المخرج الليث حجو.. صانع “الندم” و”الانتظار”

camera iconالمخرج السوري الليث حجو_ 28 من كانون الثاني (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

أتاح التطور التكنولوجي وأرشفة المحتوى الدرامي عبر الإنترنت، عودة المشاهد متى أراد إلى المسلسل الذي يلامسه ويعبر عنه لمشاهدته.

وأسهم ذلك في خلق علاقة أكثر تطورًا وأعمق أثرًا بين المشاهد وفريق العمل الدرامي الذي يتابعه، إذ أصبح المشاهد مهتمًا بمعرفة كاتب القصة والحوار، وأيضًا معرفة المخرج الذي يقدّم له عملًا ينال الرضا والإعجاب.

واستطاع الليث حجو القفز فوق الاعتبارات السابقة، وحفر اسمه على جدران ذاكرة المشاهد دون الاستعانة بفرادة الاسم وندرته في المجتمع السوري، إذ اعتمد على المحتوى والقيمة الفنية التي لا تتقاطع مع ما يقدمه غيره من المخرجين في الوسط الفني، فالمشاهد يتذكر فقط المخرج الذي يحرك مشاعره دون ابتذال.

وحضر اسم الليث بقوّة مع إخراجه مسلسل “بقعة ضوء” منذ عام 2001 وحتى 2004، وإخراجه في 2003 مسلسل “عالمكشوف“، لكن كثافة الأعمال التي أخرجها مستفيدًا من طاقة الشباب التي شحنت بداياته، تجعل من الصعب إحصاء هذه الأعمال بالاسم فقط، دون الوقوف على ما تركته في المشاهد الذي يعود إليها كزاد جمالي كلما أضجره المحتوى الدرامي التجاري المعاصر.

أخرج الليث حجو في عام 2006 مسلسل “الانتظار”، وقدّم من خلاله نجوم الدراما السورية بشخصيات لا تشبه ما ألفهم بها المشاهد، بالإضافة إلى الغوص عميقًا في عشوائيات دمشق، وعشوائيات الأفكار التي تتكاثر فيها، فكانت الحارة التي شكلت “لوكيشن” العمل بمثابة وطن صغير يجمع اللص والشرطي جنبًا إلى جنب، ويضع المجتمع السوري تحت المجهر لامسًا الجرح دون تحريضه على النزف.

كما أخرج الليث بعد عشرة أعوام من “الانتظار” مسلسل “الندم“، وحمل العملان توقيع الكاتب حسن سامي يوسف، مع فارق بسيط ومعقد أيضًا، وهو الوقت، فـ”الانتظار” جاء قبل خمس سنوات من الثورة التي كانت بوادرها واضحة في قسوة الظروف وغياب الإصلاح، أو حتى الرغبة فيه، في حين جاء “الندم” بعد خمس سنوات من الثورة، التي فاقمت القبضة الأمنية خلالها حالة الضيق الذي سبقتها، وعززت القهر الفردي والجمعي غير المعلن بين الناس والمتواري بوشاح كبرياء لا يستر الظلم.

واستطاع هذا العمل بالموسيقى التصويرية المؤثرة التي عززت الصورة حين غاب الحوار، وبالانتقاء الموفق لطاقم الممثلين، الذين جسدوا قصة عائلة تشبه الوطن بتناقضاته وفوضاه، التفوق على ما رافقه من إنتاجات درامية في موسم دراما رمضان 2016.

من الصعب تحديد العمل الأبرز للمخرج السوري الليث حجو، طالما أنه يترك بصمة مختلفة في أي عمل يتولى إخراجه، إذ تشكل عبارة “إخراج الليث حجو” جواز سفر لعمله الدرامي منذ اليوم الأول في علاقته مع الشاشة، حتى صارت أعماله المُنتجة والمُعدة للعرض في الموسم الرمضاني خارجة عن سياق المنافسة أو السباق، فالمشاهد ينتظر، والعمل سيكون بفكرة مختمرة ومبتكرة، وسيخلق حالة من التكامل قد لا تصل إليها أعمال كثيرة في الموسم الواحد.

ويستطيع المشاهد اكتشاف الوصفة التي يتبعها الليث بسهولة، إذ لا يسعى لتحقيق الكم بمقدار ما يهتم بالنوع والمحتوى وشكل وقالب توصيل الرسالة للمشاهدين، وقبل ذلك كله فالأولوية لفحوى هذه الرسالة طبعًا.

ورغم وضوح هذه الوصفة أمام المشاهد وصنّاع الدراما في الوقت نفسه، صار الإنتاج الدرامي الضخم الذي يقدّم للجمهور العطش في شهر رمضان، مختزلًا بعيون المشاهدين في عدّة أعمال فقط ضمن الموسم الواحد، وبالطبع لما يخرجه حجو الصدارة.

الليث حجو من مواليد مدينة حلب عام 1970، وبدأ مشواره الإخراجي مبكرًا، فافتتح علاقته بالكاميرا ومواقع التصوير مخرجًا منفذًا إلى جانب المخرج الراحل حاتم علي في مسلسل حمل اسم “سفر“، وأُنتج عام 1997.

ونشأ الليث حجو في جو فني عالي الحرفية، فهو ابن الممثل الراحل عمر حجو، وسلك طريقه العملي بخطوات متزنة، فاشتغل مخرجًا مساعدًا في “مرايا 99“، والجزء الأول من “الفصول الأربعة” في العام نفسه، إلى جانب حاتم علي.

أعمال “نخبوية”

في عام 2013، قدّم الليث حجو عملًا باسم “سنعود بعد قليل“، عن قصة الفيلم الإيطالي “الجميع بخير”، وكتب السيناريو والحوار رافي وهبي، وجاء العمل ببطولة مشتركة بين مجموعة كبيرة من النجوم الذين قلما يستطيع مخرج آخر جمعهم في عمل واحد، ومنهم دريد لحام وعمر حجو، والد الليث حجو، والفنان عابد فهد، وباسل خياط.

وفي 2014، قدّم “ضبوا الشناتي“، عن نص الكاتب ممدوح حمادة، بقالب الدراما الساخرة أو الكوميديا السوداء، وناقش العمل واقع الإنسان السوري الهارب من هيمنة قذائف “الهاون” ومتاريس الحرب التي قطعت أوصال المدن والأحياء السورية، وحلم السوريين باللجوء إلى أوروبا، ورغم النسق الكوميدي الذي غلّف العمل، فإنه حمل الكثير من الرسائل الإنسانية، وعبّر بصدق عن هاجس الاستقرار الذي يطارد الإنسان كلما أمعنت الحروب داخله وحوله.

وأخرج الليث حجو في 2019 مسلسل “مسافة أمان” عن نص الكاتبة إيمان السعيد، والمميز في العمل أنه ناقش جوانب من الواقع السوري لم تتطرق إليها الأعمال الدرامية السابقة.

ففي “مسافة أمان” حديث عن الأطباء والعمليات الجراحية التي تسرق الأعضاء البشرية، وفيه حديث عن الحب الخادع، والحاجة إلى الاهتمام، والحب الذي لا يعترف بمقياس العمر، والتمسك بالأرض، وسطوة رجال الأمن والمتنفذين في السلطة، والحب المرضي للبلاد التي لا تقدم لمريدها أسباب أو مبررات هذا الحب، وحمل العمل نهاية مرضية للمشاهد، وجاء متفوقًا على العمل التالي للمخرج نفسه وهو “أولاد أدم”.

ثنائيات متعددة و”سفر برلك”

أقام الليث حجو علاقة وثيقة بطواقم أعماله الدرامية، فبعد بناء الثقة، والنتائج المرضية للمشاهد والمنتجين، يكرر الليث تعاونه مع الأسماء ذاتها، فتعاون لأكثر من مرّة مع الكاتب ممدوح حمادة في مسلسل “ضيعة ضايعة” بجزأيه الأول والثاني، و”ضبوا الشناتي” عام 2014، و”الواق واق” عام 2018.

كما تعاون لأكثر من مرّة مع الكاتبة ريم حنا في “لعبة الموت” عام 2013، و”24 قيراطًا” عام 2015، وفيما يتعلق بالموسيقا التصويرية، حملت عدة أعمال لحجو بصمة إياد الريماوي الموسيقية، وكان أبرزها شارة مسلسل “الندم”.

وأخرج حجو في 2019 فيلم “الحبل السري“، الذي أثار الجدل قبل عرضه في مهرجان “مالمو” للسينما العربية، إذ أصدرت مجموعة “سوريون مستمرون في مالمو” بيانًا صحفيًا عبر “فيس بوك”، طالبت من خلاله إدارة المهرجان بسحب فيلم “الحبل السري” من برنامجها، كونه يعكس رؤية النظام، وجرى تصوير العمل على أنقاض مدينة الزبداني، تحت إشراف جهات خاضعة لإرهاب وسلطة المخابرات السورية، بحسب بيان المجموعة.

ويتولى حاليًا حجو تصوير مسلسل “سفر برلك“، الذي جرى العمل عليه مع المخرج الراحل حاتم علي، منذ أكثر من سنتين، لكن وفاة علي مؤخرًا فرضت على الليث إنجاز العمل الذي تنتجه “mbc” لوحده.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة