“أنا قادم أيها الضوء”.. توثيق الألم 

tag icon ع ع ع

يطرح كتاب “أنا قادم أيها الضوء” سؤالين في غاية الأهمية، وكل منهما يتعلق بشريحة مختلفة تمامًا، الأول، “إلى أي مرحلة يمكن اعتبار مرضى السرطان مقاتلين حقًا؟ هل هم كذلك بالفعل أم أنهم بشر يجردهم المرض وتجربته الصعبة للغاية من قواهم ويضعهم أمام كل متناقضات الإنسان؟”.

يمكن معرفة إجابة السؤال غير المباشر عبر التفاصيل المؤلمة للأشهر الأخيرة لصاحب الكتاب، الصحفي الاستقصائي محمد أبو الغيط، قبل وفاته، تفاصيل دقيقة طبية ونفسية ليوميات شاب يعيش ما يمكن تسميته “مجده الصحفي”.

من خلال التفاصيل، يتم الاستنتاج بسهولة بأن مريض السرطان ليس مقاتلًا، بل وربما لا يمكن التعامل معه على هذا الأساس، فيما لعبت هذه التفاصيل الكثيرة والممتدة لأشهر منذ اكتشافه المرض وحتى آخر السطور، دورًا كبيرًا في إيضاح الألم الذي يعانيه مرضى السرطان، سواء كان جسديًا أم نفسيًا، ومراحل الاكتئاب واليأس والأمل الذي يعيشونه بشكل يومي، بالإضافة إلى أسماء الأدوية واستخداماتها، والجهات الطبية والتناقضات بين أنظمة هذه الجهات والتشريعات المختلفة التي قد تؤخر علاجًا يحتاج إليه المرضى.

أما السؤال الثاني الذي ربما يُعدّ سؤالًا وجوديًا، فهو “لماذا أكتب؟”، خاصة مع الأزمات التي تعيشها دور النشر، وصعوبة الاعتماد على الكتابة كمصدر دخل رئيس بالنسبة للمؤلفين، وانتشار وسائل معرفية أكثر جاذبية لجيل الشباب، تنافس الكتاب وموقعه في الحياة اليومية كمصدر من مصادر المعرفة، عدا عن الأزمات المعيشية والاقتصادية والسياسية التي تعيشها المجتمعات العربية عمومًا.

يجيب أبو الغيط عن هذا السؤال في مقدمة الكتاب، “أكتب لأن الكتابة هي أثري في الحياة، هي أهراماتي الخاصة، فإلى متى ستبقى منتصبة بعدي؟ الكتابة هي محاولاتي لمغالبة الزمن والموت بأن يبقى اسمي أطول من عدد سنوات حياتي التافهة بالمقارنة بعمر الكون الشاسع المقدّر حاليًا بـ14 مليار سنة”.

بقدر ما يُعدّ الكتاب ممتعًا بأسلوبه، لكنه مؤلم للغاية أيضًا مع التفاصيل الدقيقة التي أوردها الكاتب، والتي قد تدفع القارئ لإعادة النظر بأسلوب حياته ككل، والبحث بشكل أكبر عن المرض وأسبابه وتحاشي الإصابة به، وبقدر ما يبدو الكتاب حزينًا وكئيبًا بنظرة أولى، إلا أنه كذلك كتاب إنساني بالدرجة الأولى، وبقدر ما يُعدّ سيرة ذاتية لمؤلفه، إلا أنه كذلك رحلة إنسانية تظهر إمكانية تنقل الإنسان بين الأفكار والظروف المختلفة والتغلب عليها أحيانًا، وانهزامه أمامها أحيانًا أخرى.

توفي الصحفي المصري محمد أبو الغيط قبل أن يحقق حلمه الذي عبّر عنه عدة مرات، سواء علنًا أم للمقربين منه، بأن يؤلف كتابًا ويقيم له حفل توقيع في معرض “القاهرة” الدولي.

حقق أبو الغيط نصف الحلم، وألّف كتاب “أنا قادم أيها الضوء” الذي نشرته “دار الشروق” المصرية مطلع العام الحالي، لتكون الخطوة الأخيرة في مسيرته مع الكتابة التي بدأت منذ أن أنشأ مدونته الشخصية في عام 2010، لينتج في 13 عامًا عشرات التحقيقات الاستقصائية التي نالت عدة جوائز دولية، منها جائزة “سمير قصير لحرية الصحافة”، والميدالية الذهبية في جائزة “ريكاردو أورتيغا” للصحافة المرئية والمسموعة المرتبطة بالأمم المتحدة، عن تحقيق مرئي بعنوان “المستخدم الأخير”، وكشف خلاله انتهاكات دول غربية لعقود بيع أسلحة، ما سبب وصولها إلى أطراف الصراع في اليمن.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة