متاجر أُغلقت وأخرى هاجر أصحابها

لا زبائن للفضة في حلب.. معادن أخرى في دكاكين الصاغة

camera iconبسطة لبيع الإكسسوارات في حلب القديمة شمالي سوريا- 24 من آذار 2022 (عنب بلدي\ صابر الحلبي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حلب

يعرض زياد، البالغ من العمر 52 عامًا، بضاعته من معدن الفضة على “بسطة” في محيط قلعة “حلب”، مركز المدينة، شمالي سوريا، لعله يبيع إحدى القطع، التي ورث صناعتها عن والده كمهنة يدوية.

منذ ساعات الصباح حتى إغلاق أصحاب المحال التجارية واجهات محالهم في المساء، لا يصل عدد الزبائن الذين يقصدون “بسطة” زياد إلى عدد أصابع اليد الواحدة، “جميعهم يأتون ليتفرجوا على المعروضات الموجودة ضمن البسطة، ويسألوني عن السعر، وينظروا إلى ختم عيار الفضة 925، وبعدها يذهبون دون أن يشتروا شيئًا، وإذا بيع خاتم أو سلسلة فضة، فيكون المشتري ليس من سكان المدينة الذين أصبحوا يركضون وراء تأمين لقمة العيش”.

أضاف زياد، وهو من سكان حلب القديمة لعنب بلدي، أن “معدن الفضة له خصوصية في المدينة، معظم المقبلين على الزواج يشترون خاتمًا يسمونه (محبس الخطبة)، ويطلبون بالذات فضة من عيار 925، وسعر الغرام الواحد لا يتجاوز 3400 ليرة سورية (حوالي دولار واحد)، ومع ذلك صار الإقبال ضعيفًا، حتى إن هواة الفضة أصبحوا قلة، بسبب الأوضاع المعيشية، وبعضهم يحتفظ ببعض القطع القديمة، ولا يفرطون بها ولا يبيعونها”.

وتُجلب سبائك الفضة الأجنبية الخام أو “الكسر” (المستعملة)، ثم تُنظف وتُصفح وتُحول مجددًا إلى فضة خام على شكل سبائك عبر صهرها، لتتحول إلى صفائح عريضة تُستخدم في صناعة المشغولات الفضية.

رغبات مختلفة

لجأت بعض المحال التي تبيع “الإكسسوارات” وأدوات الزينة بحلب في بداية العام الحالي، لطرح خواتم وسلاسل من معدن الستانلس ستيل، والبعض صار يعرض معدنًا مزيجًا ما بين الكروم والتنك، وهو عبارة عن خواتم وسلاسل تُلبس باليد والرقبة، وتعرف بـ”الطوق” لدى الشباب.

لم يعد لبس الفضة محصورًا بالشبان في حلب، فصارت النساء يلبسن الفضة والمعادن الأخرى القريبة من معدن الفضة، وهي “إكسسوارات” تُباع في أغلب المحال، وتكون هذه البضائع قريبة من القدرة الشرائية للسكان.

تابع زياد، الذي تحفظت عنب بلدي على ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية، “صارت هناك أنواع محددة من المعادن البديلة عن الفضة، ومنها ستانلس ستيل، وهو قريب للفضة وفيه لمعة، وليس له عيار، ولا يباع بالغرام، فمثلًا المتزوج إذا أراد شراء محبس فضة يصل سعره أحيانًا إلى 40 ألف ليرة، ويستطيع أن يشتري محبسًا من معدن آخر، وسعره 15 ألف ليرة، فمن المؤكد أن تكون رغبته متجهة إلى المعادن الأخرى”.

ودائمًا يكون زبائن محال بيع “الإكسسوارات” من الشباب والبنات، وأحيانًا يشترون من البضاعة المعروضة، لأن الخاتم العادي سعره 2500 ألف ليرة، وبالنسبة لهم فسعره مقبول، بحسب زياد الذي كان يملك محلًا لبيع هذه الأدوات قبل قصفه عام 2016.

وإذا كان نفس الخاتم من معدن الفضة يكون سعره بين 25 و35 ألف ليرة، لذلك لم يعد هناك اهتمام بالفضة، إلا من قبل محبي هذه الفئة من المعادن، و”هؤلاء انقرضوا، أو أصبحوا قلة”، قال زياد.

سوق يَعرض وزبون يُعرِض

تعرض بعض “البسطات”، التي تنتشر في محيط قلعة “حلب” وضمن الأسواق القديمة، خواتم وسلاسل فضية، لكن لا زبائن لها، فالناس يتفرجون على المعروضات ويذهبون دون أن يشتروا شيئًا.

عادل، هو صاحب “بسطة” لبيع الفضة ومعادن أخرى في سوق التلل التجاري بحلب، ينوي إغلاق “بسطته” نهائيًا ومغادرة البلاد، فهو لم بيع أي قطعة منذ خمسة أيام، كما قال لعنب بلدي.

“إذا استمر عزوف الزبائن عن الشراء، سوف أغلق وأصفّي بضاعتي (…) الأوضاع المعيشية القاسية دفعت الناس لعدم الاهتمام بالفضة وغيرها من المعادن، حتى إنها صارت بالنسبة للبعض من الكماليات غير المرغوب بها نهائيًا”، أضاف الرجل الخمسيني.

وتنتشر العديد من محال بيع الفضة في حلب، خصوصًا ضمن المدينة القديمة، وهي مهنة موروثة عن الآباء والأجداد الذين كانوا يصنعون الخواتم وسلاسل الفضة يدويًا، ولكن تلك المشاغل لم تعد موجودة، فبعض أصحابها أغلقوها، وآخرون قلبوها إلى بيع الهواتف.

أغلق زكريا (53 عامًا) محله في حي باب الحديد منذ ثلاثة أعوام، ولكنه كل فترة يجلس أمام محله الخالي من مشغولات الفضة التي اعتاد أن يبيعها، رافضًا العمل بمعادن أخرى، فهو يعتبرها “رديئة”، ولا يمكن أن تحل مكان الفضة.

قال زكريا لعنب بلدي، إنه ورث مهنته عن والده وجده، “كنّا نصهر المعدن ونذيبه، ونصنع الخواتم والسلاسل”، مستذكرًا ما قبل العام 2011 عندما كان يستقبل طلبات من محبي الفضة وهواة جمع “المسابح” (السبحة) لتلبيس حبات “مسابحهم” بالفضة، وبأسعار عالية.

“في حال استمرت الأوضاع الاقتصادية على ما هي عليه، فمن المحتمل أن تخسر سوريا الكثير من المهن والحرف التي تدخل ضمن التراث الثقافي”، أضاف الرجل، مشيرًا إلى أن صناعة وبيع المشغولات الفضية، هي خارج دائرة الاهتمام الحكومي.

وتُصنّف موارد التراث الثقافي إلى خمس فئات، منها الموارد المادية المنقولة، وتضم المهن الحرفية اليدوية التي تدخل ضمن التراث.

ويأتي توثيق الحرف التقليدية من أشخاص وخامات وأدوات وبيئات وأنشطة ومهارات وابتكارات، كونها أسهمت في خلق نواة لتكوين مجال الصناعة التقليدية والمحافظة عليها من الزوال والضياع، كما تسهم في خلق نسيج إنتاجي مندمج ونموذجي يسهم في الحفاظ على بيئة كل حرفة من الحرف.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة