رغم الأخطار.. أطفال يمتهنون الصيد في نهر “العاصي”

camera iconأطفال يمتهنون الصيد في إدلب (عنب بلدي/ هدى الكليب)

tag icon ع ع ع

إدلب – هدى الكليب

لم يمنع صغر سن الطفل صفوان العبد (13 عامًا) من مزاولته مهنة صيد الأسماك في نهر “العاصي”، القريب من مكان إقامته، بعد أن ورث المهنة عن والده الذي قضى نتيجة إصابته بفيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) عام 2021.

يستخدم صفوان المقيم في مدينة إدلب (شمال غربي سوريا) المجاديف اليدوية والشباك في صيد شتى أنواع الأسماك النهرية بمساعدة أخيه الأصغر علاء (عشر سنوات)، لتستغرق رحلة الصيد أكثر من ست ساعات يوميًا، بحسب ما قاله لعنب بلدي.

وقال صفوان، إن الصيد بالنسبة لطفل بعمره ليس سهلًا، إذ يحتاج إلى مهارة وخبرة للتعامل مع مياه النهر التي غالبًا ما تشكّل تيارات مختلفة، يجب التعامل معها بحذر ودراية كي لا تتسبب في فقدان توازن القارب وغرقه.

يصطاد الصبي أنواعًا متعددة من الأسماك النهرية التي يختلف سعرها ومنها “الفرخ، المجناس، الرومي، الكرسين، الكارب، المطواق، البوري، الجرّي”.

ومع تدني المستوى المعيشي لمعظم المقيمين في مدينة إدلب، وانتشار الفقر والغلاء وقلة فرص العمل، بدأ بعض السكان بالبحث عن مصادر رزق من الطبيعة، ولا سيما من نهر “العاصي” الذي يشكّل فرصة عمل لصيد الأسماك لا تنحصر بالشبان والبالغين، بل الأطفال أيضًا.

ولكون الصيد يتطلّب الخبرة والمهارة، فقد تعتبر هذه المهنة بالنسبة للأطفال “خطرة”، لا تخلو من التحديات التي قد تهدد الحياة أحيانًا.

وتزامنًا مع اليوم العالمي للوقاية من الغرق، في 25 من تموز، أحصى “الدفاع المدني السوري” إنقاذ 60 مدنيًا كادوا أن يغرقوا منذ بداية العام الحالي، وأسعفتهم فرقه إلى المستشفيات.

وقالت منظمة الصحة العالمية (WHO)، في بيان لها حينها، إن الغرق هو أحد الأسباب الرئيسة لوفاة الأطفال والشباب الذين تتراوح أعمارهم بين سنة و24 عامًا على مستوى العالم، موضحة أنه في كل عام يغرق ما يُقدّر بنحو 236 ألف شخص.

وترتبط هذه الوفيات غالبًا بالأنشطة اليومية الروتينية، مثل الاستحمام، وجمع المياه للاستخدام المنزلي، والسفر فوق الماء في القوارب أو العبّارات، وصيد الأسماك، بالإضافة إلى تأثيرات الظواهر الجوية الموسمية أو الشديدة.

أخطار تهدد الحياة

يملك الطفل رائد المصطفى (14 عامًا) قاربًا صغيرًا على ضفاف نهر “العاصي” في مدينة دركوش، يستخدمه لصيد أنواع الأسماك بشكل يومي لإعالة عائلته، التي تعتبر ما يجنيه الطفل من صيد الأسماك مصدر رزقها الأساسي.

يعمل رائد في صيد الأسماك منذ قرابة العام، بحسب ما قاله لعنب بلدي، وذلك بعد تعرض والده لحادث سير تسبب له بإعاقة دائمة أصابت عموده الفقري، منعته من الحركة، ومنذ ذلك الوقت، صار الطفل الأكبر للعائلة المكوّنة من ستة أفراد، هو المعيل الأساسي لها.

ينطلق رائد في رحلة بحث يومية عما يمكن أن يصطاده من أسماك بعد رمي شباكه وتثبيتها بأكثر من مكان داخل مياه النهر، ليصطاد بشكل تقريبي بين عشرة و15 كيلوغرامًا من السمك.

لكن عمل رائد لا يخلو من التحديات والمخاطر، أهمها التعرض لـ”ضربة شمس” كما حدث معه منذ فترة قصيرة، حين ارتفعت درجات الحرارة لمستويات عالية، ما أدى إلى إصابته بصداع وارتفاع درجة حرارته ووهن عام في جسمه، اضطر لتلقي العلاج والراحة في المنزل أكثر من أسبوع ريثما تحسنت حالته الصحية وعاد لمزاولة العمل، بحسب ما قاله لعنب بلدي.

ونتيجة لاستغلال التجار الطفل لصغر سنه وشراء ما يحصل عليه من صيد بأسعار متدنية، يضطر رائد أحيانًا لبيع صيده بنفسه، ما يعني قضاء يوم كامل في الأسواق قبل أن يعاود رحلة الصيد في اليوم التالي.

عواقب منها ترك الدراسة

المرشدة الاجتماعية لمى المحمود (36 عامًا) قالت إن الظروف المعيشية المعقدة أجبرت مئات الأطفال على ترك مقاعد الدراسة والاتجاه إلى أسواق العمل بحثًا عما يسد رمقهم.

وأشارت المرشدة لعنب بلدي إلى خطورة عمل الأطفال في مهن شاقة لا تتناسب مع أعمارهم الصغيرة وخبرتهم المتواضعة، ولا سيما مهنة صيد الأسماك التي يمكن أن تعرضهم لحوادث الغرق في الأنهار الشديدة الانحدار كنهر “العاصي”.

ودعت إلى تحمل المسؤولية تجاه هؤلاء الأطفال وغيرهم ممن يقاسون الحياة بمفردهم، والعمل على تحسين أوضاعهم المادية ومحاولة إعادتهم إلى مقاعدهم الدراسية بعيدًا عن كل ما يهدد مستقبلهم وحياتهم.

وتعرّف الأمم المتحدة عمالة الأطفال بأنها “أعمال تضع عبئًا ثقيلًا على الأطفال، وتعرّض حياتهم للخطر”، وتعتبر عمالة الأطفال انتهاكًا للقانون الدولي والتشريعات الوطنية، فهي إما تؤدي إلى حرمان الأطفال من التعليم، وإما تتطلب منهم تحمل العبء المزدوج، المتمثل في الدراسة والعمل.

وبحسب تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، يعيش أربعة من بين خمسة أشخاص تحت خط الفقر في سوريا، ما يعرض الأطفال لانتهاكات إنسانية، كاضطرارهم للتوجه إلى العمل، وزواج القصّر، والتجنيد للقتال، بغية مساعدة عائلاتهم.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة