خطر على الأرواح والمنطقة..

خطوط تهريب نشطة تحت الرصاص بين النظام والمعارضة

خطوط تهريب نشطة تحت الرصاص بين النظام والمعارضة

camera iconتسيير الدورية التركية الروسية على طريق "M4" - 14 من تموز 2020 (عنب بلدي / يوسف غريبي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حسن إبراهيم

“طريق دهب، مكفول، لا أحد يعترضك، خط مدني وعسكري آمن”، تطمينات حملتها رسائل عديدة شبه يومية تعج بها مواقع التواصل الاجتماعي شمال غربي سوريا، لطرق تهريب بين مناطق نفوذ النظام السوري والمعارضة.

ترافق هذه المنشورات، وخاصة عبر “تلجرام” (واسع الانتشار في المنطقة)، تسجيلات مصوّرة لعدد من المسافرين “غير النظاميين”، ينقلون بدورهم تطمينات أخرى بأن الرحلة جرت دون عناء، مع عبارات الشكر للمهرب، رغم حالة ثيابهم الرثة.

عمليات التهريب ليست بجديدة، لكنها تتزامن مع توترات أمنية وعسكرية تشهدها خطوط التماس بين مناطق سيطرة النظام و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وبين مناطق سيطرة المعارضة.

ورغم وجود فصائل ومؤسسات عسكرية وعدت بضبط حالات التهريب، فإن بعضها ضالع بها وعلى تنسيق مع قوات الطرف الآخر لتسيير هذه الرحلات، التي لا تخلو من إلحاق الضرر والخطر بأرواح الأشخاص، وبأمن المنطقة أيضًا.

رحلات تحت القصف

تنشط خطوط التهريب بين مناطق نفوذ “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، ومناطق يسيطر عليها النظام السوري بأرياف محافظة حلب الشرقية والشمالية، وتعتبر طرق التهريب هذه من الأكثر نشاطًا في المنطقة، خصوصًا للقادمين من مناطق نفوذ النظام السوري باتجاه الحدود التركية.

وتختلف طرق التهريب باختلاف تكلفتها، إذ يشرف ضباط من جانب النظام السوري على رحلة التهريب في مناطق نفوذهم، بينما يشرف مهربون آخرون على متابعة الطريق داخل مناطق “الجيش الوطني”.

تواصلت عنب بلدي مع صاحب رقم مرفق بأحد المنشورات، ويدعى “أبو نضال”، وأوضح عبر مكالمة هاتفية أن تكلفة “رحلة التهريب” تختلف من منطقة لأخرى، وتنخفض بشكل طفيف في حال كان الأفراد من عائلة أو بينهم ارتباطات أخرى (أقارب أو أصدقاء).

وبعد أن أقسم “أبو نضال” وأطلق وعودًا عديدة بضمان عدم المساس وعدم تعريض الشخص لأي متاعب أو توقيف أو مساءلة عبر الطريق، ذكر كـ”تطمين إضافي” أن تسليم المبلغ بعد وصول الشخص إلى المكان الذي يريده، بوجود وكيل أو كفيل معروف.

وأوضح الرجل أن نقطة الانطلاق أو الوصول هي ريف حلب، وتكلفة تهريب الشخص الواحد من ريف حلب إلى دمشق تبلغ 400 دولار أمريكي، وإلى محافظة حلب 300 دولار، وإلى لبنان 800 دولار.

وتزيد التكلفة في حال كان الشخص يرغب بنقله من إدلب ومناطقها إلى ريف حلب، ومنها إلى وجهته التي يريد.

وقال “أبو نضال”، إن “رحلات التهريب” جارية لا تتوقف، رغم ما تشهده المنطقة من تصعيد عسكري، مشيرًا إلى أن عملية الدخول لن تكون من خط تماس يشهد توترات أمنية.

الحديث عن تسيير رحلات التهريب يتزامن مع تصعيد عسكري تشهده مناطق شمالي سوريا منذ أيام، تمثّل بعملية “المخلب- السيف” الجوية التي أطلقتها تركيا، في 20 من تشرين الثاني الماضي، ضد مناطق نفوذ “قسد” في سوريا، وحزب “العمال” في العراق، وتهديد تركيا بهجوم بري ضد “قسد”.

تطمينات المهرب توسعت خارج منطقة وجوده شمالي سوريا، إذ أوضح أن التنسيق موجود، ويجري تسليم الأشخاص لعنصر أو عناصر في قوات النظام عند خط التماس، وبدوره ينقل الأشخاص بسيارة “عسكرية أو أمنية” إلى المنطقة التي يريدها دون أن تعترضه أي مشكلات.

المحلل العسكري العميد عبد الله الأسعد، قال لعنب بلدي، إن من الطبيعي أن تشهد مناطق الصراعات والنزاعات حركة نزوح وهرب من مسارح العمليات العسكرية تجنبًا للقصف وحفاظًا على الحياة، لكن المهربين يستغلون حاجة الناس غالبًا، مشيرًا إلى وجود اتفاق مع جانبي الحراسة من طرفي النفوذ.

متطوعون في الدفاع المدني السوري أثناء إجلاء جثة أحد القتلى إثر الانفجار- 23 من أيلول 2022 (الدفاع المدني السوري)

التنسيق موجود

بمبلغ 1550 دولارًا أمريكيًا، وصل مازن (31 عامًا) منذ أربعة أشهر إلى مناطق ريف إدلب الشرقي قادمًا من لبنان، ومعه طفلاه.

أوضح مازن لعنب بلدي أن تسليم المبلغ جرى في مدينة الباب بريف حلب الشرقي عقب وصوله، وأن المهرب من ريف إدلب الجنوبي متعامل مع أحد ضباط النظام، وعلى تنسيق معه لتسيير الرحلات.

لجأ مازن إلى رحلة تهريب لأنه مطلوب للخدمة الإلزامية في سوريا، ووصل إلى المهرب من خلال تهريب أصدقاء سابقين، وانطلق الشاب من منطقة جونيه شمالي العاصمة بيروت مع سبعة أشخاص سوريين أيضًا.

عند الحدود اللبنانية المحاذية لمدينة حمص، برفقة “ضباط سوريين دون مرافقة من قبل أي ضابط لبناني”، قطع مازن ومن معه مسافة كيلومترين إلى ثلاثة كيلومترات مشيًا.

وبعد تجاوز الحدود ركبوا (دون الضباط) سيارة متجهين إلى حلب برفقة عنصر عسكري (رتبته غير معلومة)، بعضهم بقي في حلب كونه منها، وبعضهم توجه إلى مناطق سيطرة المعارضة، وعند مرورهم على الحواجز العسكرية كان العنصر يخرج بطاقة أمنية.

وصل مازن إلى حلب وبقي في منزل يتبع للمهرب لمدة يومين، ومنها نُقل إلى أطراف مدينتي نبل والزهراء الخاضعتين لسيطرة النظام، ثم تابع مشيًا مسافة حوالي سبعة كيلومترات إلى غرفة، ومنها إلى مناطق سيطرة “الجيش الوطني” بريف حلب.

وصل مازن وطفلاه وشاب آخر برفقة عسكري من قوات النظام إلى غرفة ضمن مزرعة، وجرى تسليمهم إلى عنصر في “الجيش الوطني”، بعد “تحية وحديث ودي بين العنصرين”، وفق مازن الذي ذكر أنهم اجتمعوا في الغرفة لمدة ساعة للراحة، وجرى حديث عن رحلات مقبلة بعد أيام.

مع غروب الشمس، توجه عنصر “الجيش الوطني” ومازن وطفلاه وشاب نحو ريف حلب مشيًا لمدة 15 دقيقة، تخللها إطلاق نار باتجاههم، اختبؤوا خلف أشجار الزيتون لمدة ساعة، ثم أكملوا بعد أن تواصل العنصر عبر جهاز لاسلكي مع “نقطة الرباط”، وطلب عدم إطلاق النار.

بعد ذلك نقلتهم سيارة إلى بيت صغير ضمن حي سكني، وجرى تسليم المهرب المقيم بريف إدلب المبلغ من أحد أقارب مازن، ثم نُقل الشاب وطفلاه وتُركوا في أحد الشوارع ليتبيّن أنه بمدينة عفرين، وبعدها توجه إلى إدلب.

خطر يلاحق الأرواح

المناطق الفاصلة بين منطقتي النفوذ تعتبر أحد خطوط التماس العسكري، وتحتوي على حقول ألغام، وتشهد اشتباكات ومناوشات مسلحة بين الطرفين بوتيرة متفاوتة، وهي مرصودة من قبل كل طرف، ووجود تنسيق بين الأطراف لهذه الرحلات لا يمنع المخاطر المحيطة بأرواح الأشخاص.

في 23 من أيلول الماضي، قُتلت امرأة وأُصيب مدنيان بانفجار لغم أرضي في أثناء محاولة العبور من خطوط التهريب بين مناطق نفوذ النظام و”الجيش الوطني”، قرب قرية فيخة حمدان شرق بلدة بزاعة بريف حلب الشرقي.

مراسل عنب بلدي في المنطقة قال إن لغمًا أرضيًا انفجر بمجموعة مدنيين كانوا يحاولون العبور باتجاه مناطق شمالي حلب قادمين من مناطق نفوذ النظام عبر خطوط التهريب، ما أسفر عن إصابات.

رئيس “اتحاد الإعلاميين السوريين”، جلال التلاوي، وهو من سكان المنطقة، قال لعنب بلدي، إن “الدفاع المدني” وبمشاركة من “الشرطة العسكرية” ومدنيين، تمكّن من إنقاذ سبعة أشخاص كانوا عالقين في حقل للألغام.

 

تهريب يخترق المنطقة

رحلة مازن واحدة من رحلات تجري بشكل دوري بين مناطق سيطرة النظام وسيطرة المعارضة، جعلت منطقة شمال غربي سوريا عُرضة للاختراق الأمني والعسكري.

في 27 من تشرين الثاني الماضي، أعلنت “الشرطة العسكرية” في مدينة الباب القبض على خمسة أشخاص، قالت إنهم “خلية متورطة بالعمل لمصلحة فرع (الأمن العسكري) التابع للنظام”.

وذكرت أن بحوزتهم عبوات ناسفة معدة لقتل وترويع الأهالي، ومهمة أحدهم تأمين العبور لشخص، وبحوزته عبوات ناسفة إلى “المناطق المحرّرة”.

وطافت على السطح العديد من القضايا مؤخرًا، منها ما شهدته مدينة الباب، في أيار الماضي، من احتجاجات واسعة بعد ورود معلومات عن وجود الشاب محمد حسان المصطفى المتهم بانتمائه لصفوف النظام السوري، وارتكابه انتهاكات ضد المدنيين، في المنطقة.

المصطفى (30 عامًا) المنحدر من حي الصالحين بمدينة حلب وصل إلى ريف حلب أواخر عام 2021، واعتقلته “الشرطة العسكرية” في الباب، واعترف بمشاركته في اقتحامات ومداهمات واعتقالات في صفوف النظام السوري بعدة مدن سورية، مثل درعا وحمص وحماة، وارتكابه جرائم قتل واغتصاب.

محاسبته، ومحاسبة من أدخله المنطقة، ومن يشرف على عمليات التهريب، والفصائل الضالعة فيها، جميعها مطالب نادى بها المحتجون، وزادت بعد أن أفرجت “الشرطة العسكرية” عن المصطفى مقابل دفع غرامة 1500 دولار أمريكي، بوساطة القيادي في “فرقة السلطان مراد” حميدو الجحيشي، المنضوية تحت راية “الجيش الوطني”.

أوضح المحلل العسكري العميد عبد الله الأسعد أن سلبيات عمليات التهريب على مناطق الشمال، تكمن في إدخال عناصر من “قسد” أو من قوات النظام، للاستطلاع والرصد وتهديد أمن المنطقة، وتنفيذ عمليات تخريبية، ما ينعكس على أمن وسلامة المنطقة.

ويرى الأسعد أن الأمر الإيجابي من عمليات التهريب يكمن في إنقاذ أرواح المدنيين من التعرض لمخاطر القصف والحروب، وكذلك الاستفادة إيجابيًا من الشخصيات التي تأتي إلى المنطقة في الشمال السوري لإقامة مشاريع أو استثمار أو غير ذلك.

ومع كل عملية تفجير أو اغتيال تشهدها مناطق سيطرة “الجيش الوطني” التي تشمل ريفي حلب الشرقي والشمالي ومدينتي تل أبيض ورأس العين، يجري الحديث عن عمليات التهريب التي تجعل هذه المناطق عُرضة للاستهداف.

ورغم توقف العمليات العسكرية في المنطقة منذ 2019 عقب عملية “نبع السلام” العسكرية التي نفذتها تركيا شمالي سوريا، تكثر عمليات الاغتيال والتفجيرات فيها، وغالبًا ما تُتهم بها خلايا تابعة لـ”وحدات حماية الشعب” (الكردية)، أو لتنظيم “الدولة الإسلامية”، أو للنظام السوري.

وأصدرت “الحكومة السورية المؤقتة”، المظلة السياسية لـ”الجيش الوطني”، قرارات على فترات زمنية متباعدة، نصت على ضبط عمليات التهريب، ومحاسبة القائمين عليها، لكنها لا تزال موجودة، وبعض الأسماء التي تدير العمليات معروفة وذات صيت في المنطقة.

وذكر المحلل العسكري الأسعد أن عمليات التهريب لا يمكن ضبطها وسط غياب الحواجز والأسلاك الشائكة على طول الحدود، ولا يمكن منعها أو إيقافها من قبل أي جهة سواء “المؤقتة” أو “الجيش الوطني”.

ويرى الأسعد أن عمليات التهريب لا يمكن منعها كليًا إلا بتسيير دوريات دائمة على مدار اليوم على خط التماس بالكامل، وضبط هذه المنطقة بين الطرفين، لافتًا إلى صعوبة الأمر في ظل وجود قرى متداخلة مع بعضها، فالمسافة والخط الفاصل بين منطقتي النفوذ ليست حدودًا دولية، ما يجعل عملية التهريب أسهل.

لا يقتصر الأمر على رحلات تهريب الأشخاص مقابل المال، إذ تُتهم فصائل منضوية تحت راية “الجيش الوطني” بإدخال وإخراج المواد والمنتجات من وإلى مناطق النظام، وبتهريب عناصر متعاونين أو تابعين للنظام مقابل مبالغ من خلال معابر داخلية، إلا أن الفصائل تنفي هذه التهم.

كما ترتكب بعض الفصائل انتهاكات وثّقتها منظمات حقوقية وإنسانية من فرض إتاوات على المحاصيل الزراعية، ومصادرة بعض الأملاك، وتهريب الحبوب المخدرة والإشراف على عمليات تنقيب “غير شرعية” عن الآثار.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة