رسائل إعلامية بلا ضوابط مهنية

“فوكس بوب” يستثمر في خوف السوريين من خطاب الكراهية بتركيا

camera iconمذيعة تسأل شخصًا في أحد شوارع اسطنبول-25 من آب 2022(عنب بلدي/يوسف حمص)

tag icon ع ع ع

تصاعد خطاب الكراهية ضد السوريين خلال الأشهر الماضية، وازداد التضييق عليهم من خلال الإجراءات الحكومية وخطاب المعارضة، ما خلق فرصة لبعض وسائل الإعلام السورية للتوجه للشارع التركي الذي يبحث عن أيّ وسيلة للتعبير عن رفضه المستمر لوجود السوريين.

وطرحت وسائل الإعلام أسئلة من قبيل، “ما رأيك بمشروع العودة الطوعية؟، هل يزعجك وجود السوريين؟، وما حقيقة حصولهم على مساعدات من قبل الحكومة التركية؟”، وغيرها الكثير من الأسئلة التي أسهمت بجعل صوت خطاب الكراهية يعلو أكثر في المجتمع السوري.

ولم تكن وسائل الإعلام السورية أوّل من طرح هذا النوع من الأسئلة، إذ بدأتها وسائل الإعلام التركية، لتنقل من خلالها خطابًا عنصريًا، لعب دورًا في تحوّل خطاب الكراهية والتمييز في هذا البلد، إلى مصدر خوفٍ يدفع آلاف السوريين للبحث عن ملجأ آخر.

ورغم أن بعض البرامج التي تطرح هذه الأسئلة، تحاول تصحيح المعلومات المغلوطة لدى الأتراك عن اللاجئين السوريين، تحوّل العديد منها إلى منبر لنقل رسائل الكراهية من الشارع التركي، ما عزز مخاوف السوريين، وفرض عليهم بذل مجهود أكبر لتجنب المزيد من المشكلات خلال تعاملهم مع الأتراك.

وتعتبر وسائل الإعلام السورية هذا النوع من البرامج “استطلاعات رأي”، بينما عرّفها الباحث في الإعلام بجامعة “بروكسل” يزن بدران، بـ”الفوكس بوب”، وهي أداة صحفية لاستطلاع رأي عينة صغيرة من الجمهور في قضية معينة، أو لإثارة نقاش بموضوع ما، أو للترويج للمؤسسة الإعلامية.

وقال بدران لعنب بلدي، إن نتائج “الفوكس بوب” لا تحمل أي قيمة علمية، مشيرًا إلى أن قيمتها تقتصر على إتاحة الفرصة للوصول إلى إجابات مختلفة عن سؤال ما، لإعطاء جانب إنساني للقصة الصحفية.

بينما تعرّف استطلاعات الرأي على أنها أداة قياس لها ضوابط علمية من حيث المجموعة السكانية المستهدفة، وحجم العينة وتكوينها (على مستوى الجنس، أو الخلفية الاقتصادية، الاجتماعية)، ومن حيث طريقة صياغة الأسئلة، حسبما قال بدران.

ما الأثر؟

من غير الممكن تجاهل الضجة والانتشار الكبير للبرامج التي تتضمن مقابلات مع الأتراك، وبحسب ما رصدته عنب بلدي، يترافق تداول مقتطفات من تلك البرامج مع تعليقات من قبل اللاجئين السوريين عن حجم الفجوة التي تتزايد بينهم وبين المجتمع المضيف، وخوفهم المستمر من الخطر المترتب على رسائل الكراهية تلك.

ورغم أن العديد من السوريين، يعتبرون تلك البرامج فرصة للتعرف على توجهات الشارع التركي عن قرب، وتصحيح نظرته تجاه السوريين، يرتبط أثرها السلبي بزيادة انتشار رسائل الكراهية بين الشعبين.

هذا ما أكّده الباحث والاختصاصي بعلم الاجتماع صفوان قسام، لعنب بلدي، إذ قال إن رسائل الكراهية التي تنقلها وسائل الإعلام السوري، من خلال بعض برامجها، تسهم بتعزيز مخاوف السوريين من المصير المجهول الذي سيواجهونه.

ويرى الباحث، أن برامج استطلاعات الرأي التي تستهدف الشارع التركي، تسهم بنشر الكره والعنصرية تجاه السوريين، معتبرًا أن بعضها “تحريضي”.

ويتأثر الأتراك بهذه البرامج من خلال تعرّضهم المستمر لرسائل العنصرية التي تصوّر السوريين على أنهم سبب أزمة حقيقية في تركيا، بينما يظهر تأثيرها على السوريين اجتماعيًا ونفسيًا، وهو ما ينعكس عليهم اقتصاديًا بالضرورة، وفق ما ذكره قسام.

إقرأ أيضًا: الموقف من اللاجئين السوريين في مناظرة لجامعيين أتراك باسطنبول

من جهته قال الباحث يزن بدران، إن التغطية الواسعة لنقطة معينة، مثل العنصرية، يجعلها أكثر أهمية للجمهور، ويؤطر القضية التي تحمل الكثير من العوامل، بينها الوضع الاقتصادي وسياسة الدولة والتنافس السياسي، على أنها مسألة عاطفية، بينما يهمل الطابع البنيوي منها.

بين المصلحة والضوابط المهنية

تحقق البرامج التي تحمل طابع “استطلاعات الرأي” مصالح عديدة بالنسبة للمؤسسات الإعلامية العاملة عليها، لكنّ تحقيق تلك المصالح لا يعطي المؤسسات الإعلامية حقّ تجاوز الضوابط المهنية.

الباحث الاجتماعي، صفوان قسام، اعتبر أن هناك علاقة طردية بين زيادة إنتاج هذه البرامج والخوف الذي تتركه لدى السوريين، موضحًا أن زيادة الخوف تؤدي إلى زيادة عدد المشاهدات، ما يعني زيادة في الأرباح.

وفي ظل غياب الضوابط الرسمية لعمل المؤسسات الإعلامية السورية، يدخل السوريون دوامة أرباح وسائل الإعلام، ومخاوفهم المتزايدة، إلى جانب تزايد حدة خطاب الكراهية والعنصرية، بحسب ما ذكره قسام، مشيرًا إلى أن هذه البرامج لا يمكن أن تعبر عن عموم الشارع التركي.

بدوره أكّد الباحث في الإعلام، يزن بدران، أن هذا النوع من البرامج يجب أن يكون محكومًا بالضوابط المهنية التي تنطبق على العمل الإعلامي بشكل عام.

ومن أبرز الضوابط المهنية للإعلام، الشفافية والموضوعية والمصداقية، والتي تفرض طرح الأسئلة بهدف الحصول على آراء وتفسيرات مختلفة، وتتنافى مع طرح أسئلة مغلقة تسعى إلى جواب “مفترض”، بحسب ما قاله بدران.

وأضاف بدران، أن المعايير المهنية ترتبط أيضًا بنقل الإجابات عبر البرامج، إذ يتطلب العمل المهني الاقتباس من المصادر (الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع)، ونقل مختلف الآراء دون التعامل بانتقائية.

ومنذ مطلع عام 2022 تزايدت حدة خطاب الكراهية من قبل الأتراك، وزاد التضييق على السوريين بمختلف مناحي الحياة، ما وضعهم أمام ضغوطات نفسية واجتماعية كبيرة.

وتتمثل معاناة اللاجئين السوريين في عدم الاستقرار، والتخوف من بعض القرارات التي يمكن أن تغيّر واقعهم ومستقبلهم كاملًا، إلى جانب ضغوطات اجتماعية تظهر من خلال الرسائل التي ينقلها الشارع التركي عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، بالإضافة إلى المواقف العنصرية التي تظهر في التعاملات اليومية بين المجتمعين.

هذا ما ظهر أثره من خلال العديد من الدراسات، بينها دراسة أجراها مركز “حرمون” للدراسات المعاصرة، بعنوان “العودة الطوعية وواقع اللاجئ السوري في تركيا”، والتي خلصت إلى تراجع قدرة السوريين على الاندماج بالمجتمع التركي، وتزايد مخاوفهم تجاه فرصة بقائهم في هذه البلد.

ويقيم في تركيا ثلاثة ملايين و762 ألفًا و686 سوريًا بموجب بطاقة “الحماية المؤقتة”، بحسب الإحصائيات الأخيرة للرئاسة العامة لإدارة الهجرة التركية، يعاني معظمهم من مضايقات مستمرة مرتبة بأذونات السفر وتثبيت عناوين منازلهم، إلى مواجهتهم لخطر الترحيل.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة