الطاقات المتجددة في سوريا.. مصلحة للنظام أم حاجة “ملحّة”

camera iconمشروع لطاقة شمسية في السويداء (News. CN)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – جنى العيسى

أولى النظام السوري خلال الأشهر الأخيرة مشاريع الطاقات المتجددة اهتمامًا واضحًا، برز عبر إحداثه صندوقًا لدعم استخدامها، ورفعه أسعار تعرفة الكهرباء في محاولة لإجبار التجار والصناعيين على اللجوء إلى إنشاء مشاريع الطاقات المتجددة كبديل عن الكهرباء.

كما ألغت وزارة الكهرباء بحكومة النظام 38 رخصة لشركات ومستثمرين في مجال الطاقات المتجددة، مبررة قرارها بعدم الجدية، إذ لم تضع مشاريعها بالخدمة خلال المدة المُتفق عليها. وحصلت هذه الشركات على تراخيصها بين عامي 2017 و2020.

ولتضمن الحكومة أن يحصل المستثمرون في الطاقات المتجددة على “منتجات ذات جودة جيدة”، وافقت على السماح لشركات القطاع الخاص بإقامة وتجهيز مختبرات خاصة بفحص منتجات الطاقة البديلة المستوردة.

يثير اهتمام الحكومة باللجوء إلى الطاقات البديلة وتصويرها على أنها “الحل السحري” لمشكلة الكهرباء في سوريا، تساؤلات حول وجود مصلحة للنظام من هذا الاهتمام، وهل توجد خلفه مصلحة للنظام أم أنه إدراك لعجز الحكومة عن تأمين حاجة سوريا من الكهرباء.

لتخفيف أعباء الدعم

الدكتور السوري في الاقتصاد والباحث في معهد “الشرق الأوسط” بواشنطن كرم شعار، فسّر انفتاح حكومة النظام السوري على مشاريع الطاقات المتجددة، بتوجهها لتخفيف أعباء الدعم والإنتاج التي تتكبدها منذ سنوات.

وأوضح شعار، في حديث إلى عنب بلدي، أن مشكلة الحكومة الحالية في هذا القطاع، لا تكمن بقدرتها على إنتاج الكهرباء، بل تعود بشكل أساسي إلى عدم قدرتها على تأمين كميات الفيول اللازمة لتشغيل المحطات الكهربائية الحالية.

وأشار الباحث كرم شعار إلى أن تكاليف إنتاج الكهرباء في شكلها الحالي وتكاليف الدعم “عالية جدًا” على الحكومة، مضيفًا أن حكومة النظام لم تعد تستطيع تحمل هذا الدعم المادي، لذا تعمل على تشجيع اعتماد مصادر الطاقة المتجددة من جهة، وترفع أسعار الكهرباء من جهة أخرى.

الخبير والمحلل الاقتصادي خالد تركاوي، أكد أيضًا أن عجز الحكومة عن تأمين الكهرباء بالوضع الطبيعي من المشتقات النفطية هو ما يدفعها إلى البحث عن خيارات بديلة.

وقال تركاوي، في حديث إلى عنب بلدي، إن الحكومة اليوم “أصبحت عاجزة تمامًا في إدارتها للبلاد، وتأمينها للخدمات الأساسية اليومية”.

وفي 1 من تشرين الثاني الحالي، أصدرت وزارة الكهرباء في حكومة النظام السوري، قرارًا يقضي برفع أسعار الكهرباء في معظم شرائحها بنسب تراوحت بين 100% و800%.

وبررت الوزارة زيادة التعرفة على استهلاك الكهرباء بـما وصفته بـ”تحفيز” المشتركين على الاعتماد على مصادر الطاقات المتجددة، لتغطية جزء من استهلاك الكهرباء عبرها، بالإضافة إلى تحقيق تخفيض بالخسائر المالية لدى مؤسسات الكهرباء، وتوفير السيولة المالية لاستمرار عمل المنظومة الكهربائية.

كما اعتبر مدير التخطيط والتعاون الدولي في الوزارة، أدهم بلان، أن الزيادة جاءت “للحفاظ على قطاع الكهرباء”، إذ تصل التكاليف فيه سنويًا إلى حدود 5.3 تريليون ليرة، وإيراداته حسب التعرفة السابقة لم تكن تتجاوز 300 مليار ليرة.

وبحسب حديث بلان، فإن الإيرادات ستتحسن مع التعرفة الجديدة بحوالي 600 مليار ليرة، مضيفًا أنه “مع ذلك يبقى العجز السنوي في قطاع الكهرباء بحدود 4.6 تريليون ليرة”.

تصوير “مزيّف” للقبضة التشريعية

قرار وزارة الكهرباء السورية برفع أسعار تعرفة الكهرباء، جاء بعد أيام على إصدار رئيس النظام السوري، بشار الأسد، قانونًا بإحداث “صندوق دعم استخدام الطاقات المتجددة، ورفع كفاءة الطاقة”.

وتتمثل أبرز أهداف الصندوق، بتشجيع مستهلكي الطاقة على استخدام مصادر الطاقات المتجددة، والعمل على رفع مساهمة مصادر الطاقة المتجددة إلى النسب المستهدفة، وفقًا للقانون.

الخبير والمحلل الاقتصادي خالد تركاوي، اعتبر أنه للحديث عن مصالح “خفية” للنظام قد تعود بالنفع عليه إثر توجهه لتشجيع الاعتماد على الطاقات المتجددة، يمكن تصنيف تلك المصالح في شكلين، أولهما مصالح رئيسة، والثاني فوائد فرعية يريد استعراضها في هذا المجال.

وتتمثل المكاسب الرئيسة التي يجنيها النظام في قطاع الطاقات المتجددة، بحسب ما أوضحه تركاوي، بتصوير نفسه “محكمًا بقبضتيه التشريعية والقانونية على هذا القطاع”.

وأضاف تركاوي أن النظام عبر اتخاذه قرارات تتعلق بالطاقات البديلة سواء إحداث صندوق دعم أو إحداث مخابر لفحص المنتجات، يحاول الإثبات بأنه يعمل على تأمين المستلزمات الأساسية للناس (الكهرباء).

كما يرى تركاوي أن النظام عبر هذه القرارات يريد إيصال صورة للمستثمرين من بعض “أصدقائه” (الروس والإيرانيين والصينيين)، وعدد من الشركات السورية “المحسوبة عليه”، بأنه يملك أسواقًا “مجدية” من ناحية الاستثمار في هذا القطاع، ومضبوطة بقوانين “مدروسة”.

ويستثمر النظام موضوع الطاقات المتجددة، بحسب الباحث، بترويجه “المزيّف” بأنها “الحل” لعودة الكهرباء، وبأنها قد تخلق فرص عمل جديدة إذا استثمرت العديد من الشركات في هذه المشاريع.

داعمون للنظام لا يرغبون بالاستثمار

بحسب دراسة أعدّها الباحثان السوريان سنان حتاحت وكرم شعار، نُشرت في مركز “الشرق الأوسط للدراسات” في أيلول الماضي، تراجع استخدام الطاقات المتجددة حتى قبل بدء اندلاع الثورة السورية.

وأوضحت الدراسة أن نسبة استخدام الطاقات المتجددة انخفضت بنسبة 20% في أوائل تسعينيات القرن الماضي، ثم انخفضت إلى 5% عند بدء الحرب في سوريا.

ومع استمرار التباطؤ في تدفق المياه من تركيا، والعجز عن إصلاح “التوربينات الكهرمائية”، أسهمت مصادر الطاقة المائية بنسبة 2% لا أكثر في التغذية الكهربائية العامة عام 2020.

ووفقًا للدراسة، لا تزال المساهمة الاستثمارية في مجال القطاعات المتجددة “ضئيلة” على الرغم من تقديم حكومة النظام تسهيلات للمستثمرين من القطاع الخاص.

كما ذكرت الدراسة، أنه على الرغم من “كثرة الكلام وتوقيع العديد من مذكرات التفاهم في قطاع الكهرباء”، فإن حكومة النظام لم تستعد إلا “نسبة ضئيلة جدًا” من القدرة الإنتاجية للكهرباء.

وأشارت الدراسة إلى أن الداعمين الرئيسين لحكومة النظام، روسيا وإيران، لم يبديا رغبة تُذكر في متابعة الاتفاقات المُوقعّة، “نظرًا إلى عجز حكومة النظام عن تأمين الأموال اللازمة”.

مراقبة الجودة بأموال خاصة وإشراف حكومي

تعتبر الرقابة على جودة تجهيزات ومنتجات الطاقات البديلة المستوردة في مناطق سيطرة النظام السوري “غائبة”، بحسب تصريح لمدير عام “المركز الوطني لبحوث الطاقة”، يونس علي، في تموز الماضي.

وتحدث علي حينها عن وجود تجهيزات في الأسواق “ليست لها أي قيود لدى المركز”، دخلت إلى سوريا بطريقة غير معروفة.

وكان من المقرر أن تتم مراقبة جودة تلك المنتجات المستوردة عبر الجهات الحكومية المعنية، إلا أن تكلفة مخابر فحص التجهيزات “العالية جدًا”، وعدم قدرة مراكز بحوث الطاقة على تأمين تلك التكلفة، فتح الباب أمام شركات القطاع الخاص لإقامتها على نفقتها الخاصة بالكامل، وبإشراف حكومي “لضمان الحيادية، والنتائج الدقيقة”.

وبدأ الترويج لاستيراد وبدء العمل بالطاقة البديلة في سوريا، بعد حديث الأسد، في خطاب القسم الذي ألقاه عقب “فوزه” بالانتخابات الرئاسية التي عُقدت في أيار الماضي، عن الاستثمار بالطاقة البديلة.

ومنذ ذلك الحديث، باشر مسؤولون ووسائل إعلام موالية للنظام بالترويج للطاقة البديلة باعتبارها “المنقذ”، و”حاملة مستقبل الاقتصاد” في سوريا.

ووعد الأسد حينها بالعمل على تشجيع الاستثمار في الطاقة البديلة، ودعمها عبر السياسات أو عبر التشريعات بهدف إطلاق مشاريع توليد الطاقة من قبل القطاع الخاص أو العام أو بالمشاركة بينهما.

وتعد الطاقة البديلة خيارًا يمكن أن يلجأ إليه المواطنون لحل مشكلة غياب الكهرباء، وسط عجز حكومة النظام عن حلها، لكنه خيار يصطدم بتكاليف مرتفعة لا يستطيع المواطنون ذوو الدخل المحدود تحمّلها، وسط أزمة اقتصادية ومعيشية تُخيّم على السوريين.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة