بأدلة قانونية سورية.. المساعدات عبر الحدود لا تتطلب تصويت مجلس الأمن

camera iconعمال يفرغون شاحنة من قافلة مساعدات تابعة للأمم المتحدة بعد دخولها سوريا عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا- 28 تموز 2022(عمر حاج قدور- فرانس برس)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – لجين مراد

واصلت روسيا خلال السنوات الماضية التحكم بقرار تمديد المساعدات عبر الحدود، من خلال استخدام حق “النقض” (الفيتو)، والدفع باتجاه الاكتفاء بالمساعدات عبر الخطوط، ما دفع المنظمات السورية للبحث عن حلول لإنقاذ حوالي أربعة ملايين شخص يعتمدون على المساعدات الإنسانية في شمال غربي سوريا.

وتوجهت جهود “التحالف الإغاثي الأمريكي من أجل سوريا” (ARCS) ومجموعة من المنظمات السورية لدراسة دور مجلس الأمن في تمديد قرار المساعدات عبر الحدود في ظل تزايد الاحتياجات الإنسانية بالمنطقة، واستمرار النظام السوري وحليفه الروسي بمحاولة تسييس المساعدات.

وأصدرت منظمة “Guernica 37” بتفويض من “ARCS” وشركائها، في تشرين الثاني الماضي، دراسة حول قانونية تمديد المساعدات عبر الحدود دون التصويت على القرار في مجلس الأمن.

وخلصت الدراسة التي اطلعت عنب بلدي على نسخة منها، بالاستناد إلى مجموعة نقاط رئيسة، إلى أن تمديد المساعدات عبر الحدود في سوريا يعدّ قانونيًا دون الحاجة إلى تفويض من مجلس الأمن.

ومن المقرر أن ينتهي تفويض قرار مجلس الأمن بإيصال المواد الغذائية والأدوية وغيرها من المساعدات الأساسية عبر معبر “باب الهوى” من تركيا إلى شمال غربي سوريا لمدة ستة أشهر في 10 من كانون الثاني المقبل، وسط ضغوط روسية لتجميد القرار، مقابل الاعتماد على المساعدات عبر الخطوط، وبالتالي تحكّم السلطة المركزية في دمشق بملف المساعدات الأممية وتوزيعها.

2014 ليست 2022

حملت الدراسة عنوان “2014 ليست 2022″، وهو إحدى أبرز النقاط التي استندت إليها لتوضيح الفروقات بين حاجة ملف المساعدات لتفويض من مجلس الأمن في عام 2014، والتغيرات التي طرأت على المنطقة ليستمر تدفق المساعدات بشكل قانوني في العام الحالي دون التصويت على ذلك.

نائب رئيس مجلس إدارة “ARCS” وأحد المشرفين على الدراسة، ياسر تبارة، قال لعنب بلدي، إن الظروف “العشوائية والمبهمة” في الشمال السوري، وتعدد أطراف النزاع الذي جعل خريطة السيطرة غير واضحة، دفعت مجلس الأمن للتدخل في 2014، لإدخال المساعدات إلى المنطقة.

وتعرضت قوافل المساعدات الإنسانية في مرحلة ما قبل تدخل مجلس الأمن لقصف متكرر، ما جعل تدخله من خلال القرار “2165” عاملًا لردع أطراف النزاع، وفق ما قاله تبارة، موضحًا أن الصيغة التي تدخل فيها المجلس جعلت لقرار المساعدات عبر الحدود وزنًا سياسيًا قويًا أوقف الاعتداءات على قوافل المساعدات.

في المقابل، أصبحت خريطة السيطرة أكثر وضوحًا في الوقت الراهن، ما جعل الوكالات الأممية قادرة على التعامل مع الجهة المسيطرة على معبر “باب الهوى” لتمرير المساعدات، بحسب ما قاله تبارة.

ويرى تبارة، الذي يحمل درجة الدكتوراه في القانون من جامعة “ديبول” في شيكاغو الأمريكية، أن تعامل الوكالات الأممية مع حكومة “الإنقاذ” المسيطرة على المعبر، يعد تعاملًا إنسانيًا لوجستيًا باعتبارها سلطة “أمر واقع” متحكمة بالمنطقة.

اتفاقيات حقوق الإنسان

تعد اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية أساس القانون الإنساني الدولي الذي ينظم السلوك في النزاعات المسلحة ويحد من أثرها.

وتعطي الفقرة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع التي وقّعت عليها سوريا، رخصة للمنظمات الإنسانية غير المتحيزة لتقديم المساعدات دون إذن من الحكومة المركزية في حالة النزاعات المسلحة غير الدولية.

ورغم أن البروتوكول الإضافي الثاني قيّد تقديم المساعدات في هذه الحالة، اختارت سوريا مستخدمة حقها السيادي عدم التوقيع على هذا البروتوكول، ما يعني أن المنظمات المحايدة قادرة على تقديم المساعدات عبر الحدود بشكل قانوني، حتى في حال لم توافق الحكومة المركزية، وفق ما قاله الدكتور ياسر تبارة.

وأوضح أن النظام السوري يعد موافقًا قانونيًا على المساعدات عبر الحدود، إذ اختار قاصدًا عدم التوقيع على البروتوكول الإضافي الثاني.

تبذل أعمال الغوث ذات الطابع الإنساني والحيادي البحت وغير القائمة على أي تمييز مجحف، لمصلحة السكان المدنيين بموافقة الطرف السامي المتعاقد المعني (الحكومة المركزية)، وذلك حين يعاني السكان المدنيون الحرمان الشديد بسبب نقص المدد الجوهري لبقائهم كالأغذية والمواد الطبية.

المادة “18” من البروتوكول الثاني الإضافي لاتفاقيات جنيف

الاحتياجات “هائلة”

حذرت عشرات التقارير الصادرة عن منظمات دولية ومحلية من كارثة مرتقبة في حال إيقاف المساعدات عبر الحدود في ظل الظروف الإنسانية التي يعيشها سكان شمال غربي سوريا.

وأكّدت التقارير أن المساعدات عبر الخطوط التي يطالب النظام السوري وحليفه الروسي بجعلها بديلًا عن المساعدات عبر الحدود، لن تغطي حاجة السكان في الشمال السوري.

وتعتبر الاحتياجات الهائلة للمساعدات، وفشل النظام السوري بتغطيتها من خلال المساعدات عبر الخطوط، حججًا تجعل وصول المساعدات عبر الحدود قانونيًا دون تصويت مجلس الأمن، بحسب دراسة منظمة”Guernica 37″ .

وفي حين تسعى روسيا لإثبات أن المساعدات عبر الحدود “غير قانونية”، ورغم أن الدراسة أثبتت خلاف ذلك، تعتبر الاحتياجات الهائلة قادرة على تعطيل القانون، بحسب ما قاله نائب رئيس مجلس إدارة”ARCS”  وأحد المشرفين على الدراسة، ياسر تبارة.

في حال لم تكن المساعدات عبر الحدود قانونية، يمكن إثبات مشروعيتها استنادًا إلى الاحتياجات الإنسانية الشديدة في شمال غربي سوريا

نائب رئيس مجلس إدارة “ARCS” ياسر تبارة

وأضاف تبارة أن التقارير تؤكد عجز النظام السوري عن تغطية الاحتياجات من خلال المساعدات عبر الخطوط، ما يجعل المساعدات عبر الحدود ضرورة لضمان حق الحياة لسكان شمال غربي سوريا إلا في حال أثبت النظام قدرته على تمرير المساعدات بذات الفعالية، معتبرًا ذلك “مستحيلًا” في الوقت الراهن.

شاحنات مساعدات إنسانية تابعة للأمم المتحدة تدخل شمال غرب سوريا عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا- 1حزيران 2021 (AP)

الأمم المتحدة تحذر

حذّر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في تقرير مقدم إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، من أن الوضع الإنساني المتردي بالفعل في سوريا يزداد سوءًا.

وأكد غوتيريش في التقرير الذي حصلت عليه وكالة “أسوشيتد برس“، في 12 من كانون الأول الحالي، أن ملايين السوريين قد لا يستطيعون النجاة في الشتاء، إذا لم تُجدد شحنات المساعدات من تركيا إلى شمال غربي سوريا الشهر المقبل.

وقال إن المساعدات عبر الحدود إلى الشمال الغربي لا تزال “جزءًا لا غنى عنه” من العمليات الإنسانية للوصول إلى جميع المحتاجين.

وكان مجلس الأمن طلب تقريرًا من الأمين العام عن الاحتياجات الإنسانية لسوريا، في قرار تموز الماضي، الذي مدد إيصال المواد الغذائية والأدوية وغيرها من المساعدات الأساسية عبر معبر “باب الهوى” من تركيا إلى شمال غربي سوريا، لمدة ستة أشهر حتى 10 من كانون الثاني المقبل.

وبحسب التقرير الأممي، يعيش 7.5 مليون شخص في الشمال بشكل رئيس، مع وجود عدد قليل في مخيم “الركبان” بالجنوب الشرقي، ويحتاج 6.8 مليون منهم إلى مساعدات إنسانية بسبب الأعمال العدائية والنزوح الواسع النطاق.

وقال غوتيريش، “بعد 11 عامًا من الصراع، لا يزال البلد يضم أكبر عدد من النازحين داخليًا في العالم، ما يؤدي إلى واحدة من أكبر أزمات اللاجئين في العالم، ويستمر الوضع الإنساني في التدهور”.

وأوضح أن الوضع السيئ بالفعل تفاقم بسبب انتشار مرض “الكوليرا” في جميع أنحاء البلاد، إلى جانب فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، والاقتصاد المتدهور والمناخ والصدمات الأخرى التي يسببها الإنسان، بحسب تعبيره.

ونتيجة لهذه التحديات، توقع غوتيريش أن يحتاج 15.3 مليون شخص من إجمالي عدد السكان البالغ 22.1 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية في 2023، مقارنة بـ14.6 مليون شخص في 2022.

ويعتبر هذا الرقم الأعلى للأشخاص المحتاجين منذ بدء الصراع في 2011، بحسب الأمين العام.

المساعدات “غبر المباشرة”

يواجه السوريون المخاوف ذاتها قبيل التصويت على تجديد قرار مجلس الأمن “2165”، بينما يبرر النظام السوري وحليفه الروسي الضغط لإيقاف المساعدات عبر الحدود بأنها “انتهاك لسيادة سوريا”.

وفق دراسة منظمة “Guernica 37” بتفويض من “ARCS”، لا تعتبر آلية نقل المساعدات من خلال معبر “باب الهوى” عابرة للحدود، إذ ينتهي دور ممثلي الوكالات الأممية عند الحدود التركية، بينما تسلّم المساعدات للمنظمات المحلية الشريكة غير الحكومية في سوريا.

وقال الدكتور ياسر تبارة، إن الإشكالية بالنسبة للنظام السوري وحليفه الروسي بعبور المنظمات الأممية الحدود السورية، بينما لا تعتبر المنظمات الإغاثية الأخرى ملزمة بما تلتزم به الوكالات الأممية، ما دفع الدراسة لتفكيك آلية المساعدات لتقليل صفة “عبور الحدود”.

وأوضح أن إجراء بعض التعديلات على آلية المساعدات المطبقة بالوقت الراهن يمكن أن تنزع عنها اسم “المساعدات عبر الحدود”، من خلال تكليف أطراف من خارج الوكالات الأممية ببعض الأجزاء اللوجستية في آلية نقل المساعدات وإيصالها للمستفيدين في الشمال السوري.

أداة بيد “الدول الصديقة”

قدمت “ARCS” من خلال الدراسة “أداة” للدول الصديقة التي تتعرض للابتزاز الروسي، لإثبات قدرتها على الاستمرار بدعم المساعدات عبر الحدود دون الخوف من “الفيتو” الروسي باستخدام بدائل وحجج مؤصلة قانونيًا، وفق ما قاله ياسر تبارة.

وأضاف تبارة أن الدراسة تهدف لإقناع مختلف الأطراف بالنظرية القانونية التي طرحتها، وإيصال صوت المنظمات العاملة بالشأن الإنساني.

الهدف من الدراسة ليس معركة قانونية مع روسيا والنظام، هدفنا إنساني لضمان استمرار المساعدات عبر الحدود وإنقاذ ملايين السوريين.

نائب رئيس مجلس إدارة “ARCS” وأحد المشرفين على الدراسة ياسر تبارة

وفي حين يسعى النظام السوري وحليفه الروسي لتسييس المساعدات معتمدين على “القدسية” التي يعطيها القانون الدولي للحدود الوطنية، أثبتت الدراسة أن المساعدات عبر الحدود لا تخرق القانون، ولا تمس سيادة سوريا وقدسية حدودها.

وحول آلية الاستفادة من الدراسة قال تبارة، إن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، يملك الولاية لاتخاذ قرار يقضي بأن المساعدات قضية إنسانية ولا تحتاج إلى تصويت من مجلس الأمن.

وقبل اتخاذ القرار بذلك، يكلّف الأمين العام مكتب الأمم المتحدة للشؤون القانونية بتحديد قانونية استمرار المساعدات عبر الحدود دون قرار مجلس الأمن.

ويعتمد قرار الأمين العام على طريقة تكليف مكتب الشؤون القانونية، كما يعتمد رد المكتب على اعتبارات سياسية مرتبطة بالدول المانحة.

ما القرار “2165”؟

في تموز 2014، أصدر مجلس الأمن القرار “2165” الذي يسمح للوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة وشركائها المنفذين، باستخدام الطرق عبر خطوط النزاع والمعابر الحدودية “باب السلامة” و”باب الهوى” (تركيا)، واليعربية (العراق)، والرمثا (الأردن)، إضافة إلى المعابر التي تستخدمها بالفعل، لضمان وصول المساعدات الإنسانية.

كما يتيح القرار لجميع الأطراف السورية المنخرطة في النزاع إمكانية إيصال المساعدات الإنسانية مباشرة إلى الناس في جميع أرجاء سوريا بشكل فوري دون أي عراقيل.

ورغم التزايد المستمر للاحتياجات في شمال غربي سوريا، قلّص “الفيتو” الروسي- الصيني في مجلس الأمن عدد المعابر الحدودية من أربعة إلى واحد في تموز 2020، ليقتصر دخول المساعدات على “باب الهوى” الذي يربط مناطق سيطرة المعارضة شمالي سوريا بالأراضي التركية.

وجُدد القرار “2165” أكثر من مرة من خلال التصويت في مجلس الأمن، وسط مخاوف من “الفيتو” الروسي، أحدثها في 12 من تموز الماضي، إذ صوّت مجلس الأمن على تمديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود من تركيا إلى سوريا لمدة ستة أشهر، وهي مدة فرضتها روسيا في حين كانت المدة المقترحة سنة.

وامتنعت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا عن التصويت، لأنها أرادت تمديد عملية المساعدات الإنسانية لمدة عام واحد، في حين صوّتت بقية الدول الأعضاء في المجلس لمصلحة القرار.

وفي 6 من كانون الأول الحالي، عقدت “هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة” بمشاركة ممثلين من منظمات المجتمع المدني السورية، وممثلين عن الدول المانحة، اجتماعًا حول أهمية استمرار المساعدات عبر الحدود.

وأكّد ممثلو المنظمات السورية ضرورة إنقاذ ملف المساعدات الإنسانية من محاولات تسييسه من قبل النظام السوري وحليفه الروسي.

وطرحت “ARCS” خلال الاجتماع الدراسة باعتبارها أول دليل قانوني يثبت أن المساعدات عبر الحدود لا تتطلّب تصويتًا من مجلس الأمن.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة