tag icon ع ع ع

القضاة والمحامون يؤسسون مجلس القضاء الموحد

تداعى لتشكيل مجلس القضاء الموحد مجموعة من المحامين الأحرار والقضاة المنشقين عن النظام والشرعيين من الكتائب الموجودة في حلب بداية تحرير المدينة في العاشر من تشرين الأول 2012، وكان الهدف من المجلس توحيد المرجعية القضائية ومنع تعدد المحاكم وتطبيق قانون واضح ودقيق لا تضيع فيه الحقوق، وبإجراءات سريعة تتجنب الروتين في قضاء النظام وتراعي الواقع وتبتعد عن الفساد والبيروقراطية.

وضمّ المجلس في ذلك الوقت أغلب المحاكم الموجودة في ريفي حلب وإدلب، واقترح القائمون عليه عند تأسيسه تطبيق القانون السوري بما لا يخالف الشريعة الإسلامية، ومن ثمّ اتفق المجلس الأعلى في القضاء الموّحد، وبعد التشاور مع كل القوى والمختصين على تطبيق القانون العربي الموحد المستمد من الشريعة الإسلامية.

وضمّ مجلس القضاء الموحّد المحاكم التالية: المحاكم الشرعية التي تختص بالأمور الشرعية (الزواج، الطلاق، النّسب، النفقة،..) والمحاكم المدنية الخاصة بأمور البيع، الإيجار، الرهن، المنازعات التجارية، ….)، والقضاء الجزائي الخاص بالنظر في الجرائم، سواء بين المدنيين أنفسهم أو بين المدنيين والعسكريين أو بين العسكريين أنفسهم.

“العلمانية” تهمة لاصقت المجلس وكانت سببًا لحله

حاربت أغلب التشكيلات العسكرية “المتشددة” المجلس، بالرغم من وجودها في المشاورات الأولى لتشكيله، كونه يطبق قانونًا محددًا، إذ كانت تلك الكتائب ترى أن الشريعة لا تقونن، وكانت تعتبر المجلس “علمانيًا”، وكان هذا لُب الخلاف بين المجلس والكتائب، في حين يرى حقوقيون وشرعيون أن الهدف الحقيقي وراء محاربة الكتائب لعمل المجلس هو دافع النفوذ والسلطة من حيث الاستحواذ على القضاء، وأوّل من انسحب من المجلس يوم التشكيل كان لواء التوحيد ولواء الفتح، القوتان الأكبر عسكريًا في حلب حينها، وفق شهادة أحد العاملين بالمجلس. وعندما تدخّلت بعض الكتل السياسية أو العسكرية التابعة لها، بعمل مجلس القضاء الموحّد، بدأ الفساد والمحسوبيات يتغلغلان في عمل المحاكم والقضاء، في هذا الوقت اعتبر الشرفاء أن المجلس بدأ بالانهيار.

وساهم أيضًا بانهيار المجلس تدخل الشرعيين في العمل القضائي، وخاصة الإجراءات القضائية التي لا يملكون الخبرة فيها، ما أدى إلى عدم ثقة الناس بالمجلس ومحاربة أغلب الكتائب له، وتمّ إطلاق رصاصة الرحمة عليه في تشرين الأول عام 2013 من قبل تجمع “فاستقم كما أمرت”.

هيئة محامو حلب الأحرار ومهمة إنقاذ الأضابير القديمة

تأسست الهيئة في تشرين الأول 2012، وهي منظمة ثورية حقوقية تضم المحامين الأحرار، وتُعنى بالدفاع أمام المحاكم عن المتداعين. وكان لهذه الهيئة بصمة واضحة بكل تشكيلات حلب ونشاطاتها. كما كان لها الفضل بالاحتفاظ ما أمكن إنقاذه من الدعاوى والأضابير القديمة وأرشفتها إلكترونيًا.

وعندما تأسس مجلس القضاء الأعلى في تموز 2015 في حلب، وقّع محامو حلب وثيقة أساسية ناظمة للعمل معه تقضي بتفعيل عمل المحامين كوكلاء في المحاكم التابعة للمجلس، بحيث تحوي كل محكمة مكتبًا للمحامين الراغبين بالمرافعة أمام المحاكم.

الفساد وانسحاب الفصائل القوية ينهي عمل الهيئة الشرعية

بعد انسحاب لواء التوحيد ولواء الفتح والتشكيلات “المتشددة” من مجلس القضاء الموحّد، شكلوا ما يُعرف بالهيئة الرباعية، وهي الهيئة الشرعية في 15 كانون الأول 2012، وضمت أيضًا أقوى الفصائل حينها من حركة أحرار الشام وحركة الفجر الإسلامية وجبهة النصرة ولواء التوحيد، وبدأ عملها بالتوسع فافتُتحت أفرعًا لها في كل من حي الفردوس والسكري وحريتان والباب واعزاز وعندان، وامتدت أيضًا إلى ريف إدلب، في بنش وباب الهوى وسرمدا، وكانت تعتبر الهيئة الشرعية في حلب الهيئة الأم وباقي الهيئات أفرع تابعة.

تعتبر الأشهر السبعة الأولى هي الأفضل بالنسبة لعمل الهيئة الشرعية وفق شرعيين عملوا بها، وبعد ذلك بدأت تسوء وتشربت الفساد، وبالأخص عندما انسحبت فصائل قوية منها.

ما أهم أسباب ضعف الهيئة الأم؟

تناوُب الفصائل العسكرية على رئاستها لفترات زمنية محددة، كان أهم أسباب ضعف الهيئة الشرعية. ويرى حقوقيون أن تشكيل مجلس شورى من جميع الفصائل كان أضمن لعمل الهيئة بشكل مؤسساتي، ولتسيير أمورها بمسار واحد متوازن.

تولّي الشرعيين مناصب القضاة في أغلب الأحيان بدلًا من الحقوقيين، وعدم امتلاكهم الخبرة في الإجراءات القضائية، كان سببًا آخر، بالإضافة إلى فساد بعض “المحامين الأحرار” ممن كانوا يعملون داخل الهيئة، ما أثّر على سمعتها وهيبتها بين الناس، ودفع العديد من الكتائب لمحاربتها.

استشراء الفساد في الهيئة وتغيير اسمها لم ينقذاها

انهار تشكيل الهيئة الشرعية في تشرين الثاني 2014، وتغير اسمها ليصبح المحكمة الشرعية، وحاول رئيسها الجديد، عبد القادر الفلاس، تخصيص عملها في مجال القضاء فقط، في حين نقل باقي المكاتب الخدمية منها (التموين، البنى التحتية، التعليم، التخطيط، الصيانة، وغيرها من الأمور الخدمية ) إلى مجلس محافظة حلب، لكن أداء المحكمة لم يتحسن من ناحية الفساد، وإنّما ازداد سوءًا بسبب سيطرة الكتيبة الأمنية التابعة للجبهة الشامية على عملها، وتدخل الأمنيين في أعمال القضاء، وفق قاضٍ عمل مع الهيئة الشرعية ورفض الكشف عن اسمه.

مجلس القضاء الأعلى ومهمة رفع سوية القضاء في حلب

أُعلن عن تشكيل مجلس القضاء الأعلى في حلب 30 تموز 2015، ما دفع الكثير من الحقوقيين للتفاؤل به كخطوة جديّة تسعى لرفع سويّة القضاء وتوحيد مرجعية قانونية له، وتحقيق استقلاليته ونزاهته.

وتشكل مجلس القضاء من عدد من المحاكم، بحيث يكون نواةً مركزيةً تجمع هذه المحاكم، وتُنظّم العمل فيما بينها. يتحدث الشيخ خالد السيد، المتحدث الرسمي باسم المجلس، لعنب بلدي عن بنيته بالقول “هو شخصية مستقلة بذاته، يُشرف على تنظيم أعمال القضاء، وتنظيم أعمال المحاكم القضائية والإدارية، ويكون مرجعية قانونية لهذه المحاكم ويضع قوانين الإجراءات التي تلتزم فيها”.

لكن مواطنين يرون أن المجلس بالإجمال يتبع لحركة نور الدين الزنكي، كونها من أقوى الفصائل العسكرية في حلب، ومع ذلك هو “خطوة متقدمة للأمام” في سير القضاء بالمناطق المحررة، وفق رأي عدد من الحقوقيين، وأفضل من أداء الهيئة الشرعية السابقة.

واعتمد مجلس القضاء الأعلى، القانون العربي الموحّد كمرجعية للقضاء، كما اعتمد قانون الإجراءات الذي اعتمده القانون العربي الموحّد.

وفيما يخص هيكلية المجلس فتتحدد العلاقة بين المحاكم ومجلس القضاء في آلية التمثيل، ويوضح الشيخ السيد هذه الآلية، “يكون رئيس محكمة الاستئناف من كل محكمة مركزية عضوًا بمجلس القضاء الأعلى، وهذا الشكل في التمثيل يجعل كل محكمة تتواصل مع مجلس القضاء بشكل مباشر، بالإضافة إلى مكاتب المجلس التي تتمثل في: مكتب الرئيس، ومكتب نائب الرئيس، ومكتب التفتيش القضائي، ومكتب الدراسات ومكتب النائب العام”.

ويعقب السيد قائلًا “مسؤولية مكتب التفتيش القضائي هي مراقبة أعمال المحاكم من خلال الجولات عليها، واستقبال شكاوى المتظلمين، أما مكتب الدراسات فيبحث في القضايا المستجدة، ويعالجها وفق الرؤيا الشرعية والقانونية، ويصدر تعاميم على المحاكم لتوحيد العمل بها”.

ويسعى مجلس القضاء بالدرجة الأولى لتحقيق “استقلالية مالية” عن الفصائل والكتائب والداعمين في الداخل ممن يتحكم في القرار، بغية الوصول لجسم قضائي مستقل بذاته” وفق خالد السيد، الذي يعقّب “يبقى التمويل هو من أهم العقبات التي تواجه المجلس”.

موقف الجيش الحر من مجلس القضاء الأعلى في حلب

أبدت غالبية كتائب الجيش الحر، ممن تتوافق منهجيًا مع فكرة توحيد القضاء تحت راية قانون موحّد، تعاونها مع مجلس القضاء الموحد، وكذلك انضمت غالبية المحاكم إلى المجلس، إلا من عارضته منهجيًا، مثل محكمة حريتان التابعة لدور القضاء الخاص بجبهة النصرة، أو من رفضت التنسيق بسبب ضعف الموارد والدعم له.

وتستمر مساعي القضاء الموحّد للحد من ممارسات الكتائب وانتهاكاتها من عمليات الاعتقال والتحقيق والتعذيب، كما يوضح خالد السيد:

تابع القراءة:

 

 

 

 

ولقراءة الملف كاملًا في صفحة واحدة: قضاء سوريا المحررة.. ثلاث مرجعيات تنذر بتقسيم البلاد.

مقالات متعلقة