تنظيم “الدولة” يعوّض تراجعه بجيل جديد من المقاتلين في سوريا

camera iconمقاتلون من تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا يظهر بينهم أطفال ومراهقين خلال بيعتهم لزعيم التنظيم الجديد (أعماق)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – خالد الجرعتلي

تراجع نشاط تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا والعراق، بحسب البيانات الرسمية الأمريكية، وبيانات التنظيم في الجانب المقابل، وهو ما انعكس بقلة الخسائر الناجمة عن عملياته، لكن التنظيم يستغل هذه الفترة لإعداد جيل جديد من المقاتلين وتعزيز شبكاته التي لا يمكن الاستهانة بها.

وأعلنت القيادة المركزية الأمريكية (سينتكوم)، في 2 من شباط الحالي، أن قوات التحالف الدولي بقيادة أمريكا، نفذت 43 عملية ضد تنظيم “الدولة” في العراق وسوريا خلال كانون الثاني الماضي.

أدت هذه العمليات إلى اعتقال أكثر من 198 عنصرًا من التنظيم ومقتل اثنين آخرين، بحسب القيادة الأمريكية.

وتبع الإعلان الأمريكي بساعات قليلة إعلان تنظيم “الدولة” عن الإحصائيات الأسبوعية لعملياته في مناطق انتشار خلاياه حول العالم، خلال الأسبوع الممتد بين 27 من كانون الثاني الماضي و2 من شباط الحالي.

إحصائية التنظيم هي من بين المؤشرات على تذبذب نشاط خلاياه في سوريا منذ انتهاء سيطرته الفعلية من الجغرافيا السورية والعراقية، وتضاف إلى تقديرات أمريكية تقدّر تراجع الخسائر الناجمة عن ضربات التنظيم في عام 2022 إلى نحو النصف مقارنة بعام 2021.

تناقش عنب بلدي في هذا التقرير اعتمادًا على دراسات وآراء باحثين، هذا التذبذب بعمليات التنظيم، وأسلوب تعاطي إعلامه مع تبني العمليات.

تذبذب في العمليات

مطلع كانون الثاني الماضي، أصدر “مشروع مكافحة الإرهاب” الأمريكي، دراسة رصدت تفاوت عمليات التنظيم في سوريا والعراق، وقارنها بنظيراتها خلال الأعوام السابقة.

وقتل تنظيم “الدولة الإسلامية” أكثر من 147 جنديًا و31 مدنيًا، خلال 2022، كما أسفرت عملياته عن جرح أكثر من 136 شخصًا في وسط سوريا في عام 2022.

الدراسة أشارت إلى أن الخسائر التي سببتها عمليات التنظيم في 2022، تشكّل نحو 47% من إجمالي الخسائر التي أوقعتها عمليات التنظيم في عام 2021.

الباحث المختص بشؤون الجماعات الجهادية الدكتور عبد الرحمن الحاج، قال تعليقًا على هذه الأرقام، إنها تدل على تراجع قدرة التنظيم على شن هجمات، ولكن لا يجب التسرع باستنتاج أن التنظيم يعاني نقصًا في التمويل والتجنيد.

وأضاف، خلال حديث إلى عنب بلدي، أن التنظيم يعمل الآن على عمليات الجباية وجني الأموال بطرق مختلفة، كما أنه لا يزال يملك شبكة تجنيد لا يجب الاستهانة بها.

وفي الوقت نفسه، يرى الحاج أن تراجع الهجمات يدل على نجاح التحالف الدولي وحلفائه على الأرض في تضييق المساحة التي يتحرك فيها التنظيم.

وأضاف، “من الواضح أن التنظيم يبحث عن طرق للعودة إلى الأماكن غير المستقرة أو التي تعاني اضطرابًا أمنيًا. الجنوب السوري بشكل خاص”.

فورة بعد مقتل الزعيم.. لـ”الدعاية”

وعلى خلاف تراجع عملياته خلال العام الماضي، زادت عمليات التنظيم لفترة محدودة عقب الإعلان عن مقتل زعيم التنظيم، في 30 من تشرين الثاني 2022، بحملة أمنية أطلقتها الفصائل المحلية (بقايا فصائل المعارضة) في الجنوب السوري، وارتفعت حدة عمليات خلاياه الأمنية في عموم الجغرافيا السورية.

وبين 9 و16 من كانون الأول 2022، نفذ تنظيم “الدولة” 19 عملية في مناطق توزع قواته، حلّت سوريا في المرتبة الأولى من حيث عدد العمليات التي بلغت خمسة استهدافات، مخلّفة أكثر من عشرة قتلى وجرحى.

الباحث عبد الرحمن الحاج قال لعنب بلدي، إن تزايد العمليات بعد مقتل زعيم التنظيم “أبو الحسن القرشي” كان لأغراض دعائية بالدرجة الأولى.

وخلال هذه الفترة كان التنظيم يحاول أن يستعيد زمام المبادرة، خصوصًا أن زعيم التنظيم الجديد، “أبو الحسين القرشي”، تمكّن من الحفاظ على تماسك التنظيم وأعاد بناء هياكله، وعمل على بناء شبكة تجنيد، والبحث عن الموارد المالية.

المعطيات السابقة دفعت أيضًا بمجموعات التنظيم للبدء بعمليات “الجباية وفرض الإتاوات بالتهديد”، إلى جانب تكثيف نشاطها في العمليات العسكرية المباغتة.

الدكتور عبد الرحمن الحاج أشار إلى أن جرأة مجموعات التنظيم على دخول المدن باتت “لافتة للنظر”، خصوصًا تلك العمليات التي استهدف أحدها سجن “غويران” في الحسكة، أو الهجوم على نقطة عسكرية في مدينة الرقة.

جيل جديد من المجندين

الدراسة الصادرة عن “مشروع مكافحة الإرهاب”، تحدثت عن أن خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية” في البادية السورية، رُفدت بدفعة جديدة من المجندين الشباب.

وأشارت إلى أن هذه المنطقة كانت لفترة طويلة بمنزلة مركز تدريب للمجندين الجدد بالنسبة للتنظيم، وخاصة الأطفال من سوريا والعراق.

واستندت الدراسة في تحليلها إلى صور نشرتها معرفات التنظيم لمقاتلين في سوريا خلال بيعتهم لزعيمه الجديد “أبو الحسين القرشي”، ظهر فيها مقاتلون يبدو على أجسامهم أنهم أطفال ومراهقون.

ملامح جغرافيا المنطقة الظاهرة في الصور تظهر أنها التُقطت في منطقة البادية السورية.

وخلال السنوات الماضية، لم يلحظ شيء من هذا القبيل في الصور التي تنشرها وسائل إعلام التنظيم عادة، بحسب الدراسة، التي أشارت إلى أن “جيلًا جديدًا” من المجندين بدأ بالاندماج في خلايا التنظيم النشطة وسط سوريا.

الباحث عبد الرحمن الحاج قال لعنب بلدي، إن الغرض من تكثيف إعلاناته عن عمليات استهداف في الجنوب السوري على وجه الخصوص، هو دعاية للتجنيد، وجذب الانتباه إلى أن التنظيم نشط في درعا.

وأضاف أن تنظيم “الدولة” يرغب باستعادة شبكته في تلك المنطقة، وهو ما أظهرته التحقيقات التي أجرتها فصائل المعارضة مع منتسبي التنظيم نهاية عام 2022.

وتعود رغبة التنظيم بتكثيف عمليات التجنيد إلى الخسائر التي تكبدها على مدار السنوات الماضية، على صعيد المقاتلين، والعاملين في القطاع الإعلامي لديه.

وفي عام 2021، قُتل مسؤول التنظيم في البادية السورية الملقب بـ”أبو علي العراقي”، ما تسبب بتوقف الجانب الإعلامي في التنظيم لمدة من الوقت، بحسب الدراسة الصادرة عن “مشروع مكافحة الإرهاب” الأمريكي.

وفي إطار الحملات “الدعائية” التي أشار إليها الباحث، تحدثت الدراسة عن أن التنظيم أعدم جنودًا من قوات النظام السوري، مرة واحدة في أيلول 2022، ثم مرتين في كانون الأول من العام نفسه، وهي الإعدامات الأولى من هذا النوع منذ منتصف عام 2021.

الجنوب.. “جغرافيا مغرية”

خلال عام 2022، لم يتبنَّ التنظيم سوى ثلاث عمليات استهداف في الجنوب السوري، رغم أن هذا النوع من الاستهدافات لم يتوقف في المحافظة، ثم عاد مطلع العام الحالي، ليتبنى 34 عملية دفعة واحدة، قال إنها أسفرت عن مقتل 50 شخصًا.

عبد الرحمن الحاج يرى في هذا الصدد أن درعا تعتبر مكانًا “استراتيجيًا ومغريًا” بالنسبة للتنظيم، إذ تعتبر المحافظات الجنوبية من سوريا ثروة بالنسبة لأيديولوجيا التنظيم نظرًا إلى قربها من فلسطين، ودمشق، والجولان، ولبنان، والأردن، وإسرائيل.

وأضاف أن حالة “عدم الاستقرار” التي يشهدها الجنوب السوري هي بيئة مناسبة لعمل خلاياه، خصوصًا مع التسهيلات التي قدمها له النظام كما كشفت تحقيقات سابقة.

الحاج أوضح أن التنظيم يفضّل البقاء والتمركز في المناطق التي يسهل تأمين التمويل فيها، وهي التي يجمعها عبر موارد محلية، إذ لم يعد يتلقى التنظيم حملات تمويل تأتي من الخارج.

وأحد أبرز شروط هذه المعطيات التي تسهل تمركز التنظيم هو غياب “القوة الكبرى”، ولهذا السبب استطاع العيش في البادية لمدة طويلة، ولا يزال يستطيع ذلك حتى اليوم، بحسب الحاج.

وكانت منطقة البادية السورية الممتدة بين محافظتي حمص ودير الزور، تعتبر على مدار السنوات الماضية إحدى أكثر المناطق نشاطًا لخلايا تنظيم “الدولة”، التي تستهدف أرتالًا وعناصر لقوات النظام بشكل شبه يومي.

وانتهى نفوذ التنظيم في العراق، حيث قتل وأعدم آلاف الأشخاص في الموصل عندما هزمت القوات العراقية والدولية التنظيم هناك في عام 2017، تزامنًا مع هزيمته في سوريا، وانتهاء سيطرته الفعلية.

وقد اختبأ الآلاف المتبقون من المسلحين بالسنوات الأخيرة في مناطق نائية، لكنهم ما زالوا قادرين على تنفيذ هجمات كبيرة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة