بسبب الضغوط.. سوريون يموتون بعمر الشباب “فجأة”

camera iconتشييع جنازة من أمام مستشفى "المواساة" بدمشق- كانون الأول 2022 (مستشفى المواساة)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – جنى العيسى

خلال السنوات الماضية، صرح عدد من المصادر الطبية في سوريا، بارتفاع نسبة الوفيات المفاجئة لدى الشباب، والتي كان معظمها ناتجًا عن سبب يتعلق بأمراض القلب.

وفي 11 من نيسان الحالي، أكد اختصاصي أمراض القلب والتداخلات الدكتور بدر سلوم، ازدياد حالات السكتة القلبية بين الأعمار الصغيرة التي تتراوح بين 18 و35 عامًا، وذلك نتيجة التعرض للضغط والشدات النفسية المختلفة، خاصة لأصحاب الدخل المحدود والضغوط المعيشية الحياتية، وفق قوله.

ولفت سلوم إلى عدم وجود إحصائية دقيقة لوفيات الشباب المفاجئة، لكن يمكن القول، إن هناك زيادة بنسبة 50% بمعدل السكتات القلبية بين هذه الأعمار، بحسب تصريحه.

ولم تقتصر وفيات الشباب السوريين على المقيمين داخل سوريا، إذ شهدت السنوات الماضية حالات وفاة مفاجئة لشبان سوريين في دول اللجوء، دون أن تسبق وفاتهم إصابة بأي مرض.

ما “الموت المفاجئ”؟

يشير المصطلح الطبي “الموت المفاجئ” إلى حالة الوفاة التي لا تسبقها أعراض مرضية، ولا يشمل الوفيات العنيفة أو المؤلمة، وتعرفه منظمة الصحة العالمية على أنه الوفاة الطبيعية التي تحدث في غضون ست ساعات من بداية الأعراض لشخص يتمتع بصحة جيدة، أو شخص لم يسبق له الإصابة بمرض شديد كان من المتوقع أن يودي بحياته.

وحتى وقتنا الحالي، لا تزال عديد من أسباب الموت المفاجئ غير مفسرة، إلا أن كثيرًا من الدراسات المتخصصة تعتبر أن الأسباب المرتبطة بأمراض القلب والأوعية الدموية هي الأكثر انتشارًا حول العالم للموت المفاجئ، بالإضافة إلى أسباب أخرى تتعلق بتعاطي المخدرات، أو أمراض الجهاز العصبي المركزي.

والنوبة القلبية المعروفة أيضًا باسم احتشاء عضلة القلب، تحدث عندما ينخفض تدفق الدم الذي ينقل الأكسجين إلى عضلة القلب بشدة أو ينقطع تمامًا، غالبًا بسبب انسداد الشرايين أو تضيقها نتيجة الدهون والكوليسترول، ويعتمد الضرر الذي سيلحق بالقلب على حجم المنطقة المصابة بانسداد الشريان، ومقدار الوقت الذي يفصل بين النوبة القلبية وتلقي العلاج.

الصحة العقلية والدخل عوامل مسببة

بحسب تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية في حزيران 2021، تعد أمراض القلب والأوعية الدموية السبب الرئيس للوفاة على مستوى العالم، إذ توفي حوالي 17.9 مليون شخص بسبب الأمراض القلبية الوعائية في 2019، وهو ما يمثّل 32% من إجمالي الوفيات العالمية.

ووفق المنظمة، كانت 85% من الوفيات في العام الحالي ناتجة عن النوبات القلبية والسكتات الدماغية، وحدثت أكثر من ثلاثة أرباع الوفيات في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.

ولا يستفيد الأشخاص ممن يعيشون في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل من فرصة الكشف المبكر أو العلاج، كما تكون لديهم فرص أقل للحصول على خدمات رعاية صحية فعالة ومنصفة تستجيب لاحتياجاتهم، لذلك غالبًا ما يتأخر الكشف عن مسار المرض، ويموت الأشخاص في عمر أصغر، معظمهم في سنواتهم الأكثر إنتاجية.

وتسير مشكلات القلب والصحة العقلية جنبًا إلى جنب، إذ ترتفع نسبة الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية لدى الشباب المصابين بالاكتئاب أو سوء الصحة العقلية، مقارنة بأقرانهم ممن لا يعانون مشكلات في الصحة العقلية، بحسب بحث نُشر بجمعية “القلب الأمريكية”، في كانون الثاني الماضي.

ضغوط نفسية هائلة

في نيسان 2022، حذر رئيس قسم الإسعاف في “الهيئة العامة لمستشفى الباسل لأمراض وجراحة القلب بدمشق”، منار العقاد، من زيادة الأزمات القلبية بين الشباب، إذ بلغت نسبة مراجعي قسم الإسعاف في تلك الفترة للأشخاص بين عمر 20 و40 عامًا نحو 10% من عدد المراجعين.

الطبيب عبد الرحمن العمر، العامل مع “الجمعية الطبية السورية الأمريكية” (سامز) في الشمال السوري، قال، إن أسباب الوفيات المبكرة لدى الشباب السوريين تتمثّل بالضغوط النفسية الهائلة التي يتعرضون لها، وحالة من “فقدان الأمل” لديهم، سواء بالنسبة للمستقبل الدراسي أو المهني، فضلًا عن الوضع الاقتصادي المتردي ومحدودية فرص العمل، التي تنعكس بشكل مباشر على آمالهم المهنية والعائلية وغيرها.

كما يعتبر من أبرز أسباب الوفيات، الغذاء غير المنضبط، وسط عدم وجود رقابة غذائية كما يجب، والبيئة غير النظيفة، فضلًا عن غياب الرقابة على بيع الأدوية، وتفشي المخدرات والإدمان، ما يؤثر في زيادة معدلات المرض والوفاة أيضًا، بحسب حديث العمر لعنب بلدي.

وحلّت سوريا في المركز الـ18 من أصل 117 بلدًا في مؤشر معدل فقر العاملين، بحسب تصنيف “منظمة العمل الدولية” لعام 2022، كما صُنفت إنتاجية العمل في سوريا بالمركز 149 من أصل 185 بلدًا، ما يشير إلى ضعف الإنتاجية.

وخلال عام 2022، سجّل “برنامج الأغذية العالمي” 90% من السوريين تحت خط الفقر، وما لا يقل عن 12.4 مليون سوري يعانون انعدام الأمن الغذائي.

الثغرة “كبيرة”

لمحاولة استيعاب هذه الأسباب، وتقليل الأعراض المرافقة للموت المفاجئ لدى الشباب، يرى الطبيب عبد الرحمن العمر، أنه يمكن العمل على توعية الشباب في كل سبب على حدة، مثلًا التوعية بخطر إدمان المخدرات، أو على مستوى الصحة العامة والغذاء الصحي، فضلًا عن الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي.

واعتبر الطبيب أن الثغرة “كبيرة”، لأن الأسباب المؤدية إلى زيادة معدل الأمراض والوفيات في سوريا، أكبر بكثير من جهود منظمات أو جهات متخصصة، إذ لا بد من وجود برامج شاملة تحاول علاج جميع الأسباب المؤدية للمشكلة على المستويين الاقتصادي والنفسي، وبنفس السويّة، لا علاج لمستوى على حساب آخر.

ويرى الدكتور العمر أن لظاهرة الوفاة المبكرة أثرًا نفسيًا كبيرًا ينعكس على مختلف الشرائح، على المجتمع ككل وعلى الشباب واليافعين، الذين يشعر معظمهم بخيبة أمل وإحباط وغياب الأمل بمستقبل مشرق، وهو ما يترك بدوره أثرًا اجتماعيًا سلبيًا على المجتمع.

المدير المشارك لوحدة “العناية القلبية المركزة” في مستشفى “لينوكس هيل” بمدينة نيويورك الأمريكية، الدكتور روبرت روزويل، قال إن خفض خطر الإصابة بنوبة قلبية مبكرة يمكن أن يكون مباشرًا، “كإدراك ما تأكله ومقدار ما تمارسه من الرياضة، أشياء بسيطة مثل كمية السكر التي تضيفها إلى قهوتك يمكن أن تتراكم”.

واعتبر الدكتور روزويل أن خفض خطر الإصابة بنوبة قلبية لا يتعلق بتغيير واحد هائل، بل بالتفاصيل الصغيرة اليومية، إذ من المهم فهم أن الصحة العامة مهمة، بحسب تعبيره.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة