طريق “M4”.. نقطة وصل في بازار التفاهمات على الملف السوري

تسيير الدورية التركية الروسية على طريق "M4" - 14 من تموز 2020 (عنب بلدي / يوسف غريبي)

camera iconتسيير دورية تركية- روسية على طريق "M4" - 14 من تموز 2020 (عنب بلدي / يوسف غريبي)

tag icon ع ع ع

يعود الحديث عن طريق حلب- اللاذقية الدولي (M4) في سوريا إلى الواجهة الإعلامية، بكونه طريقًا يحدد خريطة سيطرة لعدة قوات محلية وإقليمية، ويعتبر بمنزلة الشريان الرئيس الذي يربط بين مناطق استراتيجية مهمة ومناطق خاضعة لسيطرة أطراف متعددة.

ويتصدّر طريق “M4” المشهد مع أي تحرك لشخصيات في دول إقليمية أو قوات محلية فاعلة في الملف السوري، سواء عبر تصريحات أو زيارات أو تحركات على الأرض، أحدثها تسريبات عن تهيئة أنقرة لفتح الطريق الذي تسيطر قوات النظام على قسم منه، وتسيطر فصائل المعارضة على القسم الآخر.

المعبر خطوة في مسار التقارب

منذ تسارع الحديث عن تقارب بين تركيا والنظام السوري، ارتبطت جميع الاتفاقيات والتصريحات والتفاهمات والتجاذبات بالحديث عن فتح طريق حلب- اللاذقية كأحد البنود الرئيسة لأي محاولة إعادة العلاقات بين الطرفين، رغم أنه بند أساسي في اتفاق بين موسكو وأنقرة لم يكن فتحه متعلقًا بأي تقارب.

وبدأ ذلك في 11 من آب 2022، حين كشف وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، عن إجرائه محادثة “قصيرة” مع وزير الخارجية السوري، على هامش اجتماع “حركة عدم الانحياز” الذي عُقد في تشرين الأول 2021، بالعاصمة الصربية بلغراد.

وفي 28 من كانون الأول 2022، انعقد لقاء ثلاثي بين وزراء دفاع تركيا وروسيا والنظام السوري في موسكو، وجمع وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، والسوري علي محمود عباس، والروسي سيرجي شويغو.

ووصفت أنقرة جو اللقاء بـ”البنّاء”، تبعه حديث عن لقاء على مستوى وزراء الخارجية للأطراف ذاتها، دون موعد دقيق ورسمي، وحديث عن لقاء على مستوى الرؤساء لا يزال غير واضح المعالم.

بعد يومين من اللقاء، ذكرت صحيفة “الوطن” المقربة من النظام عن مصدر لم تسمِّه، أن مخرجات الاجتماع الثلاثي خلصت إلى موافقة تركيا على الانسحاب الكامل من الأراضي السورية في الشمال، إضافة إلى تأكيد أنقرة احترام سيادة وسلامة الأراضي السورية، والبحث في تنفيذ الاتفاق الذي تم عام 2020 بخصوص افتتاح طريق “M4”.

وقالت الصحيفة، إن الأطراف المجتمعة أكدت أن حزب “العمال الكردستاني” (PKK) هو “ميليشيات عميلة لأمريكا وإسرائيل، وتشكّل الخطر الأكبر على سوريا وتركيا”، وإن مخرجات الاجتماع ستتابعها لجان مختصة تم تشكيلها من أجل ضمان حسن التنفيذ والمتابعة، وإن اجتماعات لاحقة ستعقد بين الطرفين من أجل مزيد من التنسيق.

وفي 2 من كانون الثاني الحالي، نقل موقع “Middle East Eye” عن مصدر تركي وصفه بـ”المطلع”، دون تسميته، أن اللقاء في موسكو لم يسفر عن أي قرارات أو اتفاقات.

قضية فتح الطريق هي قضية بين روسيا وتركيا وفق بنود اتفاق “موسكو” الموقّع في 5 من آذار 2020 بين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ونظيره التركي، رجب طيب أردوغان، والتي تنص على:

-وقف إطلاق النار على طول خط المواجهة بين النظام والمعارضة.

-إقامة ممر أمني على بعد ستة كيلومترات شمالي  الطريق الدولي السريع الرئيس في إدلب (M4) وستة كيلومترات جنوبه، وهو الطريق الذي يربط المدن التي يسيطر عليها النظام السوري في حلب واللاذقية.

ـ نشر دوريات روسية- تركية مشتركة على طول طريق “M4” ابتداء من 15 من آذار من العام نفسه.

الباحث السياسي في مركز “جسور للدراسات” فراس فحام، يرى أن التركيز على طريق “M4” يكمن في أهميته بوصل الشمال، وخاصة محافظة حلب العاصمة الاقتصادية لسوريا بمواني الساحل، وبالتالي من المهم بالنسبة للنظام أن يستعيد حركة التبادل التجاري، لكنه لا يمثّل خطوة أساسية في مسار التقارب بين النظام وتركيا.

واعتبر فحام في حديث إلى عنب بلدي، أن مطلب النظام وأولوياته الأساسية أكبر وأهم من قضية فتح الطريق، وهي تخلي تركيا عن دعم المعارضة السورية، وهذا ما يتمسك به النظام، وتأتي بعد ذلك الإجراءات الاقتصادية المتمثلة بفتح الطرقات الدولية والمعابر الحدودية.

وأوضح فحام أن قضية فتح الطرقات مرتبطة بتفاهمات إقليمية ودولية وليست مرتبطة بشكل أساسي بمسألة التقارب بين تركيا والنظام السوري أو رفع مستوى التواصل بينهما، ومرتبطة بتفاهمات مؤتمر “سوتشي” ومسار محادثات “أستانة”.

خريطة طريق "M4" و"M5" ومناطق النفوذ في سوريا

خريطة طريق “M4″ و”M5” ومناطق النفوذ في سوريا

ما الجديد؟

أحدث المعلومات بشأن الطريق نشرتها صحيفة “الأخبار” اللبنانية، نقلًا عن مصادر معارضة لم تُسمِها، بأن أنقرة بدأت بعمليات تحضير فتح الطريق الدولي حلب – اللاذقية، وذكرت في 21 من كانون الثاني الحالي ما يلي:

-بدأت القوات التركية في أعقاب اجتماع وزراء الدفاع الثلاثة عمليات تحضير لفتح طريق حلب- اللاذقية.

-أبلغ مسؤولون أمنيون أتراك “الجماعات المسلحة” بضرورة الاستعداد لتشغيل الطريق.

-ترغب تركيا في أن يتم بإشراف ثلاثي (سوري– تركي– روسي)، عبر الآلية التي كانت قد اقترحتها خلال الاجتماعات السابقة مع دمشق وموسكو.

-تريد تركيا في المرحلة الأولى اختبار التعاون الثلاثي من دون تسليم كامل للطريق.

-يتم تسليم الطريق والانسحاب التدريجي منه بعد “حل الملفات العالقة عبر مسارات حل سياسية، تضمن لتركيا عدم الانزلاق إلى معارك تؤدي إلى حركات نزوح جديدة نحوها، وتُفشل مساعيها بعودة اللاجئين.

-فتح طريق الترانزيت عبر سوريا، من خلال إعادة تشغيل معبر “باب الهوى” الحدودي مع تركيا بشكل رسمي، دون أن توضح أنقرة هذه النقطة.

كما نقلت الصحيفة عن المصادر أن اجتماعين عُقدا منتصف كانون الثاني الحالي، بين مسؤولين أتراك وقياديين في “هيئة تحرير الشام” صاحبة النفوذ العسكري في إدلب، تناولا مسألة تأمين النقاط التركية وعدم الاقتراب منها، عقب اقتحام متظاهرين بعض القواعد التابعة لأنقرة وكتابة عبارات مناوئة لتقارب أنقرة- دمشق.

وأضافت الصحيفة أن المسؤولين الأتراك حصلوا على تعهّدات بعدم المساس بالقواعد التركية، وعدم إفشال الخطة التركية لفتح “M4” في حال تحقّقها.

المحلل السياسي فراس فحام يرى أنه بعد حصول نوع من التواصل وحديث عن رفع مستوى التواصل من الأمني الاستخباراتي إلى السياسي بين تركيا والنظام السوري، يجد النظام وروسيا في هذا فرصة ومناسبة لمحاولة إخراج قضية فتح الطرقات الدولية من إطار التفاهمات السابقة، وإلحاقها بمسار التطبيع، لأن تركيا لديها متطلبات ومصالح تريد تحقيقها من خلال هذا المسار.

وأوضح فحام أن أنقرة تريد مكافحة حزب “العمال الكردستاني” (PKK) الذي تعتبره منظمة “إرهابية”، بالإضافة إلى تسهيل عودة اللاجئين السوريين من أراضيها، وبالتالي هي فرصة مناسبة لفتح بازار جديد أو مفاوضات جديدة إن صحت التسمية.

تسيير الدورية التركية الروسية على طريق "M4" - 14 من تموز 2020 (عنب بلدي / يوسف غريبي)

تسيير دورية تركية- روسية على طريق “M4” في إدلب- 14 من تموز 2020 (عنب بلدي / يوسف غريبي)

التحركات على الأرض

اقتصرت العمليات العسكرية على بعض الردود أو صد عمليات تسلل أو الإعلان عن قنص من قبل فصائل المعارضة منذ توقف العمل العسكري في آذار 2020، سواء من قبل “هيئة تحرير الشام” التي تسيطر على محافظة إدلب وجزء من ريف حلب الغربي وريف اللاذقية وسهل الغاب، شمال غربي حماة، أو من قبل “الجيش الوطني السوري” الذي يسيطر على ريفي حلب الشمالي والشرقي ومدينتي تل أبيض ورأس العين منذ عملية “نبع السلام” التي نفذها بدعم تركي عام 2019.

ونشطت، منذ تشرين الثاني 2022، العمليات “الانغماسية” التي تنفذها “تحرير الشام” أو فصائل أخرى منضوية معها في غرفة عمليات “الفتح المبين”، ووصل عددها إلى 14 عملية في مناطق متفرقة خلف خطوط التماس المحاذية لمناطق سيطرتها، أحدثها في 19 من كانون الثاني الحالي.

المكتب الإعلامي في “تحرير الشام” نفى لعنب بلدي قضية فتح الطريق حاليًا، وذكر أن الحديث يتداوله الإعلام لا أكثر.

مصدر عسكري من “جيش الأحرار”، العامل في إدلب، أوضح لعنب بلدي أن التحركات العسكرية في مناطق إدلب لا تشهد أي نشاط يتعلق بفتح الطريق الدولي، مشيرًا إلى أن أحدث التحركات كانت في أيلول 2022.

وارتبطت التحركات حينها بإزالة “تحرير الشام” السواتر الترابية والتحصينات من على الطريق الواصل بين مدينتي سرمين وسراقب، ومن محيط معبر “ترنبة- سراقب” (الواقع على طريق M4) الذي يفصل مناطق سيطرتها عن مناطق سيطرة النظام السوري، دون إعلان “الهيئة” أو نشرها أي توضيحات حول عمليات الإزالة.

اقرأ أيضًا: معابر الشمال.. بالون اختبار

وفي 29 من أيلول 2022، هاجمت مجموعات من “تحرير الشام” نقاطًا عسكرية لـ”الجبهة الوطنية للتحرير”، المنضوية معها في غرفة عمليات “الفتح المبين”، والتابعة لـ”الجيش الوطني”، على خلفية خلاف بين الطرفين حول تبادل نقاط الرباط قرب معبر “ترنبة- سراقب”، ما أسفر عن عدة إصابات في صفوف مقاتلي “الوطنية”.

المحلل السياسي فراس فحام، اعتبر أن فتح الطرقات الدولية، إن تم جدلًا، سيصطدم برفض قوى عسكرية وشعبية، خاصة “هيئة تحرير الشام” التي تنظر بعين الريبة إلى مسار التقارب بين تركيا والنظام، وتتخوف من أن يؤدي هذا المسار إلى طرح مستقبل “تحرير الشام” على الطاولة، كما تتخوف الأخيرة من أن توافق تركيا بشكل تدريجي على تنفيذ كل تفاهمات “أستانة” بما فيها ملف “هيئة تحرير الشام”.

ويرى فحام أن التصعيد مؤخرًا في إدلب، وشن هجمات باتجاه النظام، هو تلويح من “تحرير الشام” بعدم إلزام نفسها بأي مخرجات متعلقة بالمسارات السابقة، طالما أنها ليست طرفًا فيها وغير مطلعة على مجريات التقارب بين تركيا والنظام السوري.

وأوضح فحام أن المعوقات أمام فتح الطرقات كثيرة، أهمها أن النظام بذاته لا يبدي استعدادًا كبيرًا للانخراط في مكافحة حزب “العمال الكردستاني”، ولا توجد استجابة من النظام في مسألة تسهيل عودة اللاجئين، وهذا لا يمهد الأجواء المناسبة لاتخاذ مثل هذه الخطوة من طرف تركيا.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة