واشنطن تنأى بنفسها عن “تقلبات” جوار سوريا السياسية

camera iconملك الأردن عبد الله الثاني والرئيس الأمريكي جو بايدن - 2021 (cnn)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – ديانا رحيمة

في إطار التقلبات السياسية بالمنطقة، يحاول النظام السوري استغلال هوامش تمكّنه من العودة للتحكم بعدة ملفات إقليمية، وسط ردود فعل خجولة من الولايات المتحدة الأمريكية.

وتغيّرت الردود الأمريكية وتباينت في موقفها من النظام السوري، إذ كانت تجرّم النظام، وتفرض عقوبات تحظر التعاملات الاقتصادية معه، لكنها سهّلت تعامل دول الجوار معه، وأبرزها الأردن ولبنان ومصر في ملف نقل الغاز، ثم جاء الحديث عن استثناءات لعقوبات قانون “قيصر” المفروضة على النظام.

من اقترح تخفيف العقوبات؟

جاء ذلك في جلسة تثبيت تعيين المرشحة لمنصب مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى، باربرا ليف، في 18 من أيلول الماضي، وترأسها السيناتور من الحزب “الديمقراطي” بوب مينينديز.

وطرح العضو في مجلس الشيوخ الأمريكي كريس فان هولن، آنذاك، سؤالًا على باربرا ليف حول الأوضاع في لبنان وقضية استجرار الطاقة إلى البلاد من مصر والأردن عبر سوريا، وهو الأمر الذي اقترحته السفيرة الأمريكية في لبنان، دوروثي شيا، إذ تساءل هولن ما إذا كان الاقتراح يتوافق مع قانون “قيصر” أم ستكون هنالك تنازلات.

من جهتها، أجابت ليف بأن “الخارجية الأمريكية تنظر إلى هذا المشروع بتمعّن ضمن الإطار العام للقوانين الأمريكية الخاصة بالعقوبات، وأن الخطة المذكورة تظهر بوادر جيدة، وستعمل الخارجية على استشارة وزارة الخزانة لتحقيق هذا الأمر”، كما شجعت ليف على المشروع الذي وصفته بالحل “الأرخص والأنظف والأكثر أمانًا” لمشكلة كبيرة في لبنان.

بينما عقّب السيناتور من الحزب “الديمقراطي” بوب مينينديز، على تصريح ليف قائلًا، “في هذه الظروف، إذا أعطت الخارجية الأمريكية قرارًا أن (قيصر) هو العائق الوحيد لوصول الطاقة إلى لبنان فمن الممكن أن نجد حلًا”، حسب تعبيره.

ويشكّل تصريح مينينديز تحولًا في رؤيته للأوضاع في سوريا، إذ كان من أشد المطالبين بمحاسبة النظام، وترأّس، في آذار الماضي، لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي لإقرار قانون محاسبة النظام السوري بالتزامن مع الذكرى العاشرة للثورة السورية.

وبعد مراجعة صيغة قانون “قيصر” قانونيًا، يتضح تعارض هذا الاستثناء مع بنود القانون، إذ أجمع قانونيون وحقوقيون وخبراء اقتصاد التقت بهم عنب بلدي على الفوائد الاقتصادية والسياسية للنظام السوري من هذا الاستثناء.

ماذا تقول واشنطن؟

أجاب قسم الشؤون الخارجية في وزارة الخارجية الأمريكية، في مراسلة إلكترونية لعنب بلدي، ردًا على سؤال حول فتح هذه التحولات الباب على إجراء تعديلات على قانون “قيصر” بما يتناسب مع مصالح دول الجوار، بأن الحكومة الأمريكية تقدّر الجهود المبذولة لإيجاد حلول طاقة مبتكرة وشفافة ومستدامة لمعالجة النقص الحاد بالطاقة والوقود في لبنان، الذي يهدد الخدمات الحيوية مثل الرعاية الصحية والمياه.

وبحسب الخارجية، فلا يزال هنالك العديد من الأسئلة حول آلية عمل الصفقات المحتملة، ولكن الترتيبات المحتملة توفر حلًا إقليميًا لمشكلة مُلحّة في لبنان لتخليصه من معاناته في مشكلة الطاقة.

ويحظى قانون “قيصر” بتأييد واسع من الحزبين في الكونجرس الأمريكي، بالإضافة إلى العقوبات المفروضة من طرف سلطات أخرى، وهو أداة مهمة للضغط من أجل مساءلة نظام الأسد، وستواصل الحكومة الأمريكية استخدامه، بحسب الخارجية.

وأشارت إلى أن الأزمة الإنسانية الشديدة والبالغة الخطورة في سوريا هي نتيجة مباشرة لعرقلة نظام الأسد المساعدات المنقذة للحياة، والفساد المنهجي، وسوء الإدارة الاقتصادية.

وأوضحت الخارجية أن العقوبات لا تستهدف أي أنشطة متصلة بالعمل الإنساني، سواء كانت تجارة أو مساعدة، بل صُممت لتقييد قدرة الأطراف الفاعلة السيئة على الاستفادة من النظام الأمريكي المالي أو تهديد الولايات المتحدة، وحلفائها، وشركائها، والمدنيين.

تضارب أمريكي

تتبع السياسة الأمريكية مبدأ النأي بالنفس، دون التدخل المباشر في إعادة الاعتراف بالنظام على الساحة العربية خصوصًا، إذ تطورت العلاقات الأردنية- السورية على عدة أصعدة اقتصادية وسياسية، منها زيارة وزير الدفاع السوري، علي عبد الله أيوب، في 19 من أيلول الماضي، العاصمة الأردنية عمان، التقى خلالها برئيس الأركان الأردني، في زيارة كانت الأولى من نوعها منذ عام 2011.

كما تطورت العلاقات بين البلدين على الصعيد الاقتصادي أيضًا، إذ أعلنت الحكومة الأردنية عن استئنافها حركة الطيران بين دمشق وعمان.

وأمام هذه التحولات، رحبت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، جيلينا بورتر، بحسب ما نقلته قناة “الحرة” الأمريكية، بقرار استئناف الرحلات الجوية، لتعود خلال ساعات وتتراجع عن إعلان الترحيب بالقرار.

وفي 29 من أيلول الماضي، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، في تصريح لوكالة “رويترز“، ردًا على سؤال حول إذا ما كانت بلاده تدعم التقارب بين الحكومة الأردنية والنظام السوري، إن واشنطن ليست لديها أي خطط لترقية العلاقات الدبلوماسية مع الأسد، ولا تشجع أي أحد على القيام بذلك.

وجاء رد المتحدث تعليقًا على ما قالته بورتر، ما يوضح التضارب في الأوساط الأمريكية حول التعامل الجديد في الملف السوري.

ما وراء التضارب

من جهته، قال الناشط السياسي والمقيم في واشنطن محمد غانم، لعنب بلدي، إن الإدارة الأمريكية لم تصمم حتى الآن سياسة محددة تجاه الملف السوري، ولكن هنالك ركائز ثابتة لم تتغير حتى الآن، وهي العقوبات.

ويرى غانم أن الإدارة تساهلت مع الروس في قضية المفاوضات بتمديد الإذن بالعمل في إدخال المساعدات عبر المعابر، إذ حصل الروس على مقابل لإعادة التمديد (المساعدات عبر الخطوط)، على أن قرار إعادة التمديد لا يعارض إجراءات إعادة الاستقرار.

كما لا يحصل اليوم تطبيق واضح ومحاصرة للنظام السوري من قبل الإدارة الأمريكية، وهذا من سمات الحزب “الديمقراطي” الذي لا يحب أن يلجأ إلى العقوبات بشكل كبير.

وبحسب غانم، يحتاج الأمر إلى همة دبلوماسية وعمل من قبل المعارضة السورية، ولكن المعارضة انتهت فعليًا على الصعيد الدولي، إذ يرى أنها تتبع اليوم لدول مؤثرة في الملف السوري.

انقسامات في الحزب “الديمقراطي”

قال السفير الأمريكي السابق في سوريا والباحث في معهد “الشرق الأوسط” بواشنطن، روبرت فورد، إن الانقسامات تتزايد داخل الحزب “الديمقراطي” فيما يتعلق بالسياسات الخارجية.

وفي24  من أيلول الماضي، فشل النائب “الديمقراطي” في الكونجرس الأمريكي جمال بومان، في تمرير تعديل قانون اقترحه لإنهاء الوجود العسكري الأمريكي في سوريا.

ورُفض تعديل القانون، الذي يقضي بإلغاء وجود القوات الأمريكية في سوريا، من قبل المجلس، وتضمّن التعديل التصويت على أكثر من عشرة تعديلات على مشروع قانون السياسة الدفاعية السنوي.

لم يصوّت الكونجرس الأمريكي بعد سبع سنوات من الوجود الأمريكي في سوريا وإلى الآن بالموافقة على التدخل العسكري، كما لم يفسر أي من الرؤساء الأمريكيين السابقين في الوقت الحالي استراتيجية أو خطة القوات العسكرية الأمريكية في سوريا.
نال اقتراح بومان 120موافقة من النواب “الديمقراطيين”، ولم يصوّت ضده سوى 98 “ديمقراطيًا”، ما يكشف التباين في السياسة الأمريكية تجاه سوريا، وازدياد انتقادات الجانب اليساري للحزب تجاه سياسة بايدن الخارجية في سوريا أو حقوق الإنسان وملفات أخرى.

ورفض معظم النواب “الديمقراطيين” موقف القيادة الرافض لاقتراح بومان على الرغم من تأييده من قبل قادة الحزب وأقرب حلفاء بايدن، وعليه، فإن دعم الحزب “الديمقراطي” لمهمة سوريا ليس قويًا على ما يبدو، بحسب فورد.

محور عربي- أمريكي يبعد إيران

قال الدبلوماسي السوري السابق بسام بربندي، في حديث إلى عنب بلدي، إن كلًا من الأردن ومصر، الدولتين اللتين لديهما مشكلات اقتصادية حقيقية، تقدمان نفسيهما أمام الإدارة الأمريكية على أنهما قادرتان على إنشاء محور عربي، ليس قويًا بالضرورة، ولكنه ليس ضعيفًا ولديه إمكانيات جيدة، يمكن أن يساعد السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، ويُدعم بالمقابل من قبلها لكي يستفيد الجميع ولا تُترك المنطقة لإيران فقط.

ويرى بربندي أن هذا الطرح يناسب الإدارة الأمريكية، عبر محاولة دول عربية تتولى زمام المبادرة وتستفيد اقتصاديًا وتدعمها سياسيًا بتفاهمات الشرق الأوسط الكبرى.

ويتطلب هذا المشروع لتنفيذه التواصل مع النظام من زاويتين، الأولى هي الأمور التقنية والقانونية من ناحية خط الغاز، والتنسيق المتبادل الذي سيتم مع بقية الدول في إطار التعامل معه على الرغم من العقوبات وتقديم التسهيلات.

ومن زاوية سياسية أخرى، فإن سوريا ليست متروكة لإيران وحدها، وإذا كان عدم ترك المنطقة لإيران ثمنه تخفيض العقوبات عن النظام، فالإدارة الأمريكية ليست لديها مشكلة، بحسب بربندي.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة