“تحرير الشام”.. حلم إدارة الشمال السوري

camera iconمقاتل من هيئة تحرير الشام يرفع راية فصيله العسكري (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – خالد الجرعتلي

أثار الاقتتال الأخير بين مكوّنات المعارضة السورية المسلحة شمالي سوريا، الحديث عن مقدار طموح “هيئة تحرير الشام”، التي بدت تحالفاتها الأخيرة مع أعدائها السابقين مؤشرًا على عدم اكتفائها بإدارة محافظة إدلب وأجزاء من ريف حلب الغربي وحماة الشمالي.

ومع أن مدة الاقتتال الداخلي لم تتجاوز الأسبوع، ولم يختلف عن سابقاته التي فكّكت فيها “تحرير الشام” فصائل عسكرية معارضة، حمل الاقتتال الأخير حديثًا بين السوريين عن نيّة “الهيئة” التوسع شرقًا.

النظرية التي عززتها حسابات مقربة من “تحرير الشام” وناشطون مؤيدون لها، عندما أطلقوا، في 19 من تشرين الأول الحالي، حملة إلكترونية عبر مواقع التواصل الاجتماعي حملت وسم “إدارة واحدة”، طالبت بتوحيد إدارة المناطق الخارجة عن نفوذ النظام السوري بين إدلب وحلب، تحت نفوذ “الهيئة”.

تكهنات وتحليلات حول طموح “تحرير الشام” في المنطقة، تشير إلى أنها أكبر من كونها فصيلًا عسكريًا يدير منطقة جغرافية محدودة شمال غربي سوريا.

الفوضى لتحقيق الاستقرار

تطورت المواجهات العسكرية بين فصائل المعارضة، خلال الأيام الأولى للصدام العسكري، وأفرزت خريطة تحالفات غير متوقعة، وخلال زمن قصير.

وقسمت المواجهات فصائل المعارضة إلى حلف “تحرير الشام” بمؤازرة “فرقة الحمزة” (الحمزات) و”فرقة السلطان سليمان شاه” (العمشات) ومجموعات من “أحرار الشام” من جهة، و”الفيلق الثالث” و”حركة التحرير والبناء” من جهة أخرى.

التحالفات خلطت أوراق المنطقة، خصوصًا مع احتواء كل فصيل على مجموعة من الفصائل تربطها علاقات معقدة مع الفصيل الذي تنتسب له، والفصيل الذي تعتبره عدوًا.

الباحث في مؤسسة “القرن الدولية” للبحوث والسياسات الدولية، المتخصص بالشأن السوري سام هيلر، قال لعنب بلدي، إن مشروع “تحرير الشام” كان منذ البداية قائمًا على فكرة “ترشيد المناطق التي تسيطر عليها المعارضة ومؤسساتها ومواردها”.

والمقصود في كلمة ترشيد هنا، هو إدارة المنطقة على الصعيد السياسي، والاقتصادي، والخدمي.

هيلر اعتبر أن ترشيد ” تحرير الشام” للمنطقة لا يقتصر على تنظيم القوات العسكرية في منطقة سيطرتها وحسب، إنما إعادة تنظيم مؤسسات حكم المعارضة تحت رعاية حكومة “الإنقاذ” التي تشكّل جناحها الخدمي في مناطق نفوذها.

ومن خلال هذه السياسة، حاولت “تحرير الشام” على مدار السنوات الماضية توحيد وتنسيق ما كان يمثّل “تدفقات متعددة وغير متسقة للتمويل والدعم” تحت جناح واحد.

واعتبر هيلر أن حجة “تحرير الشام” حول توسيع نفوذها في شمال حلب، كانت لـ”وضع حد لهذه الفوضى السائدة وتحقيق نوع من الاستقرار والنظام”.

فلسفة “تحرير الشام”

يمكن ربط طموح “تحرير الشام” بالتوسع شرقًا باتجاه مناطق نفوذ المعارضة السورية، وليس جنوبًا أو غربًا باتجاه مناطق نفوذ النظام السوري، بالتقلبات الدولية، أو بفهم لميزان القوى في المنطقة.

ولمحاولة تشريح فلسفة “تحرير الشام” أو جدوى طموحها، قال الباحث السياسي في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” معن طلّاع، إن مشروع “الهيئة” الذي تسعى لتحقيقه، تعود فلسفته الأولى إلى لحظة اتخاذ قرار فك الارتباط عن تنظيم “القاعدة”.

طلّاع اعتبر أن لحظة فك الارتباط كانت الأكثر خطورة على مستوى التصدع البنيوي المتعلق في “الهيئات الإسلامية الجهادية”، وبالتالي الانتقال من فلسفة “الجهاد العابر للحدود”، ومفهوم العدو القريب والعدو البعيد، إلى فلسفة “التفاعل المحلي”.

وأضاف أنه يمكن تلخيص استراتيجية “تحرير الشام” خلال السنوات الماضية على أنها “تحول تدريجي باتجاه امتلاك أدوات الفاعلية السياسية، وضمان دور فاعل في مستقبل سوريا”.

كانت “تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقًا) تعد الذراع العسكرية الوحيدة التابعة لتنظيم “القاعدة” في سوريا، بعدما شقّ تنظيم “الدولة الإسلامية” عام 2014 عصا الطاعة أيضًا معلنًا قيام “دولة الخلافة”.

وفي عام 2016، فكت “النصرة” ارتباطها بـ”القاعدة” لتحمل اسم “جبهة فتح الشام”، ما جعل الساحة السورية خالية من الفصائل التابعة للتنظيم الجهادي، باستثناء بعض المجموعات المنتشرة في المنطقة بشكل خفيف حتى اليوم.

كيان “سني ناعم”

تكرر خلال السنوات الماضية حديث رسمي من “تحرير الشام” عن إقامة ما أسمته “كيانًا سنيًا” في الشمال السوري، كان أحدثه في تموز الماضي، عندما زار زعيم “الهيئة”، “أبو محمد الجولاني”، قرى وبلدات تقطنها نسبة قليلة من أتباع الديانة المسيحية.

سبق ذلك عندما علّقت “تحرير الشام” على عمليات اعتقال طالت قياديين جهاديين من مناصري فكر “القاعدة” في الشمال السوري، ردًا على سؤال طرحته عنب بلدي، إذ قال مدير العلاقات الإعلامية في “تحرير الشام” حينها، عماد الدين مجاهد، إن “بعض الفئات تعمل ضد توجه (الهيئة) لإقامة كيان سني يحشد لدفع العدو الصائل”.

كما جاء هذا المصطلح في تبيان أسباب انضمام فصيل “أجناد الشام” إلى “الهيئة”، باعتبارها “كيانًا سنيًا” في الشمال السوري، بحسب ما جاء في البيان الرسمي الصادر عن الفصيل.

الباحث معن طلّاع اعتبر أن استراتيجية “تحرير الشام” في إدارة المنطقة والتوسع فيها تُقسم إلى ساحتين، أولاهما ما بات يُعرف باسم “الساحة السنية”، وهو ما يمكن التماسه في خطاب “تحرير الشام” التي باتت تُلبس هذه الاستراتيجية “خطابًا سياسيًا دينيًا ناعمًا”، بهدف التماهي مع فكرة “الجماعة الأكبر والأكثر عددًا”، وبالتالي فرض وجودها في أي عقد اجتماعي يمكن طرحه مستقبلًا في سوريا.

كما ظهر جليًا على الصعيد نفسه، محاولات “تحرير الشام” تنظيف الساحة من أي “شائبة” من الممكن أن تعيد مشروعها إلى “مشروع الجهاد العابر للحدود”، وهو ما يفسر عداءها لأصدقائها السابقين من الجهاديين، والكيانات الجهادية الأجنبية خلال السنوات الماضية، بحسب طلّاع.

أما الساحة الثانية التي تحاول “تحرير الشام” الخوض فيها، فيقسمها الباحث إلى ثلاثة جوانب هي:

الشق “الإداري”

ويظهر عمليًا، بحسب طلّاع، سلوك “تحرير الشام” على هذا الصعيد من خلال محاولاتها نسخ تجارب أو نماذج بقية الأطراف الفاعلة في الساحة السورية، مثل “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) مثلًا، أو حتى نموذج النظام السوري نفسه.

والمقصود هنا بنسخ هذه التجارب، هو أن يكون عصب التحكم في الجغرافيا المسيطر عليها من قبل هذه الأطراف الفاعلة بيد سلطة المنطقة، إضافة إلى وجود هياكل إدارية تعمل وفق الخطوط الأمنية التي تحددها سلطات المنطقة، بحسب طلّاع.

وبشكل أوضح، يمكن القول هنا إن استراتيجية “تحرير الشام” تتمحور حول إنشاء هيكل مركزي، يكون بيده احتكار المعلومة، واحتكار القرار، واحتكار التفاعل مع منظمات المجتمع المدني، ومنظمات الإغاثة، ومع المجتمع المحيط بشكل عام.

ومع تطبيق ما سبق يمكن النظر إلى “تحرير الشام” على أنها باتت اليوم مركزية في المنطقة، وتملك بيدها القوة الفاعلة فيها، بحسب طلاع.

الشق “الأمني”

من خلال النظر اليوم إلى استراتيجية “تحرير الشام” على الصعيد الأمني، يمكن اعتبار أنها تحاول تصدير نفسها على أنها “قوة أمنية منضبطة”، تحترم “خطوط إدارة الأزمة في سوريا”، بحسب طلّاع.

وهو ما يظهر اليوم من خلال محاولات “تحرير الشام” تصدير هذا الجانب من عمليات ملاحقة تجار المخدرات، وضبط خطوط التهريب، والعمل على إدارة الحواجز والقطاع الأمني بشكل عام.

شق “العلاقات الدولية”

وتحاول “تحرير الشام” من خلال هذه الاستراتيجية، إرسال رسائل سواء مباشرة عبر تغيير خطابها، أو إظهار “براغماتيتها” في التعاطي مع المشهد، أو إيحاءات الانضباط والتحكم بالجغرافيا المسيطر عليها، واحترام قواعد اللعبة، أو حتى تمرير رسائلها بشكل غير مباشر، بالتماهي مع الأهداف الأمنية للجهات الدولية الفاعلة، وجعل الأهداف الأمنية المحلية “أهدافًا مشتركة” بينها وبين هذه الجهات الدولية، بحسب طلّاع.

واعتبر طلّاع أن الدوافع العميقة وراء استراتيجية “تحرير الشام” الحالية، هي “اللهاث وراء السلطة والبقاء في المشهد”، وهو ما سيرتد لاحقًا على مشروعها نفسه، خصوصًا أن “الهيئة” يُنظر إليها اليوم على أنها فكت ارتباطها بـ”القاعدة” شكليًا وليس عضويًا.

وعلى صعيد عمل “تحرير الشام” في فضاء العلاقات الدولية، نشر معهد “الشرق الأوسط” للأبحاث، تعليقًا، أعده الباحث المختص في مكافحة الإرهاب والتطرف تشارلز ليستر، عن أن “تحرير الشام” تعتقد خلال سعيها للتوسع شمالي حلب، أنه من خلال حكومة “الإنقاذ” التابعة لها و”شبه التكنوقراطية” في إدلب، يمكنها الحفاظ على “مشروع حكم متفوق” على منافسيها في المنطقة، وخصوصًا في إطار التواصل مع الحكومات الأجنبية، وعدم التعارض والتنسيق مع بعثة المساعدة التي تديرها الأمم المتحدة، والسعي لفتح المعابر التجارية مع مناطق النظام، إذ سعت “تحرير الشام” لإظهار مستوى من “البراغماتية” مقابل منافسيها الأكثر شيوعًا.

وفي محاولة لاستبدال نموذج نظام الحسابات القومية في عفرين، تستخدم “الهيئة” حجتها القديمة بأنها تكافح الفساد وتضع حدًا للانقسام المُكلف، ولكن، في نظر “الجولاني”، كلما زادت سيطرته كان موقعه أكثر أمنًا، بحسب ليستر.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة