أدوار إيرانية تخفف لهجة النظام السوري تجاه تركيا

camera iconوزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، مع نظيره السوري فيصل المقداد (AFP)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي– مأمون البستاني

اختُتمت في العاصمة الإيرانية طهران، في 19 من تموز الحالي، القمة الثلاثية لرؤساء الدول الضامنة لمسار “أستانة” حول سوريا (روسيا وتركيا وإيران)، ولم تتضمن بنود البيان الختامي للقمة أي فروقات عن مخرجات القمم السابقة، وحتى عن مخرجات الاجتماعات السابقة لوفود الدول الضامنة لـ”أستانة” التي تُعقد في العاصمة الكازاخية نور سلطان.

إلا أن زيارة لوزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، إلى طهران حيث تعقد القمة، حملت رسائل مختلفة، قد تشير إلى تحول تجاه تركيا.

قمة طهران.. خلافات الضامنين

تضمّن البيان الختامي الذي جاء في 16 بندًا، التأكيد على سيادة سوريا واستقلالها ووحدة أراضيها، ومواصلة مكافحة الإرهاب، والدور الريادي لمسار “أستانة”، وإدانة الوجود الأمريكي والاستيلاء على عائدات النفط، ورفض محاولات خلق حقائق جديدة على الأرض، بما في ذلك مبادرات الحكم الذاتي غير المشروعة، والوقوف في وجه المخططات الانفصالية.

كما تضمّن البيان إدانة القصف الإسرائيلي، والمحافظة على التهدئة في منطقة “خفض التصعيد” بإدلب، إضافة إلى ملفات المساعدات الإنسانية وتبادل المعتقلين وعودة اللاجئين.

ورغم أن البيان تضمّن بند “مكافحة الإرهاب” بمختلف أشكاله، استنكر الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، ونظيراه، الروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب أردوغان، “تزايد وجود وأنشطة الجماعات الإرهابية وأذرعها في مناطق عدة من سوريا”، إلا أن مخرجات القمة لم تحسم ملف العملية العسكرية المحتملة، التي تهدد تركيا بشنها على مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في شمالي وشمال شرقي سوريا.

مخرجات قمة “طهران” والتصريحات التي خرجت عن المسؤولين الروس والإيرانيين خلال القمة وبعدها، أكدت رفض روسيا وإيران العملية العسكرية التركية، وهو ما أكده وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، إذ قال إن بلاده لديها اختلافات في الرأي مع روسيا وإيران في سوريا.

وأضاف جاويش أوغلو، في 21 من تموز الحالي، أن تركيا “إلى اليوم لم تأخذ الإذن من أحد لتنفيذ عمليات في سوريا ولن تفعل”.

المقداد في طهران

تزامن عقد القمة الثلاثية في طهران مع وصول وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، لـ”بحث نتائج القمة” مع نظيره الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان.

وخلال مؤتمر صحفي جمع عبد اللهيان والمقداد عقب اختتام القمة، برر المقداد وجوده في طهران في هذا الوقت قائلًا، “لم يكن وجودي في طهران مستبعدًا، وأود أن أعبر عن ارتياحي لجهود إيران في البيان الختامي الذي أكد على وحدة أراضي سوريا واستقلالها”.

ونقل المقداد تحيات رئيس النظام السوري، بشار الأسد، للمرشد الإيراني، علي خامنئي، وللرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي.

وقال، “نحن مستعدون للدفاع عن سيادة وأمن أمتنا ولن نفشل”، مؤكدًا، “نحن ضد أي تدخل تركي في الأراضي السورية، ونعارض إقامة المستوطنات في سوريا وسياسة التتريك”.

لهجة أخف تجاه تركيا

تصريحات المقداد خلال المؤتمر الصحفي في معرض رده على التهديدات التركية، حملت لهجة أخف من تصريحات سابقة استخدم فيها مصطلحات هجومية كـ”النظام التركي، العدوان التركي، الاحتلال التركي…)”.

وقال المقداد، “لا ينفع تركيا أو غير تركيا أن تخترق الحدود السورية، وأن توجد مناطق آمنة، لأن هذا سيخلق نوعًا آخر من الصراع بين الدولة السورية والدولة التركية”.

واعتبر المقداد أن اختراق تركيا للحدود السورية (رغم أن القوات التركية منتشرة في عشرات المواقع شمال غربي سوريا) سيؤثر على علاقة “الشعبين الشقيقين والصديقين في تركيا وفي وسوريا”.

وأشار إلى العلاقات بين تركيا وسوريا في السابق، بقوله، “من المعروف أننا خضنا تجربة طويلة في هذا المجال، انتعش خلالها الاقتصاد التركي وشهد الاقتصاد السوري قفزات مماثلة”.

وذكر أن “التدخل الفجّ في الشؤون الداخلية السورية، وإدخال مئات الآلاف من الإرهابيين إلى سوريا، وضع حدًا لهذا العلاقات التي كان يجب أن تسير قُدمًا نحو الأمام، والغرض دائمًا هدف سياسي. هذا ما تريده أمريكا وإسرائيل”.

إيران تهادن تركيا

الأكاديمي السوري- الكندي فيصل عباس محمد، الحاصل على دكتوراه في الدراسات الشرق أوسطية من كندا، قال في حديث إلى عنب بلدي، إن تصريحات المقداد لا يمكن تفسيرها بمعزل عن الموقف الإيراني الذي يُبدي ميلًا متزايدًا لمهادنة تركيا.

وأشار محمد إلى أن هذا الموقف الإيراني ظهر جليًا منذ حزيران الماضي خلال لقاء وزير الخارجية الإيراني عبد اللهيان، بنظيره التركي جاويش أوغلو، حين صرح الأول أن إيران تتفهم الهواجس الأمنية التركية في شمالي سوريا.

“إيران ليست في وارد التصعيد الدبلوماسي أو العسكري مع تركيا، وبالتالي فإن موقف النظام السوري لن يخرج عن هذا الإطار إلا من خلال تصريحات وخطوات استعراضية لن تصل، على الأغلب، إلى حد الاشتباك مع القوات التركية”، بحسب ما قاله محمد.

واعتبر محمد أن “قمة (طهران) أهملت المسألة السورية عمومًا، ولا بد أن النظام السوري قد تلقى الرسالة وأدرك أن المسار الإيراني المهادن لتركيا لن يتغير، وهذا يحتّم على النظام تجنب التصعيد مع تركيا”.

الوساطة الإيرانية.. إلى أين؟

في 2 من تموز الحالي، وصل وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، إلى العاصمة السورية دمشق على رأس وفد رسمي، والتقى خلال زيارته مع رئيس النظام السوري، بشار الأسد، ووزير الخارجية، فيصل المقداد.

وتحدثت وسائل إعلام إيرانية، أن عبد اللهيان الذي وصل حينها إلى دمشق قادمًا من تركيا، حيث التقى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وجاويش أوغلو، يسعى للوساطة بين تركيا والنظام السوري.

ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية (إرنا) حينها عن عبد اللهيان قوله، إن جانبًا من زيارته إلى سوريا يأتي بهدف “التمكن من المضي بخطوات في مسار إحلال السلام والأمن في المنطقة بين سوريا وتركيا، باعتبارهما دولتين تربطهما علاقات مهمة مع إيران”.

وذكر أن إيران “تتفهم قلق تركيا لقاء بعض القضايا الأمنية، وفي الوقت نفسه ترفض بشدة اللجوء إلى الخيارات العسكرية”، داعيًا إلى “تحكيم لغة الدبلوماسية والحوار لحل سوء الفهم الحاصل بين أنقرة ودمشق”.

الأكاديمي السوري– الكندي فيصل عباس محمد، قال إن “الوساطة الإيرانية بين النظام السوري والحكومة التركية لن تفضي إلى نتائج ذات تأثير كبير ضمن الظروف الحالية”.

وبحسب ما ذكره محمد، فإن “المساعي الإيرانية (المدعومة روسيًا) قد تؤدي في أفضل الأحوال إلى إقناع أردوغان أن تكون الحملة العسكرية التركية على شمالي سوريا محدودة وأقل شمولًا، وأن تقتصر، مثلًا، على مناطق محددة مثل منبج وتل رفعت، بدلاً من الإصرار على إحداث تغيير استراتيجي رئيس، وإقامة منطقة خارجة عن سيطرة (قسد) بعمق 30 كيلومترًا إلى الجنوب من الحدود التركية”.

خلال عودته من قمة “طهران”، قال الرئيس التركي، إن ملف العملية العسكرية سيظل قائمًا إلى حين تبديد المخاوف التركية المتعلقة بالأمن القومي.

وأوضح أنه ينبغي للولايات المتحدة مغادرة المناطق الواقعة شرق نهر “الفرات” في سوريا، لأنها “تغذي التنظيمات الإرهابية”، وأنه بمجرد انسحابها فإن عملية “مكافحة الإرهاب ستصبح أسهل”، بحسب ما نقلته “الأناضول“.

وتلوّح تركيا منذ أشهر بعملية عسكرية تستهدف “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، التي تعتبرها امتدادًا لحزب “العمال الكردستاني”، في إطار الدفاع عن أمنها القومي، وتشكيل “المنطقة الآمنة” التي تمتد بعمق 30 كيلومترًا داخل الأراضي السورية.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة