وكالات تعرقلها الحدود.. مرحّلون سوريون يفقدون ممتلكاتهم في تركيا

camera iconاستراحة معبر "باب الهوى" الحدودي مع تركيا - 10 تموز 2020 (عنب بلدي / يوسف غريبي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – خالد الجرعتلي

على مدار السنوات الخمس الماضية، سبّبت احتمالية الترحيل المفاجئ بالنسبة للاجئين السوريين في تركيا، هاجسًا حمل معه عديدًا من التفاصيل التي تعنى الكثير بالنسبة لهم، منها هدم ما تمكنوا من بنائه على صعيد حياتهم العملية كلاجئين في بلد آخر.

من هذه المخاوف، بحسب حالات عديدة رصدتها عنب بلدي خلال أوقات زمنية متفاوتة، ترحيل أصحاب الأعمال أو ملاك الشركات والمحال التجارية في تركيا، إذ لا يمكن للمرحّل الوصول إلى ممتلكاته بشكل قانوني لبيعها أو التصرف بها حال ترحيله إلى سوريا.

ويتسبب الترحيل المفاجئ بإرباك وضياع حقوق كثيرين، خصوصًا أولئك الذين لم يتمكنوا من تنظيم وكالات تخوّل محامين أو من ينوب عنهم تحصيل حقوقهم، أو متابعة شؤونهم ومصالحهم التي بقيت عالقة داخل الأراضي التركية.

ومن أبرز أسباب هذه المشكلة، عمليات الترحيل الفوري التي تتبعها إدارة الهجرة التركية في تعاملها مع بعض قضايا اللاجئين، إذ لا يُمنحون وقتًا حتى لحزم أمتعتهم، وتسوية أوضاعهم في البلاد.

نحو الحدود مباشرة

تتعدد أسباب ترحيل اللاجئين السوريين من تركيا، بحسب القصص التي عايشها سوريون خلال السنوات الماضية، منها أسباب قانونية، وأخرى بسيطة، كسوري رُحّل من تركيا لأنه كان شاهدًا في محكمة، وآخر لأنه قدم شكوى ضد مواطن تركي.

ويعتبر الدخول غير الشرعي سببًا في الترحيل، كما حصل مع محمد (55 عامًا)، إذ قال لعنب بلدي، إن الشرطة التركية ألقت القبض عليه بعد أيام من دخوله البلاد بطريقة غير شرعية، حيث استأجر منزلًا واضطر بعد ترحيله لإبلاغ صاحب المنزل أن يبيع الأثاث لسداد بعض المستحقات المالية العالقة بينهما.

قصص أخرى لسوريين رُحّلوا من ولاية أنقرة دون أسباب معروفة، إذ دخلت الشرطة إلى منازلهم، واقتادتهم إلى مراكز الترحيل دون سبب أو توضيح.

وفي حديث سابق لعنب بلدي، قال اللاجئ أحمد يحيى ياسين، المقيم في مدينة اعزاز بريف حلب الشمالي، إن عناصر الشرطة داهموا منزله في منطقة كهرمان كازان بالعاصمة أنقرة، بعد الساعة الثالثة فجرًا، في 13 من كانون الأول 2022، وصادروا الهواتف وطلبوا منهم التوقيع على بعض الأوراق.

وأضاف أحمد، الذي كان يقيم في تركيا لعشر سنوات، أن اللاجئين المرحّلين من المنطقة في اليوم نفسه، بلغ عددهم حوالي 80 عائلة، نُقلوا إلى مركز شرطة (مخفر) في المنطقة، ثم إلى سجن آخر في مدينة أنقرة، وسط ظروف احتجاز وصفها بـ”السيئة وغير الصحية” من انعدام نظافة، وسوء معاملة، وعدم توضيح سبب التوقيف والاحتجاز، وتقديم طعام قليل جدًا لا يتناسب مع عدد الموقوفين.

وذكر أحمد أنه ترك في منزله مبلغًا قدره حوالي 60 ألف ليرة تركية، وأخبره شقيقه المقيم في تركيا بأن المبلغ غير موجود إلى جانب جهاز كمبيوتر محمول (لابتوب)، حيث تركه قبل المداهمة.

الوكالات العابرة للحدود

من المعروف قانونًا في تركيا أن الوكالة القانونية بأنواعها تنشأ للمواطن الأجنبي من خارج البلاد عبر قنصلياتها في البلد المقيم فيه الأجنبي، لكنّ للشمال السوري وضعًا خاصًا، إذ لا تتوفر فيه دائرة حكومية تمثّل الحكومة التركية كالقنصلية أو السفارة.

وبالنسبة للسوري المقيم في مناطق نفوذ المعارضة، فإن إمكانية مراجعة القنصلية التركية في مناطق نفوذ النظام السوري تعتبر شبه مستحيلة، لما يترتب على المراجعة من مخاطر أمنية، كون معظم المقيمين في المنطقة هم من المطلوبين بتهم سياسية، أو ملاحقين لتخلفهم عن الخدمة العسكرية الإلزامية.

المحامية التركية غولدان سونماز قالت لعنب بلدي، إن للوضع في سوريا ظروفًا خاصة فيما بتعلق بالقضايا القانونية، إذ دائمًا ما يتمكن المحامون الأتراك من تجاوز بعض القوانين بسبب ظروف الحرب في سوريا.

وفي سياق إنشاء الوكالات القانونية، قالت إن الفرد المقيم في سوريا لا يمكنه إنشاء وكالة لمحامٍ أو لأحد أفراد عائلته في تركيا، في ظل غياب المؤسسات القانونية التي تربط البلدين في مناطق شمال غربي سوريا.

وبسبب ظروف الحرب، يمكن تجاوز هذه العقبة عبر إحضار موظف من أي فرع “نوتر” (مكتب الكاتب العدل) في الولايات الحدودية إلى أحد المعابر بين البلدين، برفقة محامٍ تركي، ويجتمع أطراف الوكالة في المعبر الحدودي لعمل الوكالة القانونية.

في حين تعتبر هذه الطريقة محصورة في قضية عمل وكالة قانونية لمحامٍ تركي فقط، إذ لا يمكن للسوري المقيم في سوريا عمل وكالة قانونية لأحد أفراد عائلته على هذا الشكل.

وبشكل عام، يميل أصحاب الأموال إلى عمل وكالات قانونية لمحامين أكثر من أفراد عائلاتهم، بحسب المحامية التركية، خصوصًا أن هذه القضايا تتعلق بأموال أو ممتلكات، إذ يكون المحامي موثوقًا في السياق القانوني أكثر من الأقارب.

تحصيل الحقوق القانونية

يجبر القانون التركي المحامين على تحويل الممتلكات التي جرى تحصيلها عبر مراكز الشحن والحوالات المعتمدة في تركيا، مثل مركز “PTT” لتحويل الأموال، وهو ما يمكن القيام به نظرًا إلى انتشار أفرع لهذه المراكز في سوريا.

وأشارت المحامية إلى أن العديد من حالات الترحيل لسوريين حصلت سابقًا، علمًا أنهم يملكون مبالغ في حساباتهم البنكية لم يتمكنوا من الوصول إليها لاحقًا.

وفي هذا الشأن، يمكن للمحامي بدء العمل القانوني لتحصيل الأموال، ومن ثم إرسالها إلى العميل عبر مراكز الحوالات التركية المنتشرة شمال غربي سوريا.

وفي حال وجود سياق أو تفصيل قانوني معيّن، يمكن للمحامي الدخول إلى سوريا للقاء عميله، ومن أجل تسليمه ملفات أو أوراقًا مثلًا.

المحامية قالت لعنب بلدي، إنها زارت سوريا أكثر من مرة في هذا السياق، وأحدث هذه الزيارات كانت إلى مدينة جنديرس شمال شرقي محافظة حلب، منتصف شباط الماضي.

وأضافت أن بعض القوانين يمكن للمحامين تجاوزها بجملة واحدة، “توجد حرب في سوريا، لا يمكن تطبيق هذا القانون في هذا الوقت”.

وعلى هذه الاعتبارات، يمكن للمحامين الذهاب إلى سوريا، طالما أن موكليهم مقيمون في المنطقة نفسها.

وسبق أن رحّلت تركيا لاجئين سوريين “قسرًا”، رغم امتلاكهم أوراقًا ثبوتية، إلا أنها أعادت جزءًا كبيرًا منهم خلال فترات زمنية متفاوتة، بعد انتشار تسجيلات مصوّرة للاجئين المرحّلين تثبت امتلاكهم أوراقًا رسمية.

وفي إطار الاتهامات الموجهة لدوائر الهجرة التركية بارتكابها انتهاكات بحق لاجئين في مراكز الاحتجاز والترحيل، رفعت هيئة حقوقية تركية دعوى لدى المدعي العام في ولاية غازي عينتاب التركية ضد مركز “Oğuzeli”، بعد تقرير يُثبت انتهاكات لموظفين في المركز ضد اللاجئين.

وفي 24 من تشرين الأول 2022، أصدرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” تقريرًا قالت فيه، إن السلطات التركية اعتقلت واحتجزت ورحّلت “بشكل تعسفي” مئات الرجال والفتيان السوريين اللاجئين إلى سوريا بين شباط وتموز من العام نفسه.

وذكرت المنظمة في تقريرها نقلًا عن سوريين مرحّلين، أن المسؤولين الأتراك اعتقلوهم من منازلهم وأماكن عملهم وفي الشوارع، واحتجزوهم “في ظروف سيئة”.

وأضافت أنهم ضربوا معظمهم وأساؤوا إليهم، وأجبروهم على التوقيع على استمارات “العودة الطوعية”، واقتادوهم إلى نقاط العبور الحدودية مع شمالي سوريا، وأجبروهم على العبور تحت تهديد السلاح، رغم امتلاكهم “بطاقة الحماية المؤقتة”.

وعقب أربعة أيام على انتشار التقرير، أصدرت رئاسة الهجرة التركية ردها واصفة إياه بـ”الفاضح البعيد عن الواقع”، كما وصفت السياسة التركية بـ”النموذجية” في التعامل مع اللاجئين.

ويقيم في تركيا ثلاثة ملايين و500 ألف و964 لاجئًا سوريًا، بحسب أحدث إحصائية صادرة عن الرئاسة العامة لإدارة الهجرة التركية، في 15 من آذار الحالي.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة