ثلاثة أسعار صرف رسمية ورابع للسوق السوداء في سوريا

ما تأثير رفع “المركزي السوري” سعر نشرة المصارف

camera iconعملات ورقية من الليرة السورية - (تعبيرية/ AFP)

tag icon ع ع ع

رفع مصرف سوريا المركزي سعر نشرة المصارف بنسبة 44%، في قرار جاء لتقريب سعر الصرف بين النشرات التي يصدرها المصرف، حسب التعليل الرسمي، بالرغم من عدم شموليته لنشرة الجمارك، مما أثار السؤال حول أسباب وتأثيرات هذا القرار.

وخلال السنوات الماضية، لجأ النظام السوري إلى خلق أسعار صرف متعددة للعملات الأجنبية أمام الليرة السورية، للاستفادة من فروقات أسعار الصرف.

وتوجد في سوريا ثلاثة أسعار يعلَن عنها بشكل يومي، هي السعر الرسمي، ونشرة المصارف، ونشرة الحوالات، بالإضافة إلى سعر إضافي غير رسمي هو سعر “السوق السوداء”.

وبلغ سعر الصرف في نشرة الحوالات اليوم حسب المصرف المركزي، 7250 ليرة، أما في “السوداء” فقد وصل إلى 7600 ليرة بحسب موقع “الليرة اليوم” المختص بتتبع سعر صرف العملات.

وفي 2 من نيسان الحالي، رفع المصرف المركزي سعر صرف الدولار في نشرة المصارف إلى 6532 ليرة سورية بعد أن كان 4522 ليرة، كما رفع سعر صرف الدولار للحوالات “للشخصيات الاعتبارية” الواردة من الخارج إلى 6500 ليرة.

ولم يتغير سعر صرف الدولار في نشرة الجمارك، إذ بقي محافظًا على سعر أربعة آلاف ليرة للدولار الواحد، بحسب تصريحات رئيس قسم أسعار الصرف والدراسات لدى مديرية العمليات المصرفية بالمصرف المركزي، سالم الجنيدي، لإذاعة “ميلودي اف ام” المحلية، في 2 من نيسان.

وبرر الجنيدي، خطوة المركزي برفع سعر نشرة المصارف، بـ”إيجاد مقاربة سعرية بين النشرات التي يصدرها المصرف لردم الفجوة بينها”.

ويشمل سعر صرف الدولار في نشرة المصارف الجديد، جزءًا من الحوالات الواردة عن طريق المصارف، وأي شركة لديها حسابات بالقطع الأجنبي، وتصريف 100 دولار الإلزامية عند الحدود السورية أو عبر المطار، وفق الجنيدي.

وحول آثار النشرة الجديدة على السوق المحلية، قال الجنيدي، إن رفع سعر الصرف لن يؤدي لرفع الأسعار، كون هذا السعر يمول مادة القمح المدعومة، أي تتحمل حكومة النظام السوري أي فروقات سعرية، والمواد الأخرى تسعر إداريًا من وزارة التجارة الداخلية.

ولم يذكر الجنيدي تأثير سعر الصرف الجديد على المواد الأخرى المستوردة غير المدعومة، لكنه أشار إلى أن نشرة الجمارك بقيت على سعرها، أي أن الرسوم الجمركية لم تتعدل على السلع المستوردة، وهو بدوره لن يؤدي لرفع الأسعار، وفق قوله.

وتشهد الأسواق المحلية ارتفاعًا في الأسعار منذ بداية شهر رمضان، في ظل عدم قدرة كثير من العائلات على تأمين احتياجاتها، إضافةً إلى ضعف القدرة الشرائية للعملة المحلية المتدهورة أمام الدولار.

وبحسب رئيس جميعة حماية المستهلك عبد العزيز المعقالي، ارتفعت الأسعار بنسبة 15% خلال شهر رمضان، مشيرًا في تصريحات لصحيفة “الوطن” المحلية، إلى أن نسبة صعود الأسعار بلغت 45% بالأساس منذ مطلع العام الحالي.

ضعف الثقة ينقص الجدوى

اتخذ المصرف المركزي عدة قرارات العام الحالي من بينها القرار الأحدث بسعر نشرة المصارف، بهدف جذب العملات الأجنبية نحو القنوات الرسمية بعيدًا عن “السوق السوداء”.

وتختص نشرة المصارف بالتصريف النقدي، وشراء الحوالات الخارجية التجارية وجزء من الحوالات الواردة إلى الأشخاص الطبيعيين أو “الاعتباريين”، بما فيها الحوالات الواردة عن طريق شبكات التحويل العالمية، وأي شركة لديها حسابات بالقطع الأجنبي.

الباحث في الاقتصاد السياسي الدكتور يحيى السيد عمر، قال لعنب بلدي، إنه من الناحية النظرية سيسهم القرار بزيادة واردات حكومة النظام من القطع الأجنبي، ولكن من الناحية العملية، قد لا تكون نتائج القرار كما هو مخطط له، وذلك بسبب تراجع الثقة بين الفعاليات الاقتصادية وحكومة النظام.

وتسبب ضعف الثقة استمرار توجه العديد من الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين في الاعتماد على “السوق السوداء” في صرف القطع الأجنبي، وهو ما يفقد القرار جزءًا من فاعليته المتوقعة، وفق الباحث.

وأرجع السيد عمر ضعف ثقة الأفراد بحكومة النظام، إلى الخشية من الملاحقة الأمنية، إذ إنه بالرغم من رفع سعر صرف الحوالات الفردية، ما زال العديد من الأفراد يعتمدون على الوسائل غير الرسمية، فتجارب الأفراد والفعاليات الاقتصادية مع النظام لا “تشجع على تعاون حالي”.

وكان المركزي قد أصدر مطلع شباط الماضي قرارًا باعتماد نشرةٍ جديدة للحوالات، يتم فيها تسعير صرف الليرة مقابل الدولار بما يقارب سعر صرف “السوق السوداء”، ضمن جملة القرارات التي أعلن عن أنها ستساهم في تثبيت سعر الصرف.

وتوقع عضو غرفة تجارة دمشق، ياسر اكريّم، في تصريح لصحيفة “الوطن” المحلية، أن قرار رفع سعر صرف الدولار في نشرة المصارف سيؤثر على عدد محدود من المواد التي تدعمها الحكومة مثل المواد الطبية، إلا أن تأثيره في الأسواق سيكون “محدودًا” على اعتبار أن سعر أي سلعة يتحدد بعدة عوامل أحدها سعر الصرف.

وزيرة الاقتصاد السابقة، لمياء عاصي، قسمت انعكاس القرار على الاقتصاد لقسمين سلبي وإيجابي، أما الأول فيتمثل في أن التجار سيسعرون منتجاتهم حسب سعر الصرف في “السوق السوداء”، مما سينتج عنه “ارتفاع كبير” في أسعار السلع.

وأوضحت عاصي، أن القرار سيؤدي في المقابل إلى تأثير إيجابي على الرسوم الجمركية والاستثمار نتيجة رفع الدولار الجمركي، باعتبار أن الرسوم الجمركية “جزء مهم من إيرادات الدولة”.

علاقة غير مباشرة بالاعفاءات الغربية

قبل الزلزال المدمر الذي تأثرت به أربع محافظات سورية في 6 من شباط الماضي، تعهد المركزي باتخاذ جملة من القرارات تهدف إلى ضمان استقرار أسعار الصرف وواقعيتها، وتشجيع الإنتاج، وتسهيل توفر السلع في السوق المحلية، وفق بيان صادر في 24 من كانون الثاني الماضي.

وبعد الزلزال ونتيجة لآثاره المدمرة، وصعوبة تدفق المساعدات للمنظمات الخيرية في مناطق سيطرة النظام، جمدت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشكل مؤقت العقوبات المرتبطة بمساعدات الزلزال، في خطوة أثارت مخاوف استغلال النظام لها لرفد الخزينة بالقطع الأجنبي.

الباحث في الاقتصاد السياسي، يحيى السيد عمر، يرى أنه قد يكون هناك علاقة، بين قرار المركزي الأحدث وبين الإعفاءات لكنها “ليست مباشرة”، ولا يمكن اعتبار القرار نتيجة للإعفاء الأمريكي، فمبررات القرار تعد “ذاتية وداخلية أكثر منها خارجية موضوعية”، على حد تعبيره.

وأضاف السيد عمر، أن خطوة المركزي تعد استكمالًا لخطوات سابقة، أبرزها القرار القاضي بتعديل سعر نشرة الحوالات الشخصية، وهذه القرارات تهدف لتعديل واقع القطاع المصرفي، وتصحيح أداء المركزي، الذي اتسم “بالعشوائية في العمل، وتجاهل الواقع”، وهو ما حفز السوق “السوداء”، وأدى لخسارة حكومة النظام مليارات الدولارات.

وبعد الزلزال، تعددت مصادر التدفق النقدي من العملات الأجنبية إلى سوريا، منها حوالات المغتربين لذويهم المتأثرين بالزلزال، أو بهدف المساعدة ضمن الحملات الإغاثية التي نُظمت لهم، أو عبر الحوالات القادمة من المنظمات الدولية، أو من الدول “الصديقة” للنظام.

وزيرة الاقتصاد السابقة لمياء عاصي أشارت إلى أن تعدد أسعار الصرف كانت العائق الأساسي في اجتذاب أي استثمارات للبلاد، وأن التفاوت بين سعر الصرف الفعلي والمتداول في “السوق السوداء” صعّب الاستثمار بشكل “مربح وفعّال”.

وبحسب عاصي، لا يمكن السيطرة على سعر الصرف سوى بتوحيد نشرات صرف العملة، وتوفير مصادر “دولارية” في السوق، سواء كانت تتعلق بتمويل المستوردات أو الاحتياجات الأخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة