أمريكا تقتل مدنيين في سوريا.. تحقيقات دون اعتراف ولا تعويض

camera iconعضو في قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة يساعد مجموعة من الأشخاص الذين يغادرون الباغوز ، سوريا - آخر منطقة يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية - في آذار 2019 (روتيرز)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي– ديانا رحيمة

أسفرت الضربات التي نفذتها قوات “التحالف الدولي”، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، عن مقتل العديد من المدنيين في سوريا، وذلك في أثناء حربها ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” شمال شرقي سوريا، منذ عام 2014، أو خلال ضربات متفرقة استهدفت قياديين في مناطق مختلفة من سوريا.

ولم تقدم أمريكا أي تعويض لأسر الضحايا عن الضرر الذي تسببت به خلال ضرباتها في السنوات الماضية.

وفي 23 من أيلول2014 ، أعلن “البنتاغون” عن بدئه باستهداف تنظيم “الدولة” داخل الأراضي السورية بمشاركة دول عدة.

قانونية تنفيذ الضربات على المدنيين

يوجد نوعان من الضربات الجوية التي قام بها “التحالف الدولي” للقضاء على تنظيم “الدولة”، هما ضربات قانونية وغير قانونية، بحسب مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله.

الضربات القانونية

هي التي استهدفت قواعد ومقرات عسكرية واضحة يمكن تحديدها والوصول إلى نتائج عسكرية منها.

الضربات غير القانونية

يمكن أن تستهدف مواقع عسكرية أيضًا، إلا أنها لا تحترم المعايير التي وضعها القانون الإنساني، ومن أجل تحديد ما إذا كانت الضربات في شمال شرقي سوريا قانونية أو غير قانونية، يجب النظر إلى كل ضربة على حدة، عن طريق التحقيق بكل ضربة، من خلال تنقيحها وتحليلها.

ضربات استهدفت مدنيين

وفي 4 من كانون الأول الحالي، أعلنت القيادة المركزية الأمريكية مسؤوليتها عن احتمالية إصابة مدنيين عبر الغارة الجوية التي نفذتها طائرة مسيّرة من طراز “MQ-9″، مستهدفة قياديًا في “القاعدة”.

ولم تُحدد هوية القيادي حتى وقت كتابة هذا التقرير، في حين تداولت حسابات لناشطين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، صورًا تظهر بطاقة شخصية قالوا إنها للشخص المُستهدف، وهو عامل في المجلس المحلي لمدينة عفرين شمالي حلب.

من جهته، قال “الدفاع المدني السوري“، إن شخصًا قُتل وجُرح خمسة مدنيين من عائلة واحدة، بينهم ثلاث نساء وطفل بجروح خفيفة، بقصف طائرة استطلاع “مذخرة” استهدف دراجة نارية على طريق أريحا- المسطومة.

ولم يكن الاستهداف الذي تسببت به المسيّرة هو الأول أو الأخير من الاستهدافات التي طالت المدنيين في سوريا.

واعترفت القيادة المركزية الأمريكية، في أيار 2015، للمرة الأولى بسقوط ضحايا مدنيين إثر ضرباتها التي تسببت بمقتل طفلين وإصابة مواطنين “عن طريق الخطأ” في حارم بإدلب، في تشرين الأول 2014.

وفي13  من تشرين الثاني الماضي، كشف تحقيق لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية إخفاء الولايات المتحدة الأمريكية ضربة جوية في سوريا عام 2019، أدت إلى مقتل العشرات من المدنيين، خلال حرب “التحالف الدولي” ضد التنظيم في بلدة الباغوز شرقي سوريا.

وقال التحقيق، إن طائرة عسكرية أمريكية من دون طيار من طراز “F-15E” حلّقت في سماء المنطقة في حقل ترابي بجوار الباغوز بمدينة دير الزور، أسقطت قنبلة بوزن 500 رطل (نحو 227 كيلوغرامًا) على مجموعة كبيرة من النساء والأطفال المتجمعين عند ضفة نهر.

ثم أسقطت طائرة قنبلة أخرى بوزن 2000 رطل (نحو 910 كيلوغرامات) على الناجين من الضربة الأولى، ما أسفر عن مقتل 70 شخصًا بحسب التقييم الأولي لأضرار الهجوم، في 18 من آذار 2019.

آلاف الضحايا

وقتل 3037 مدنيًا بينهم 924 طفلًا على يد قوات “التحالف الدولي” منذ تدخلها في سوريا، بحسب تقرير لـ”الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، نشره في 25 نيسان 2019 بمناسبة الذكرى الخامسة لتدخل التحالف في سوريا.

وفي 31 من أيار 2019، أقر “التحالف الدولي” بمقتل أكثر من 1300 مدني “دون قصد” خلال عملياته ضد تنظيم “الدولة الاسلامية” في سوريا والعراق منذ عام 2014.

وقال “التحالف” في بيان، إنه شن 34502 غارة جوية خلال عملياته ضد تنظيم “الدولة” في العراق وسوريا منذ آب 2014 حتى نيسان 2019.

ويأتي إعلان “التحالف” بعد نحو شهر من اتهام منظمة العفو الدولية قوات “التحالف” بقتل مئات المدنيين خلال معارك ضد التنظيم في مدينة الرقة شمال شرقي سوريا.

وقالت المنظمة في تقريرها، إنها أطلقت بالتنسيق مع منظمة “Airwars” مشروعًا (موقع تفاعلي) للبيانات والمعطيات بشأن الهجمات التي شنها “التحالف” ضد التنظيم.

وأضافت أن الموقع يتضمن أعمال بحث استغرقت عامين، ويسرد رواية مقتل ما يزيد على 1600 مدني بشكل مباشر جراء الضربات الجوية من الطائرات الأمريكية والبريطانية والفرنسية.

 

تعويض الضحايا؟

طالب “المركز السوري للعدالة والمساءلة” بإنشاء برنامج أمريكي، لتعويض أهالي المدنيين الذين تضرروا جراء الضربات الجوية العسكرية، ضمن برامج واسعة النطاق لإصلاح البنية التحتية في المنطقة، وفق ما جاء في ورقة بحثية صادرة عن المركز.

ويهدف البرنامج إلى دعم جميع المجتمعات المحلية التي تضررت جراء قصف “التحالف”، ويضمن تقديم الولايات المتحدة تعويضات محددة كلما أمكن، بحسب ما قاله رئيس المركز، محمد العبد الله.

كما سيكون بإمكان الضحايا الذين لا يحق لهم التقدم لطلب الحصول على تعويضات، بسبب عدم توفر الوثائق الثبوتية المتعلقة بتلك الحوادث أو بسبب عدم الشعور بالراحة من الناحية المعنوية عند تسلّم مبلغ بعد وفاة أحد الأقارب، الحصول على تعويضات على المستوى المحلي، بمعنى الحصول على تعويضات كونهم من عاشوا في تلك المنطقة في أثناء قصف “التحالف”.

ويعتبر توصيف تلك المبالغ المدفوعة ضمن التعويضات، وفق الورقة البحثية المنشورة، على سبيل الهبة، بما في ذلك التعويض النقدي والاعتذار الرسمي على حد سواء.

وتعتبر الورقة البحثية أن برنامج المبالغ المدفوعة على سبيل الهبة أمر “مجدٍ ومناسب”، بالنظر إلى التبعات التي لحقت بالضحايا المدنيين جراء الأعمال العسكرية الأمريكية.

ليس بالضرورة أن تكون “مبالغ نقدية”

ويرى العبد الله، في حديث إلى عنب بلدي، أن برامج التعويضات يجب ألا تقتصر على رسالة الاعتذار والمبالغ النقدية، لوجود حالات كإصابات أو عاهات دائمة لا يمكن معالجتها في منطقة كشمال شرقي سوريا، إذ يمكن منح المصابين تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة ومعالجتهم على نفقة الحكومة الأمريكية.

كما يمكن أن يكون التعويض جماعيًا، فقصف مستشفى الأطفال في الرقة، الذي تحول إلى ثكنة عسكرية للتنظيم وقامت أمريكا بعدها بقصفه، يمكن على سبيل التعويض إنشاء مستشفى متخصص يخدم أهالي المنطقة بمعدات وتقنيات متقدمة.

وتساعد إعادة إعمار الجسور والطرقات التي دمرها “التحالف” (لمنع نقل معدات وأسلحة التنظيم عبرها) الأهالي أيضًا الذين اشتكوا من الطرقات المدمرة من آثار الانفجارات، والتي تستغرق وقتًا أطول للمرور بها وهي غير مؤهلة للنقل والعبور.

ويلعب نزع الألغام بتمويل أمريكي دورًا مهمًا في مساعدة أهالي المنطقة لتجاوز العديد من المشكلات التي خلّفها التنظيم.

المغيّبون من قبل التنظيم

تعرّض من تصدى للتنظيم بعد دخوله إلى شمال شرقي سوريا للخطف والاختفاء، وكانت هناك آمال بأن تجد العائلات مفقوديها ومخطوفيها، وأن تنكشف المعلومات بشأن أحبائهم بعد هزيمة التنظيم.

إلا أن تلك المعلومات بقيت صعبة المنال، بما في ذلك للعائلات البالغ عددها 12 ألفًا، والتي أبلغت فريق “الاستجابة الأولي” المحلي عن أشخاص مفقودين.

ويجب على الولايات المتحدة، بحسب الورقة البحثية، فتح تحقيق ومراجعة الأدلة على الجرائم التي ارتكبها تنظيم “الدولة”، والتي جُمعت من قبل أمريكا والقوات المسيطرة حاليًا على شمال شرقي سوريا، متمثلة بـ”قسد”.

كما يجب تيسير استجواب مقاتلي تنظيم “الدولة” المحتجزين في شمال شرقي سوريا، والتحقيق معهم بشأن المفقودين والمختطفين من قبل التنظيم.

برامج تعويض سابقة

لا يوجد ما يمنع واشنطن من تعويض المدنيين، ولديها تاريخ سابق بإنشاء برامج للاعتذار والتعويض عن المدنيين المتضررين من ضرباتها، ومن أبرز هذه البرامج، برنامج الاعتذار والتعويض في أفغانستان، وبرنامج الاعتذار والتعويض في العراق.

وتركز كلا البرنامجين على تصنيف الحالات التي سقط فيها مدنيون بالخطأ، وتقديم رسالة اعتذار لذويهم إلى جانب تعويضات مادية، وهي رمزية، بالنسبة إلى المبالغ التي تطلبها أمريكا مقابل مواطنيها حين يُقتلون على يد أطراف أخرى، والهدف الأساسي من البرنامج الإقرار بالخطأ والاعتراف بوجود ضحايا مدنيين.

كما يهدف التعويض إلى مساعدة العائلات على المضي قدمًا في المستقبل، ولا سيما إذا كان الضحية مدنيًا معيلًا لأسرته، ولديه أطفال.

لكن “البنتاغون” يمانع

خصص “الكونجرس” الأمريكي مبلغًا على مدى العامين الماضيين ضمن موازنة وزارة الدفاع الأمريكية لتعويض المدنيين في سوريا، ولكن وزارة الدفاع نفسها هي التي لم تطبّقها، بحسب ما قاله محمد العبد الله لعنب بلدي.

وعلقت الوزارة، بحسب العبد الله، بأن انتشار الجيش الأمريكي ليس واسع النطاق على الأرض في شمال شرقي سوريا، للتحقق من هذه الحالات بشكل مباشر، كما كانت الحال في العراق وأفغانستان، حيث كانوا موجودين على الأرض وبين الناس، ولم يشعروا بالحاجة إلى مثل هذا البرنامج كالخوف من حالات انتقامية من قبل الأهالي، كما هو الوضع في سوريا وأفغانستان، بينما يختلف الوضع في سوريا في ظل عزل القوات الأمريكية عن أهالي المنطقة.

ولا تتم هذه البرامج بعد انتهاء الحروب عادة، بل تتم بشكل مباشر خلال العمليات، والهدف السياسي أو الاستراتيجي منها هو ألا يتحول أهالي الضحايا إلى أعداء ومقاتلين ضد القوات الأمريكية.

وطوّرت وزارة الدفاع دليلًا للاعتذار والتعويض في العمليات العسكرية خارج الولايات المتحدة، ولكن النقطة الأساسية في الدليل هي إعطاء مهلة 90 يومًا من الحدث للتحقيق والتعويض، ولذلك استُثنيت سوريا من ذلك التعويض تلقائيًا لمضي أكثر من أربع سنوات على بعض الحالات.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة