خط دمشق- اسطنبول

سوريون ينقلون أوراقهم عبر وسطاء.. الثقة معيار

camera iconبوابة الغائدون في مطار دمشق الدولي (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – جنى العيسى

رحلة واحدة في الأسبوع، وأحيانًا رحلتان، بين دمشق واسطنبول، هدفها التجارة وكسب المال، بحكم حاجة السوريين إلى نقل الحاجيات والأوراق الرسمية بين البلدين.

وتحت عنوان “إرسال وإحضار أوراق من سوريا إلى تركيا وبالعكس”، يبدأ أولًا بإعلانات بين المعارف والمقربين، ثم عبر مجموعات “فيس بوك”، حيث يجتمع مئات الباحثين عن الخدمة، إلى أن يصل إلى المرحلة التي يجتمع فيها خلال يوم واحد فقط، الوزن المسموح به في الطائرة، والحد الأعلى من الأوراق الرسمية التي يمكن اصطحابها.

فرضت ظروف اللجوء على السوريين في بعض دول العالم، ومنها تركيا، الحاجة إلى أوراق رسمية صادرة عن مؤسسات النظام، كجوازات السفر مثلًا، ما خلق “مهنة جديدة” لسوريين لا تمنعهم أوضاعهم القانونية من زيارة دمشق، إلى جانب وجود مكاتب شحن منتشرة بكثرة أيضًا.

رحلة النقل هذه تتخللها عدة أخطار يدركها كثيرون، إلا أن اضطرارهم للأوراق يدفعهم لعدم النظر إليها، بل البحث أكثر عن شخص موثوق لإرسال الأوراق عبره.

مرغوبة أكثر بشرط الثقة

تنتشر في تركيا عديد من مكاتب الشحن المختصة بإرسال الحاجيات والأوراق الرسمية، إلا أن الوقت الذي يعتبر أطول نوعًا ما من إرسالها عبر أشخاص، وآلية التسليم والتسلّم، قد يدفع البعض تجاه هؤلاء الأشخاص.

محمد دياب (29 عامًا)، يقيم في مدينة اسطنبول، قال لعنب بلدي، إنه يفضّل إرسال أوراقه الرسمية مع شخص يعمل بالشحن ومعروف بالنسبة له، لأنه يُعتبر أكثر ضمانًا من إرسالها عبر مكاتب الشحن، وهو الأمر الذي حدث معه فعلًا عند إرسال جواز سفره إلى دمشق قبل أشهر.

واعتبر محمد أنه في هذا الموضوع من المهم جدًا أن يبحث عن شخص موثوق، إما تربطه به معرفة سابقة، وإما أن يكون أحد أصدقائه قد جرب التعامل معه سابقًا، موضحًا أنه في هذه الحالة فقط، تزول المخاوف المتعلقة باحتمالية فقدان الأوراق، أو انتهاك خصوصية الزبون.

بشرى عبد العال (25 عامًا)، تقيم في مدينة اسطنبول، قالت لعنب بلدي، إنها تفضّل أيضًا إرسال أوراقها الرسمية عبر أشخاص موثوقين بالنسبة لها يمتهنون نقل الأوراق، أكثر من إرسالها عبر مكاتب الشحن، لما تأخذه المكاتب من وقت في الإرسال غالبًا يكون أطول مما يجب، بحسب رأيها.

وترى الشابة أن إرسال الأوراق عبر أشخاص معروفين لها أفضل، لكون الطريقة أكثر أمانًا من إرسالها عبر المكاتب، أو أشخاص غير معروفين، جراء صعوبة استخراج بديل عن تلك الأوراق أحيانًا إذا تعرضت للفقدان مثلًا، أو بسبب مخاوف لديها من أن يتم استخدام معلوماتها الشخصية بشكل غير لائق، كالأرقام الوطنية، وصورة جواز السفر وغيرها.

انتقدت بشرى أجور النقل عبر الأشخاص، معتبرة أنها مرتفعة نوعًا ما، إذ لا تأخذ الأوراق الرسمية حجمًا أو وزنًا يزيد التكلفة على الشخص المسافر، بحسب قولها، بينما اعتبر الشاب محمد دياب أن التكلفة “عادية” لأن الأوراق الرسمية مهمة، ويتطلب الحفاظ عليها دفع مبالغ إضافية عن أجور نقل الحاجيات الأخرى.

مهنة “مربحة”

“هدى” (25 عامًا)، وهو اسم مستعار لتاجرة شحن بضائع بين اسطنبول ودمشق، تحفظت على ذكر اسمها الحقيقي لأسباب أمنية، قالت لعنب بلدي، إنها تعمل بهذه المهنة منذ نحو أربع سنوات، بمعدل سفرة واحدة تقريبًا أسبوعيًا، ما يسمح لها بتلبية طلبات معظم زبائنها.

تنقل “هدى” بين دمشق واسطنبول كل ما هو مسموح بنقله من أوراق رسمية وألبسة وأجهزة كهربائية، بخدمة اعتبرتها “أسرع وأرخص” من تلك الخدمات التي تقدمها مكاتب الشحن النظامية.

تمتهن الشابة هذه المهنة لحاجتها إلى العمل أولًا، وعدم وجود بدائل عن ذلك في تركيا برأيها، موضحة أنها تكسبها الربح أيضًا.

يتقاضى أصحاب هذه المهنة تكاليف النقل بعملة الدولار الأمريكي، ولا تعتبر الأجور موحدة لكنها متقاربة نوعًا ما، وتختلف بين عام وآخر، فمثلًا تتراوح أجور نقل جواز السفر من دمشق إلى اسطنبول بين 30 و40 دولارًا أمريكيًا، أما تكلفة نقل الورقة الواحدة مهما كانت (تصديق، بيان ولادة، تثبيت زواج، وغيرها) فتتراوح بين خمسة وسبعة دولارات للورقة الواحدة.

يعتبر عديد من أصحاب الأوراق الرسمية هذه الأجور مرتفعة جدًا، لكن حاجتهم للحصول على الورقة يجعلهم يدفعون هذه المبالغ، وسط انعدام الخيارات أمامهم.

تاجرة شحن البضائع “هدى”، أرجعت ارتفاع أجور النقل لأهمية الأوراق الرسمية، فهي مجبرة على الحفاظ عليها أكثر من البضائع المادية الأخرى التي يمكن تعويضها بالمال في حال تعرضها للتلف أو الفقدان، بينما يعد تعويض الزبون عن أوراقه الرسمية إذا تعرضت للتلف أمرًا مكلفًا من جهة، ومربكًا من جهة أخرى، بسبب الحاجة إلى مراجعة دوائر الدولة الرسمية ثانية للحصول على نسخة بديلة.

ماذا عن القانون؟

مدير شركة “وطن” للمحاماة، المحامي وسيم قصاب باشي، قال في حديث إلى عنب بلدي، إن نقل البضائع دون الحصول على ترخيص خاضع لشروط صارمة، يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون التركي، لما فيه من مشكلات ناجمة عن ضياع البضائع أو التهرب الضريبي والإضرار بالبضائع الوطنية.

ويرى المحامي أن من يشحن أوراقه الرسمية عبر هذه الطرق، يكون قد قبل بالمخاطرة بمشاركة معلوماته الشخصية مع آخرين، وفي حال ضياع الأوراق لا يمكنه المطالبة بها قانونيًا.

وأوضح المحامي قصاب باشي أن إدخال وإخراج البضائع المختلفة من وإلى البلاد يخضع للقوانين والأنظمة التي تحتل مكانة كبيرة في التشريعات التركية، مضيفًا أن القانون يعرّف جريمة التهريب على أنها إدخال أو إخراج البضائع من البلاد بطرق وأساليب غير مشروعة، من خلال تجاوز القوانين، وخاصة التشريعات الجمركية والضريبية.

وقد يعاقَب ممارسو هذه المهنة، بحسب المحامي، بالسجن لمدة عامين، يمكن أن تتحول إلى غرامة مالية، بالإضافة إلى سحب الإقامة التي يقيمون بموجبها في تركيا، وفق القوانين.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة