"الحكم الشرعي غُيّر عشرات المرات في عصر النبوة"

الدكتور محمد حبش لعنب بلدي: الحرية جوهر النهضة لكنها للأسف تصنف نقيضًا للدين

الدكتور محمد حبش (تعديل عنب بلدي)

camera iconالدكتور محمد حبش (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

حوار: أسامة آغي

الحديث في التنوير الديني والمجتمعي، يحتاج إلى مساحة حرية تؤدي إلى حوار مفتوح خارج مفهوم “سمعنا وأطعنا”.

لكن عملية التنوير أو التجديد ليست سهلة، وخاصة في شقها الديني، إذ إنها تصطدم بشكل مباشر بالتراث التاريخي للدين ومذاهب أخرى، ومصالح شخصية، ورفض قاطع للتغيير.

عنب بلدي التقت بالدكتور محمد حبش، مؤسس ومستشار مركز “الدراسات الإسلامية”، ومؤسس رابطة “كتّاب التنوير”، وطرحت عليه أسئلتها.

تجاوز ظاهر النص

“الحداثة” أمر تفتقده حياتنا المعاصرة، إذ تميل مجتمعاتنا إلى نمطية تفكير تسليمي وإلى الغيبيات بشكل كامل (أو الأمور المعروفة بما وراء الطبيعة)، وهو ما يعطل تطور المجتمعات نفسها على الصعد كافة.

وقال الدكتور محمد حبش، وهو دكتور الفقه الإسلامي في جامعة “أبو ظبي”، لعنب بلدي، إن “جوهر السبب في عنائنا وفشلنا أننا متخلفون، فخطابنا الديني متخلف، وخطابنا السياسي والاقتصادي كذلك”، بحسب رأيه.

وبرأي الدكتور حبش، فالخطاب الديني “يمارس صيغة تسليمية بالغة الخضوع، قائمة على منطق ظاهر النص، ومحددة بأنها وفق فهم السلف الصالح، وبالتالي هو فهم أقرب إلى الفترة الزمنية التي ظهر فيها النص، وهم الأولى بفهم مضامينه”.

ويعتقد الدكتور حبش أن تلك “الرؤية باتت محسومة للأسف في المدارس الشرعية التقليدية، واختفى ذلك الفهم الصوفي، الذي كان يسعد بالبدع الجميلة ويطرب لها، وعاد الخطاب المنهاجي إلى صيغة (كلّ بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار)، وهي صيغة غلبت على الخطاب الديني في العقود الأخيرة”.

كما يرى الدكتور حبش، الذي صدر له 40 كتابًا، أن الهيئات الصوفية التقليدية انخرطت بهذه الصيغة، باعتبارها أفقًا أعلى في ممارسة الفقه والاجتهاد، ولم تكن كذلك على مرّ التاريخ، والأمة لم تكن تتلقى النصوص الأولى بالتسليم الذي يطالب به بعض علماء الدين اليوم. 

وسبق للدكتور حبش أن أوضح هذه الفكرة من خلال كتابه “النبي الديمقراطي”، الذي شرح أن فكرة التلقي بالتسليم المحض للتشريع، بصفته أمرًا غيبيًا، هي فكرة متعالية لم تكن شائعة أصلًا في عهد النبوة، بل كان قادة الفكر الإسلامي في زمن النبي محمد يحاورون ويناقشون خطاب الوحي نفسه.

ويعتقد حبش أنه الحكم الشرعي غُيّر عشرات المرات في عصر النبوة، بناء على اعتراض الجمهور وحوارهم.

وأضاف أنه أحصى “21 آية أجمع المفسرون على أنها نُسخت بعد حوارات مستمرة، و48 حديثًا نبويًا أُلغيت بعد اعتراض الجمهور وحواراتهم المستمرة”.

ومن هذه الأحكام، تحويل القبلة من مكة إلى القدس ثم من القدس إلى مكة، وعقاب القذف في حق الزوج، الذي رفضه الصحابة، وفي النهاية تحول من جلد إلى ملاعنة ويمين، ولم يعد جلدًا مع أنه كان منصوصًا عليه في القرآن بالجلد.

ويرى الدكتور حبش أن هذه المصطلحات تبدو غريبة عندما تُتداول في علوم التراث الإسلامي، ولكنها في الواقع ما كان يحصل، موضحًا أن النبي محمد نفسه أعلن بصراحة أنه قد يأمر بالشيء، أو ينهي عن الشيء، ويقسم على ذلك الأيمان الشديدة، ثم يبدو له خلاف ما كان يرى، فيكفّر عن يمينه، ويتحول إلى ما هو خير.

وبحسب الدكتور محمد حبش، فإنه يملك 400 مثال حي من تطبيق الرسول نفسه، والوحي من كتاب وسنّة، ثم التراجع عنها بصيغ مختلفة، إذ تحولت الأمة إلى خيارات أخرى بسبب التطور الزماني والمكاني.

ويعتقد أن ما قدمه علم أصول الفقه عبر ما وصفهم بـ”الأئمة المستنيرين”، خاصة الحنفية والمالكية، يحتوي أدوات كافية في تجاوز ظاهر النص والوصول إلى “هرمينوطيقا” متماسكة منطقيًا وبرهانيًا.

وتُعرف الـ”هرمينوطيقا” بأنها تطور علم التأويل والتفسير، وتستخدم في الدراسات الدينية، سواء الإسلامية أم غيرها. 

قواعد العقل الأربعون

ظهرت في السنوات الأخيرة شخصيات عدة طالبت بإعادة النظر في التراث الإسلامي، بوصفه مرتبطًا بأحداث سياسية واقتصادية مرّت على البلاد الإسلامية منذ عصر الخلفاء، وتاليًا في العصور الأموية والعباسية.

وعن التنوير وعلاقته بالعقلانية، وفيما إذا يمكن اعتبار التنوير حركة تاريخية، تتعرض لعراقيل مادية وفكرية، قال الدكتور محمد حبش وهو مؤسس رابطة “كتّاب التنوير”، “كتبت في ذلك دراسة أسميتها (قواعد العقل الأربعون)، تشرح أن الفقهاء في العصور الإسلامية، كتبوا قواعد العقل التي تسمح له بدور فعّال ومكافئ أمام النص الديني”. 

وبرأي الدكتور حبش فإن هذه القواعد كانت في جوهرها تمردًا على حكم النص، واجتهادًا في مورده، ولكنها في النهاية تحقيق لمقاصد النص الديني نفسه.

وأضاف، “بناء على هذه القواعد، نجح علماء أصول الفقه في وقف العمل بنصوص كثيرة، تأمر بقتال الجوار المخالفين في الدين وقتال الناس، حتى يقولوا لا إله إلا الله، وقتل المرتد، وغيرها من الأحكام الخطرة، التي يمكن أن تجعل المسلمين في حرب دائمة مع الأمم، وتمنع الوفاق والسلام في الأرض”.

ويرى الدكتور حبش أن التشريع في الإسلام مرتبط بحاجات المجتمع، وأن إمكانية التطوير والتعديل فيه محقة ومشروعة، وأن الوحي الكريم معني بمصالح الناس، وقد يعرض له التخصيص أو التقييد أو النسخ، وفي ذلك كله يمكن التماس مصلحة الناس الراجحة التي تفرض تغيّر الأحكام بتغيّر الأزمان والأوضاع والأحوال.

ويعتقد أن “هذه القواعد الفقهية أشبه بدستور الاجتهاد، وكان فقهاء الإسلام في العهد الذهبي للتشريع الإسلامي يطبّقون هذه القواعد الديمقراطية من غير نكير”. 

وأضاف، “من المؤسف أن رواية هذه القواعد أو إعمالها اليوم يواجه باستنكار التيارات السلفية، التي تتوجه عادة للعمل بظاهر النص، وترفض هذه القواعد الأصولية الفقهية الديمقراطية، التي حققت تاريخيًا تطوير الشريعة ومجد الفقه الإسلامي”.

كما بيّن بعض ما يستخدمه شيوخ الدين اليوم من “إطلاقيات”، بأنه “لا اجتهاد في مورد النص، وكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف، كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار” لمنع الاجتهاد والتطوير في الشريعة مهما كان مطلبًا اجتماعيًا ضروريًا، والاكتفاء بظاهر النص الديني الأصلي فقط.

الحرية جوهر النهضة

ربط الدكتور حبش بين الحرية ودرجة التطور الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وقال إن الحرية هي جوهر النهضة، ولكنها وللأسف تصنّف دومًا نقيضًا للدين، وهو أمر عاناه المفكر الأوروبي في عصر النهضة، وعاناه المفكر الإسلامي في عصر المعتزلة، وهو اليوم على رأس الجدل في حواراتنا الصاخبة في المجتمعات الإسلامية.

وتساءل: هل نحن أمة العقل، أم أمة النص؟ وهل نستطيع أن نختار لأنفسنا ما هو الأصلح، أم أن السماء قد اختارته لنا في الدنيا والآخرة؟

وبرأي الدكتور حبش فإن الإسلام بتراثه المنقول يحتوي على الرؤيتين معًا.

وأضاف أن النصّ القرآني هو كتاب “هداية وإرشاد”، وليس كتاب كيمياء وفلك وتاريخ وقانون، معتبرًا أن الرسول لما أراد أن يحكم المدينة، كتب دستورًا وضعيًا اتفاقيًا بلغة القانون، وليس بلغة الأدب، ولم يقل ما يقوله التيار السلفي (دستورنا القرآن والسنّة).

ويعتقد حبش أن “السبيل الوحيد لدرء تعارض العقل والنقل، يكون بالعودة إلى ما انتهجته الدول الإسلامية الناجحة كلها خلال التاريخ، قبل قيام الحركات السلفية الظواهرية”.

واعتبر أن هذا الأمر هو الوصفة الوحيدة لاحترام القرآن وترتيله وتقديسه وإجلاله، ليس كنص سحري فوق العقل وفوق العلم، بل كنص تاريخي أدبي، فيه هداية وحكمة ونور، تحتاج إليه الأمة حين تقتحم المشهد الحضاري بعقول منفتحة وإرادة بصيرة وشورى ديمقراطية صحيحة.

نريد الجذوة لا الرماد

وعن فهمه لأسباب تحطيم العقل العربي، وهل هي سياسية أم تتعلق بنمط التفكير، وكيف يمكن تجاوز هذا التحطيم، قال حبش، “العالم جدل متلاطم، ومن الطبيعي أن يكون عقلنا في معركة تحطيم وخلق كل يوم”.

وأضاف، “لقد هتف زارا العائد من الجبل: الكون يتجدد كل يوم، والحقائق تعيد إنتاج ذاتها، إنه العود الأبدي”. 

وبيّن الدكتور حبش أن الفيلسوف الألماني نيتشه رفض “الإله المصلوب العاجز عن حماية نفسه، وقال إن أمة هذه آلهتها لن تنهض أبدًا”.

“إنني أقتبس غضب نيتشه، وثورته الهادرة على الكهنوت البليد، وأحيي دعوته للتدمير والخلاص كل يوم”، قال حبش، فـ”هذه الحياة الخضراء لن تزهر إلا حين نحرث الأرض ونركل أرسخ ما فيها لتعود ترابًا لينًا يخلق من جديد”. وبرأيه، إذا أردنا أن يكون الإسلام حيًا فعلينا أن نأخذ من تراث الآباء الجذوة لا الرماد.

وزارا هي شخصية زرادشت، التي وردت في الكتاب الذي ألفه الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه، وحمل اسم “هكذا تكلم زرادشت” بين عامي 1883 و1885، وأثار جدلًا واسعًا، واتهم مؤلفه بمهاجمة الأديان والدعوة إلى هدمها.

في حين ترى شريحة أخرى أن نيتشه دعا في كتابه إلى إعادة فهم النصوص الدينية بشكل أوسع.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة