كيف يفسره اقتصاديون..

سعر الليرة السورية يسجل استقرارًا نسبيًا رغم خسائر الزلزال

متطوعون من "الدفاع المدني السوري" و سكان متطوعون  يبحثون عن الضحايا والناجين وسط أنقاض المباني المنهارة  في مدينة حارم - 8 شباط 2023 (عنب بلدي/ إياد عبد الجواد)

camera iconمتطوعون من "الدفاع المدني السوري" وسكان متطوعون  يبحثون عن الضحايا والناجين وسط أنقاض المباني المنهارة  في مدينة حارم - 8 شباط 2023 (عنب بلدي/ إياد عبد الجواد)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – محمد فنصة

تسجل الليرة السورية، منذ مطلع شباط الماضي، استقرارًا نسبيًا في سعر الصرف مقابل الدولار، بالتزامن مع قرارات مصرف سوريا المركزي بتعديل سعر نشرة الحوالات بشكل يومي ليكون قريبًا من “السوق السوداء”، وعلى الرغم من تعرض سوريا خلال هذه الفترة لكارثة الزلزال التي قُدّرت خسائرها بمليارات الدولارات.

تراوح سعر صرف الليرة السورية منذ شباط الماضي بين 6850 و7650 ليرة مقابل الدولار الواحد في “السوق السوداء”، حسب موقع “الليرة اليوم” المختص بتتبع أسعار العملات الأجنبية، بينما تراوح سعر الصرف الرسمي في نشرة الحوالات التي يصدرها المركزي في ذات الفترة بين 6650 و7300 ليرة.

ويستفيد من سعر الصرف في نشرة الحوالات أصحاب الحوالات الخارجية التجارية، والحوالات الواردة إلى الأشخاص الطبيعيين، بما فيها الحوالات الواردة عن طريق شبكات التحويل العالمية.

وقدّر البنك الدولي، في 17 من آذار الماضي، الخسائر المادية للزلزال الذي ضرب أربع محافظات سورية، في 6 من شباط الماضي، بنحو 5.2 مليار دولار أمريكي، أي ما يعادل 4% من الناتج المحلي الإجمالي في سوريا.

وتوقع البنك انكماش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي لسوريا بمقدار 5.5% في العام الحالي، كما توقع ازدياد معدل التضخم “بنسبة عالية” كنتيجة لآثار الزلزال أيضًا.

منظمة العمل الدولية كشفت، في 28 من آذار الماضي، عن أن حوالي 170 ألف عامل فقدوا وظائفهم نتيجة الزلزال في سوريا، وهو ما أثر بشكل مباشر على حوالي 154 ألف أسرة وأكثر من 725 ألف شخص، ونحو 35 ألف شركة متنوعة بين ناشئة وصغيرة ومتوسطة الحجم.

دعم خارجي

يتعرض اقتصاد الدول بعد الكوارث لنكسات تتناسب مع حجم الكارثة، ومن تبعات تأثر الاقتصاد، هبوط في قيمة عملة البلد المتضرر، فيما تحاول إدارة البلد البحث عن حلول للتقليل من الآثار السلبية، كما تساعد مساعدات الدول الأخرى في تخفيف التدهور الاقتصادي.

تركيا التي تأثرت بشكل أكبر من كارثة الزلزال، تلقت مساعدات دولية مالية وعينية، كما أودعت السعودية، في 6 من آذار الماضي، خمسة مليارات دولار في البنك المركزي التركي، وقبلها بأيام وقّعت الإمارات مع تركيا اتفاقية “الشراكة الاقتصادية الشاملة”، التي تهدف إلى تعزيز التجارة والاستثمارات المتبادلة بين البلدين.

وعلى الرغم من حجم هذه المساعدات، تأثرت الليرة التركية منذ وقوع الزلزال بشكل طفيف، إذ كان سعر صرف الدولار الواحد حينها 18.82 ليرة تركية لتصل إلى 19.32 ليرة، وفق موقع “doviz” المتخصص بتتبع سعر صرف الليرة التركية.

أستاذ الاقتصاد والمالية في جامعة “غازي عينتاب” التركية الدكتور عبد المنعم الحلبي، أوضح لعنب بلدي أنه في الحالة السورية، فإن التغيرات الطفيفة في قيمة العملة، دون خسارة 10% من قيمتها في ظروف صعبة، تشير إلى الاستقرار.

وعزا الحلبي استقرار العملة إلى تدخلات “المركزي” المباشرة، والدعم الإماراتي بالدولار النقدي.

ومنذ 24 من كانون الثاني الماضي، تعهد المركزي باتخاذ سلسلة من القرارات لضمان استقرار أسعار الصرف وواقعيتها، وتشجيع الإنتاج، وتسهيل توفر السلع في السوق المحلية، وانسيابية عمليات التصدير.

ومن أهم هذه القرارات التي صدرت تباعًا، تقليص عدد نشرات أسعار الصرف الصادرة عنه، ضمن سعيه لتوحيدها، ورفع سعر نشرة الحوالات والمصارف وتعديلها بشكل يومي لتكون متقاربة مع سعر صرف “السوق السوداء”.

الحلبي أشار إلى أن الاستراتيجية الجديدة التي بدأها الحاكم الجديد للمصرف المركزي، محمد عصام هزيمة، تتسم “بالانفتاح والمرونة” في التعاطي مع ملف الدولار، بينما العديد من “أركان” النظام “غير سعيدين” بهذه التوجهات، واستعادة البنك المركزي لجزء من دوره الطبيعي.

وانتقد الحلبي على الجانب الآخر النهج الذي اتبعه كل من حاكمَي المركزي السابقَين، أديب ميالة، وحازم قرفول، ووصفه بأنه كان “وبالًا على الليرة واستنزف موارد الدولة”، وذلك بسبب اعتمادهما على شركات الصرافة وعلاقات “السوق السوداء” المتحالفة والرديفة لعديد من رجال الأعمال المقربين من النظام.

الدكتور في العلوم المالية والمصرفية، فراس شعبو، قال لعنب بلدي، إن الوضع المستقر لأسعار الصرف يتمثل في تذبذبها صعودًا وهبوطًا بشكل بسيط، ويكون الاستقرار لأسباب اقتصادية أو أمنية.

بالنسبة للوضع السوري، يرى شعبو أنه بعد الزلزال دخلت أموال إلى سوريا، إما بشكل رسمي وإما على شكل مساعدات إنسانية للمتضررين من جميع دول العالم، وهو ما أسهم في ضخ “كم هائل” من الدولار، خصوصًا بعد تعديلات “المركزي” على أسعار الصرف، والسماح بتسلّم الحوالات بسعر صرف قريب من سعر “السوق السوداء”.

وبعد الزلزال المدمر الذي تأثرت به أربع محافظات سورية، في 6 من شباط الماضي، تعددت مصادر التدفق النقدي من العملات الأجنبية إلى سوريا، منها حوالات المغتربين لذويهم المتأثرين بالزلزال، أو الحملات الإغاثية التي نُظمت لمساعدة المتضررين، أو الحوالات القادمة من المنظمات الدولية أو من الدول “الصديقة” للنظام.

ووصل من الإمارات وحدها من المساعدات سفينتا شحن ونحو 240 طائرة، ليبلغ حجم إجمالي المساعدات الإماراتية نحو عشرة آلاف طن.

تأثر إقليمي

شهدت الدول المجاورة لسوريا منذ بداية العام الحالي انخفاضًا ملحوظًا في قيمة عملتها، مثل العراق ولبنان ومصر، وذلك بسبب عدة عوامل دولية حسب تحليل الخبراء.

وتخطى سعر صرف الدولار، في آذار الماضي، حاجز 100 ألف ليرة لبنانية، في حين كان سعر الصرف نحو 40 ألف ليرة بداية العام.

وانتعش مؤخرًا الدينار العراقي بعد إجراءات البنك المركزي ليصل إلى 1420 دينارًا للدولار الواحد، بعدما وصل، في شباط الماضي، إلى نحو 1700 دينار للدولار الواحد.

وارتفع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصري من 24 جنيهًا للدولار الواحد ليصل إلى نحو 37 جنيهًا في آذار الماضي.

أستاذ الاقتصاد والمالية الدكتور عبد المنعم الحلبي، يرى أن السياسات المالية والتوسع بالائتمان دون ضوابط مرتبطة بالاقتصاد الحقيقي، أدت إلى فرط السيولة من العملات الوطنية.

من جهة أخرى، أشار الحلبي إلى أثر الحرب الروسية والارتفاعات الكبيرة في فواتير الطاقة والمواد الغذائية، وهو ما أدى بدوره إلى زيادة هائلة في الطلب على الدولار.

الدكتور في العلوم المالية والمصرفية فراس شعبو، ربط التأثر الاقتصادي في سوريا ولبنان والعراق مع إيران، بوجود طرق تجارة رسمية وغير رسمية بين هذه الدول.

ويعاني الاقتصاد الإيراني أزمة حادة، حيث فقد الريال الإيراني خمس قيمته خلال الأسبوعين الأخيرين من شباط ليصل إلى مستويات تراجع قياسية، ويبلغ حاليًا سعر صرف الدولار نحو 42 ألف ريال إيراني.

ما مستقبل الليرة؟

يعتقد الأكاديمي الحلبي أن الاستقرار النسبي في الليرة السورية سيستمر طالما أن البنك المركزي يطور ويوسع بيئة تداول الدولار.

وقال الحلبي، إن الأجواء الإيجابية القادمة للوضع السياسي الإقليمي والانفتاح العربي، ستفيد النظام بشكل واضح اقتصاديًا.

في المقابل، يرى الدكتور شعبو أنه في حال حدوث تسوية سياسية مع النظام السوري فالمستفيد الأول هم “أمراء الحرب” على صعيد الدخل، حيث سيسهم التطبيع في سهولة حركة الأموال بالنسبة للمحسوبين على النظام، أما الاقتصاد السوري فلن يتحسن.

واستند شعبو في توقعاته إلى التقديرات الأممية المطلوبة لتحسين الاقتصاد السوري وإعادة إنعاشه وإعادة إعمار البنى التحتية التي تصل تكلفتها إلى نحو 500 مليار دولار، وهو من الصعب تأمينه حتى لو طبّعت الدول مع النظام، إذ إنه يحتاج إلى قرار دولي.

وسجلت قيمة الليرة السورية انخفاضًا بنسبة 50% في عام 2022، إذ كان سعر صرف الدولار في نهاية العام نفسه نحو 6500 ليرة سورية، بينما كان سعر صرف الدولار مطلع 2022 نحو 3600 ليرة للدولار الواحد.

وينعكس انخفاض قيمة الليرة على المقيمين في مناطق سيطرة النظام بشكل مباشر، لما يرافقه من ارتفاع في أسعار المواد الغذائية والأساسية، ما يفاقم من ضعف القوة الشرائية لديهم أكثر.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة