الشاهد على حقبة الأسد الابن يفقد اسمه

camera iconفندق فورسيزونز بدمشق - 22 تشرين الأول 2010 (flickr)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – نور عبد النور

فتاة صغيرة تشمّ مادة “الشعلة”، ينتهي بها الحال مخدرة الأطراف في مجرى نهر بردى، الذي يمرّ أمام أرض معرض دمشق الدولي المهجور إلى أطراف المدينة، وتحت الجسر الأشهر في عاصمة الدولة، حيث يتزاحم المارّة لكسب مقعد في إحدى حافلات النقل الداخلي، ويواعد المتسربون لساعات من قطعهم العسكرية حبيبات مؤقتات.

خلف المشهد الذي صوّره صحفي مدفوع بمحاولة توثيق ظاهرة إدمان الأطفال في آذار الماضي، يقف فندق “فورسيزونز” دمشق، بحجره الأبيض الأملس، ونزلائه من الدبلوماسيين القلائل الذين يزورون سوريا، أو الفنانين الذين يقطعون الحدود اللبنانية- السورية لإحياء بعض الحفلات، أو المشاركة في أعمال درامية تبحث عن وجوه جديدة.

وبينما لا يتعدى معدّل الدخل الفردي في سوريا 479 دولارًا سنويًا، وفق تقديرات الأمم المتحدة لعام 2018، يدفع نزلاء الفندق مبلغًا يزيد على 1300 دولار أمريكي، لقضاء ليلة واحدة في غرفة تتسع لشخصين، بحسب عروض شركة “alBooked” للحجوزات الفندقية، حتى عقب سحب الشركة الأم اسمها من الفندق.

وكانت سلسلة فنادق “فورسيزونز” أعلنت في 19 من حزيران الحالي إسقاط الخدمة عن فرعها في العاصمة السورية في دمشق بعد العقوبات المفروضة على مالكه، سامر الفوز، رجل الأعمال المقرب من بشار الأسد.

معالم الترف المؤقت

بقي “فورسيزونز” منذ افتتاحه عام 2006 رمزًا للحياة المترفة التي توفرت لشريحة صغيرة من السوريين، والمعلَم الحضاري الشاهد على انتقال سوريا، تحت قيادة الرئيس الجديد، الأسد الابن، إلى مرحلة الانفتاح على استثمارات خارجية، لم تكن متاحة في عهد والده.

وارتبط الفندق باسم بشار الأسد قبل تسلمه للسلطة في سوريا، إذ تم الاتفاق على تفاصيل إنشائه في زيارة في آذار عام 2000 أي قبل وفاة حافظ الأسد بثلاثة أشهر، التقى خلالها رئيس مجلس إدارة شركة “المملكة القابضة” السعودية، رجل الأعمال السعودي الوليد بن طلال، ببشار الأسد.

وعقب افتتاحه في حفل رسمي جمع بشار الأسد والوليد بن طلال مجددًا، تحول الفندق إلى واحدة من أهم صور الترويج السياحي لدمشق، وباتت صورته موازية لجبل قاسيون وساحة الأمويين في الإشارة إلى دمشق.

أُلحق بفندق “فورسيزونز” مقهى “روتانا كافيه” عام 2008، المرتبط بسلسلة “روتانا” المملوكة للوليد بن طلال، والتي كرّست محاولات استقطاب الوسط الفني العربي، وتشكيل مركز فني جديد يوازي القاهرة وبيروت.

وخلال فترة ما بعد الثورة السورية، استمرّ الفندق في تحقيق الشهرة على المستوى العربي، في الوقت الذي كانت شعبية الأسد تتزايد، إذ حصد “فورسيزونز دمشق” عام 2009 جائزة “فندق سوريا الأول” خلال حفل توزيع جوائز السياحة العالمية في مدينة دبي “World Travel Award”، وهو العام ذاته الذي حصد فيه الأسد لقب الرئيس الأكثر شعبية لدى العرب، وفق استطلاع أجرته جامعة “ميرلاند” الأمريكية.

التباس الدور الأممي في غرف الفندق

تراجعت إيرادات سوريا السياحية عقب انطلاق الثورة، وقدرت نسبة التراجع بـ 98٪ عام، بحسب تقرير لموقع “مونيتور” الأمريكي، عام 2015.

وبينما بلغت خسائر القطاع السياحي منذ 2011 وحتى العام الحالي 50 مليار دولار، وفق تقديرات صادرة عن وزارة السياحة في آذار الماضي، لم يتراجع عمل “فورسيزونز” كثيرًا، إذ اعتمدته بعثة الأمم المتحدة، و”لأسباب أمنية” مكانًا للإقامة بدلًا من فندق “شيراتون دمشق” منذ عام 2013، ومسرحًا للاجتماعات مع مسؤولي النظام السوري.

كما استقبل “فورسيزونز” بعثة المفتشين الدوليين عن الأسلحة الكيماوية عقب مجزرة الغوطة الشرقية صيف 2013، والتي راح ضحيتها 1127 شخصًا، وشهد على صفقات لتمويل منظمات مرتبطة بزوجة الأسد، بحسب تقرير نشرته وكالة بلومبيرغ في تموز 2017.

ورغم أنّ ذلك التقرير لم يستدع تغييرات في سياسة الأمم المتحدة المالية تجاه المنظمات المقربة من النظام، لكنّ مزيدًا من الجدل أثير مجددًا في حزيران الحالي، بعد تغريدة لعضو الكونجرس الأمريكي، جو ويلسون، قدّر فيها حجم إنفاق الأمم المتحدة في “فورسيزونز” بـ 26 ألف دولار يوميًا، وعشرة ملايين دولار سنويًا.

في بطن الحوت

مع صعود نجم رجل الأعمال السوري، سامر الفوز، المعروف بقربه من النظام، وعقب الأزمة التي أدت إلى خسارة الوليد بن طلال أكثر من 15 مليار دولار، حسب تقديرات وكالة “بلومبيرغ” العالمية، على خلفية اعتقاله لقرابة عام في السعودية، تحولت حصة الأخير إلى الفوز، في صفقة كشفت عنها صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، في آذار من العام الماضي.

تراجعت قيمة “فورسيزونز” المعمارية إثر تلك الصفقة، وأصدرت إدارة الفندق في نيسان 2014 قرارًا بإغلاق المحال التجارية الفخمة في محيطه، ومجمّع المقاهي.

وفي شباط الماضي، باشرت إدارة الفندق بتغيير معالم مجمع “البوليفارد” الذي يضم 12 مطعمًا وسبعة محلات لبيع الألبسة في محيط الفندق، والتي تبيع أشهر الماركات العالمية، وسلعًا باهظة الثمن، بالإضافة لوجود محلات مجوهرات وساعات فخمة، ومبنى لبنك خاص.

ومع استحواذ الفوز على الحصة الأكبر من الفندق، وعودته إلى جعبة الفئة الاقتصادية المقربة من الأسد، بات “فورسيزونز دمشق” جزءًا من أهداف العقوبات الموجهة ضدّ النظام السوري.

وفي حزيران الماضي، مُنح الفوز لقب “الأوليغارش” السوري، من قبل زارة الخزانة الأمريكية، التي فرضت عليه عقوبات اقتصادية، إلى جانب 15 شخصًا وكيانًا مقربين من رئيس النظام السوري.

زُجّ “فورسيزونز” في خانة الأسد مجددًا بعد أن انطلق بإشرافه، وانتُزع اسم السلسلة العالمية عنه، في خطوة قد تؤدي إلى تراجع عائداته، الأمر المرهون، كما مصير سوريا، بقرارات أممية لم تُتخذ بعد.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة