الحقوق العقارية في خطر..

أبنية مدمرة جزئيًا مهددة بالإزالة كليًا في الرقة

camera iconطفلان سوريان أمام مبنى مهدم في مدينة الرقة شمال شرقي سوريا- 26 من تموز 2020 (عنب بلدي/عبد العزيز الصالح)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي- الرقة

“اختفى أثرها بعد أن كانت أبنية يُستفاد منها”، بهذه الكلمات اختصر رامي الحسن، البالغ من العمر 30 عامًا، حال عدة أبنية حكومية تعرضت للدمار الجزئي خلال معارك السيطرة على محافظة الرقة، شمال شرقي سوريا، أو بقصف طائرات قوات النظام السوري على المدينة بعد خروجها منها.

قال رامي الحسن، وهو ناشط مدني من سكان حي الثكنة في الرقة لعنب بلدي، إن العديد من الأبنية الحكومية في المدينة التي تعرضت للدمار الجزئي تُزال في هذه الفترة للاستفادة من حديدها بدلًا من الإبقاء عليها وإزالة الأجزاء المتضررة فقط، من أجل ضمان إعادتها لخدمة الأهالي.

وتتعرض أبنية حكومية بُنيت بين عامي 2000 و2010 للإزالة بشكل كامل، وفق ما رصدته عنب بلدي في المنطقة، وذلك من قبل متعهدين يستخرجون قضبان الحديد الموجودة بداخلها لتُباع في أسواق المدينة، في الوقت الذي تعاني فيه المدينة من تراجع خدمي حكومي.

الدمار الجزئي حجة الإزالة الكاملة

الدمار الجزئي الذي طال عدة مبانٍ حكومية لم تشمله خطط إعادة التأهيل في الرقة، لكنه سمح لبلدية المدينة و”دائرة الخدمات الفنية” التابعة لـ”المجلس المدني” بإيجاد حجج لإزالة المباني ضمن مناقصات وصفها الناشط المدني رامي الحسن بـ“المشبوهة”.

ويرى الناشط المدني أنه “كان من الأولى المحافظة على تلك الأبنية وإزالة الأجزاء المتضررة فقط منها، بدلًا من أن يتم نسفها لأجل قضبان الحديد، وقد تحتاج الرقة إلى ملايين الدولارات لإعادة بناء مبانٍ مثل التي تُهدم اليوم”.

ومن أبرز الأبنية التي ستتم إزالتها مبنى مستشفى “الأطفال”، الذي بدأ العمل على بنائه عام 2008، وعندما سيطرت فصائل المعارضة السورية على الرقة عام 2013، كانت ورشات البناء الخاصة بالمستشفى على وشك الانتهاء من عملها.

الإزالة لـ”تجميل الواجهة العمرانية”

إزالة الأبنية المدمرة جزئيًا يكون الهدف منه “تجميل الواجهة العمرانية للمدينة”، وفق ما اعتبره أحد موظفي “دائرة الخدمات الفنية” في حديث إلى عنب بلدي، في الوقت الذي تعجز فيه المؤسسات المعنية في الرقة عن ترميم الأبنية لعدم توفر الإمكانيات المادية المناسبة لذلك.

وأضاف الموظف، الذي تحفظ على ذكر اسمه لأنه لا يملك تصريحًا بالحديث للإعلام، أن المؤسسات تستفيد ماديًا من ثمن الحديد المستخرج من الأبنية، وترفد العوائد المادية من قيمته للخزينة العامة من أجل توفير بعض الخدمات الأساسية الأخرى في الرقة.

وتنافس أسعار قضبان الحديد المستعمل الحديد الجديد في أسواق الرقة، وتُباع للسكان بعد إعادة تسويتها لتُستخدم من جديد في الأبنية التي تُبنى حاليًا.

ويباع طن الحديد المستعمل في أسواق الرقة بعد تسويته بـ720 دولارًا للطن الواحد، بينما يبلغ سعر ذات الكمية للحديد الجديد 920 دولارًا.

الإزالة لا تخالف القانون.. لكن بضوابط

تحدث موظف “دائرة الخدمات الفنية” عن وجود أبنية خاصة مدمرة جزئيًا تتم إزالتها أيضًا، على عكس ما يعتقد بعض الأهالي بأن الإزالة تشمل فقط الأبنية الحكومية، “وهذا أمر ضروري لإزالة آثار الدمار في ظل عدم وجود دعم مادي من أي جهة لإعادة تأهيلها”.

وكانت بلدية الرقة أصدرت تعميمًا بداية عام 2020 بضرورة إزالة الأبنية المدمرة في المدينة خلال مدة أقصاها عشرة أيام، وجهته لأصحاب العقارات الخاصة ضمن أحياء المدينة وشوارعها الرئيسة.

ومن وجهة نظر المحامي السوري محمد أيوب، فإنه يحق للجهات العامة إزالة الأبنية المتضررة الآيلة للسقوط، سواء أكانت هذه الأبنية متضررة بشكل جزئي أو كلي.

وأوصى المحامي بوجود جهاز رقابي أعلى من البلدية يراقب عملها ويقدر إمكانية إصلاح المبنى المتضرر أو إزالته، لأن انفراد البلدية بمثل هذه المناقصات يخلق عمليات فساد وسرقات قد تطال المال العام.

خطر ضياع الحقوق العقارية

إزالة الأبنية المدمرة جزئيًا أو كليًا من دون أي رقابة من جهة عليا، قد يؤدي إلى صعوبة إثبات أصحاب العقارات في المنطقة حقوقهم، التي قد تضيع وسط أعمال الإزالة العشوائية للمباني الخاصة بالمدنيين، أو حتى صعوبة تعويضهم بقيمة أنقاض منازلهم المدمرة.

ولا يجب أن تتحول المدينة إلى أرض مستوية خالية من أي معالم أو دلالات على أماكن المباني السابقة بحجة تجميل الواجهة العمرانية للمنطقة، أو عدم تأمين المورد المادي لتأهيل تلك المباني، لأن ذلك سيسهل على البلديات والمؤسسات المعنية في المستقبل التحكم بمصير هذه المساحات الخالية.

وإزالة أي منطقة سكنية مدمرة بشكل عشوائي من دون ضوابط ينذر بإنشاء مناطق تنظيمية جديدة، من دون مراعاة الحقوق العقارية السابقة، وبالنتيجة ستتغير التركيبة السكانية في المدينة، وتتحول ملكية الأفراد المستقلة إلى أسهم عقارية في المنطقة التنظيمية، بموجب الدخول بشراكات إلزامية.

كما أن حقوق المالكين الذين فقدوا سندات الملكية لبيوتهم الطابقية، ستتأثر في حال محو آثار العقارات وأماكنها.

وستضيع حقوق كثير من مالكي البيوت في المباني المملوكة على الشيوع، بالإضافة إلى الذين تملكوا منازلهم بموجب عقود عادية غير موثقة أو بموجب وكالات أو قرارات أحكام لم تسجل في السجل العقاري، ولن يستطيع هؤلاء إثبات ملكيتهم بعد إزالة بقايا المباني المدمرة في مدينة الرقة وترحيل الأنقاض، وضياع معالم الحارات والشوارع والأزقة.

عجز عام عن إعادة الإعمار

تشكّل المباني المدمرة جزئيًا أو كليًا عائقًا كبيرًا في وجه الأهالي الذين يرغبون في البقاء بمنازلهم ومدنهم وبلداتهم، في ظل عجز عام يبدأ من المؤسسات المعنية بإعادة تأهيل العقارات المدمرة وينتهي بالمالكين لتلك العقارات.

ففي حين لم تتخذ الجهات الحكومية في محافظة الرقة خطوات حقيقية لحل إعادة تأهيل تلك المباني، يتحمل بعض الأهالي من المالكين أعباء إعادة تأهيل عقاراتهم كي تكون قابلة للسكن، بينما لا يزال جزء كبير من العقارات في المدينة عبارة عن خراب.

وفي بعض الأوقات، يتخلى أصحاب المنازل عن حقوقهم فيها عن طريق التنازل عنها لتجار العقارات والمتعهدين دون إرادتهم الكاملة، فقط لكونهم عاجزين عن إعادة إعمارها بأموالهم الخاصة.

وتراقب بلدية مدينة الرقة عبر مكتب التخطيط العمراني إعادة الإعمار الحاصلة في المدينة، والتي تقتصر على جهود أصحاب الأبنية ذاتهم أو مقاولين يُتفق معهم على إعادة الإعمار، ترافق ذلك جهود خجولة للمنظمات الإنسانية التي تختص بإعادة الإعمار والممولة خارجيًا.

ويتهم سكان في الرقة البلدية بالتغاضي عن عشرات المخالفات التي تحدث في المدينة والتي تترافق مع تعديات على الأملاك العامة مقابل تلقي أعضاء البلدية رشى من تجار عقارات ومقاولي بناء.

وبحسب تقرير معهد “الأمم المتحدة للبحث والتدريب”، يوجد في محافظة الرقة 3326 مبنى مدمرًا كليًا، و3962 مبنى مدمرًا بشكل بالغ، و5493 بشكل جزئي، ليكون مجموع المباني المتضررة 12781.

وتوزع الدمار في المحافظة على مختلف المدن والقرى التابعة لها، إذ يوجد في مدينة الطبقة 207 مبانٍ مدمرة كليًا، و128 مبنى مدمرًا بشكل بالغ، و152 مدمرًا بشكل جزئي، حيث بلغ مجموع المباني المتضررة 487.

وخلال عام 2017، شهدت مدينة الرقة معارك بين عناصر “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) ومقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية”، حيث استمرت 166 يومًا، انتهت بسيطرة “قسد” على المدينة منتصف تشرين الأول من نفس العام، مدعومة بقوات “التحالف الدولي” بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وأدت تلك المعارك إلى تدمير بعض الأبنية في المدينة إما جزئيًا وإما كليًا.

واستُخدمت الطائرات وراجمات الصواريخ في المعارك داخل أحياء المدينة، وكان لها الدور الأكبر في تدمير الأبنية، بالإضافة إلى التفجيرات التي نتجت عن ألغام خلّفها تنظيم “الدولة الإسلامية” وراءه.

وكان تقرير لمنظمة “العمل ضد العنف المسلح” الدولية ((AOAV، صادر في كانون الأول 2019، قدّر عدد القذائف المدفعية التي أطلقتها قوات “التحالف الدولي” على مدينة الرقة بـ30 ألف قذيفة.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة