخصيات الرئيسية المحبوبة في العمل.

الاستعارة الأكاديمية

قدمت جامعات مرموقة عدة مناهج دراسية مستوحاة من العمل التلفزيوني، مثل جامعة “هارفارد” التي قدمت خلال أحد فصولها الدراسية دروسًا بعنوان “صراع العروش الحقيقي: من الأساطير الحديثة إلى نماذج العصور الوسطى”.

كما افتتحت جامعة “بيركلي” صفًا لتعليم “لغويات صراع العروش وفن اختراع اللغة”، والذي قام بتدريسه مخترع لغة “الداثراكي” للعمل التلفزيوني، ديفيد بيترسون، والتي وصفها بأنها مزيج من اللغة العربية والإسبانية.

الاستعارة الواقعية

رافق العمل في شهرته بداية الحراك الثوري في سوريا، ومنذ أن اشتهر بمشاهد العنف والمكر السياسي مع الحبكة المعقدة، تمت مقارنته بما يجري في الساحة السورية، التي صُبغت باللون الأحمر مع بدء قمع نظام الأسد للمظاهرات السلمية، وضاعت هويتها مع تدخل العديد من الأطراف العالمية لتسوية نزاعاتها ومصالحها على الأرض السورية.

إلا أن وزارة السياحة السورية، وفي بداية عام 2017، أي عقب انتهاء معركة حلب التي ألحقت أكبر نسبة للدمار في المدن السورية وخلفت آلاف القتلى وشردت مئات الآلاف، استعارت موسيقى “صراع العروش”، المعروف بدمويته وعنفه، في أحد مقاطعها الترويجية لعودة الحياة الطبيعية المسالمة إلى المدينة.

نهاية مريرة

صعب على الكثير من متابعي العمل التلفزيوني مفارقته وتوديعه، خاصة مع استيائهم من نهاية أحداثه التي خلفت موجة واسعة من الغضب والتذمر، وحثت على إطلاق عريضة إلكترونية مطالبة بإعادة كتابة الجزء الأخير من المسلسل.

ورغم تمكن العريضة من جمع ما يزيد على مليون ونصف المليون توقيع خلال الأيام القليلة الماضية، إلا أن الأمل بعودة العمل لشاشات التلفاز يبقى غير واقعي، مع إنفاق ما يزيد على 10 ملايين دولار وسطيًا لإنتاج كل حلقة منه، وبعد أن حصد ما يزيد على 300 جائزة عالمية وترشح لما يزيد على 500 غيرها، انتهى “صراع العروش” إلا أن استعارته ستستمر بالظهور وقتًا أطول، إذ أصبح جزءًا لا يتجزأ من الثقافة العالمية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة