لا رهانات كبيرة قبل الانتخابات في مسار تقارب أنقرة- دمشق

وزير الدفاع التركي خلوصي أكار ومدير جهاز الاستخبارات التركية هاكان فيدان يزوران موسكو للمشاركة في اللقاء الرباعي مع نظرائهما لدى روسيا وإيران والنظام السوري- 25 من نيسان 2023 (وزارة الدفاع التركية/ تويتر)

camera iconوزير الدفاع التركي خلوصي أكار ومدير جهاز الاستخبارات التركية هاكان فيدان يزوران موسكو للمشاركة في اللقاء الرباعي مع نظرائهما لدى روسيا وإيران والنظام السوري- 25 من نيسان 2023 (وزارة الدفاع التركية/ تويتر)

tag icon ع ع ع

حسام المحمود

لم يقدّم وصف أنقرة ودمشق لأجواء اللقاء الرباعي، الذي ضم وزراء دفاع تركيا وروسيا وإيران والنظام السوري، ورؤساء استخبارات الأطراف ذاتها في موسكو، أمس الثلاثاء، جديدًا في مسار التقارب التركي مع النظام، طالما أن الوصف ذاته استخدم من قبل بعد لقاء وزراء الدفاع وقادة الاستخبارات للأطراف ذاتها (قبل انضمام إيران) في 28 من كانون الأول 2022.

ومنذ اللقاء الأول على طريق التقارب، شهد مسار التقارب محاولات دفع كثيرة باتجاه تتويجه بلقاء الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مع رئيس النظام السوري، بشار الأسد.

ووفق خارطة الطريق التي تحدث عنها أردوغان في وقت سابق، كان مقررًا أن يتبع اللقاء الأول، آخر على مستوى وزراء الخارجية، تمهيدًا لآخر حلقات التقارب المتمثلة بلقاء رئاسي.

ما جرى على الأرض يخالف هذه الرؤية، كما يخالف تصريحات المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، عن نية لضم وزراء الخارجية ووزراء الدفاع ورؤساء المخابرات في اجتماع واحد كان يفترض أن يعقد خلال أيام وفق، وفق حديث قالن الذي جاء خلال مقابلة أجراها مع قناة “NTV”، مطلع نيسان.

وبعد لقاء نواب وزراء الخارجية للأطراف الأربعة، في 4 من نيسان، تحدث وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، ونظيره الروسي، سيرغي لافروف، عن لقاء لوزراء خارجية الأطراف الأربعة يجري العمل على تحديد موعده، تبع ذلك تصريحات تركية وروسية رجّحت عقد اللقاء مطلع أيار المقبل، ليأتي اللقاء الأخير مطابقًا في التمثيل السياسي للقاء الأول منذ أشهر.

الصورة الأولى

بالنظر للتصريحات التي تبعت اللقاء الأول واللقاء الذي جرى في 25 من نيسان، فاللقاءان يشتركان في مستوى التمثيل ومكان الانعقاد، وحالة الاندفاع التركي عبر التصريحات التي تستبشر خيرًا، وما يتبعها من نفي و”فرملة” من قبل النظام السوري.

إلى جانب ذلك، تفوق اللقاء الماضي على اللقاء الأول بصورة جمعت الأطراف الأربعة المشاركة، تقابل فيها وزير الدفاع التركي، ووزير دفاع النظام، أمام طاولة مستديرة.

ولم ينتج عن اللقاء الأول أواخر 2022، أكثر من صورة واحدة للوفد التركي إلى موسكو.

وزراء دفاع وقادة الاستخبارات لرباعي سوريا يجتمعون في موسكو- 25 من نيسان 2023 (سبوتنك)

وزراء دفاع وقادة الاستخبارات لرباعي سوريا يجتمعون في موسكو- 25 من نيسان 2023 (سبوتنك)

وجاء في مادة حملت عنوان “تركيا بنسختها الجديدة”، في 3 من كانون الثاني 2022، نشرتها صحيفة “الوطن” المقربة من النظام، أن الجانب السوري طلب منع التقاط أي صورة تجمع وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، بوزير الدفاع في حكومة النظام، علي محمود عباس، خلال لقاء جمعهما بوزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، في 28 من كانون الأول 2022.

الصحيفة بررت هذا الطلب حينها بأن “القيادة السورية تعتبر تركيا دولة معتدية ومحتلة للأراضي السورية”.

المادة التي نشرتها صحيفة "الوطن"_ 3 من كانون الثاني 2023

المادة التي نشرتها صحيفة “الوطن”_ 3 من كانون الثاني 2023

وبعدما شكك في 10 من نيسان، بحجم التأثير الذي يمكن أن يحققه لقاء أردوغان بالأسد، معتبرًا أن “لقاء الأسد قبل أو بعد الانتخابات، لن يكون ميزة، وقد يكون عائقًا”، قال وزير الخارجية التركي، في 25 من الشهر نفسه، خلال لقاء تلفزيوني مع قناة “TV 100” التركية، إن لقاء الرئيس التركي مع الأسد قد يكون قبل الانتخابات في تركيا.

عودة للوراء

الباحث في الشأن التركي، طه عودة أوغلو، اعتبر الاجتماع عودة للوراء، لا سيما أن الاجتماع الأول أنتج اتفاقًا على عقد اجتماع وزراء الخارجية، وتأخر الاجتماع دلالة على وجود خلافات عميقة بين الطرفين، فيما يتعلق بالمسائل الأمنية التي لم تحل من أجل الانتقال إلى الشق السياسي.

وأوضح عودة أوغلو لعنب بلدي أن هناك رغبة روسية واضحة لعقد هذا الاجتماع وإتمام مسار التقارب بين أنقرة والنظام، فالتصريحات تصدر دائمًا من قبل الروس رغم أن أنقرة لم تغلق باب هذا المسار تمامًا، رغم امتلاكها لتحفظات، خلافًا للنظام الذي يضع شروطًا “تعجيزية”، كانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية قبل لقاء وزراء الخارجية حتى.

“يمكن اعتباره خطوة مكررة للاجتماعات السابقة، وكسبًا للوقت بالنسبة للطرفين، فأنقرة لا تريد في الوقت الراهن الإقدام على أي خطوة تعكر أجواء الانتخابات المقبلة بعد أسابيع، والنظام يسعى لتأخير المسار بانتظار نتيجة الانتخابات التركية. ”

طه عودة أوغلو- باحث في الشأن التركي

الباحث أشار أيضًا إلى رغبة روسية بتحقيق مكاسب سياسية في هذا المسار في ظل ظروف العزلة الدولية التي تمر بها موسكو، دون إغفال الجانب الإيراني الذي دخل في هذه المعادلة وأسهم في عرقلة اللقاءات السابقة، ما يجعل المسار غير واضح المعالم، لكن المضمون والنتيجة ليست مهمة قبيل الانتخابات، مع استبعاد جديد يسبقها في الوقت نفسه.

وتنظم الانتخابات الرئاسية التركية في 14 من أيار المقبل، وسط تنافس بين حزب “العدالة والتنمية” الحاكم، بقيادة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وحلفائه وأبرزهم حزب الحركة القومية، في مقابل تحالف معارض يضم طاولة سداسية، يقودها كمال كيلتشدار أوغلو.

لا حديث عن تطبيع

نفى النظام السوري، بشكل غير مباشر، عبر مصدر لم تسمه صحيفة “الوطن“، ما ورد في بيان وزارة الدفاع التركية، حول خطوات للتطبيع بين أنقرة والنظام.

وأوضح المصدر أن ما جرى في الاجتماع، بحث في آلية الانسحاب التركي من الأراضي السورية، دون التطرق إلى خطوات للتطبيع، مشيرًا إلى أن العلاقة الطبيعية بين تركيا وسوريا تعني انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، وبغير ذلك لا تكون هناك علاقات طبيعية، وفق تعبيره.

هذا الموقف يأتي تماشيًا مع مواقف النظام طيلة مسار التقارب، والتي تسبق وتتبع لقاءاتها تأكيدات على شرط الانسحاب التركي من الأراضي السورية قبل التطبيع، وهو ما تستبعده أنقرة لمبررات أمنية من جهة، ويتعارض مع دعوات موسكو للتفاوض دون شروط مسبقة من جهة أخرى.

وقبل لقاء نواب وزراء الخارجية في موسكو، الذي كان مقررًا في 16 من تموز، تحدث الأسد عن ضرورة سحب القوات الأجنبية “غير الشرعية” من سوريا، مشيرًا إلى القوات الأمريكية والتركية، على اعتبار عدم وجود قوات أخرى “غير شرعية”، وفق رأيه.

وتابع “نحن لم نضع شروطًا (…) طرح موضوع الانسحاب طرح ثابت ولن يتغير، هو موضوع وطني، وليس سياسيًا”.

وتخلل اللقاء الذي جرى تأجيله حتى 4 من نيسان، تأكيد نائب وزير الخارجية السوري، أيمن سوسان، على أن إعلان تركيا رسميًا، وبشكل لا لبس فيه، أنها ستسحب قواتها من الأراضي السورية كافة، والبدء الفعلي بالانسحاب، “مدخل لإعادة التواصل بين الجانبين”.

خطوة مهمة

الباحث في العلاقات الدولية، محمود علوش، أوضح لعنب بلدي أن الحوار التركي مع النظام يسير في اتجاهين، عسكري استخباراتي وآخر دبلوماسي، وكلاهما مرتبط بالآخر.

وحول أهمية اللقاء أشار الباحث إلى كونه اللقاء الأول للرباعية (بعد انضمام إيران لمسار المباحثات)، ويأتي بعد اجتماع نواب وزراء الخارجية، كخطوة متقدمة في مسار التقارب، لكنه اعتبر تكرار اللقاء، إشارة إلى أن المسائل الأمنية والاستخباراتية في العلاقة المستقبلية بين الطرفين لم تنضج بشكل كامل بعد، وهي الأكثر أهمية لأي مسار سياسي يأتي تتويجًا لنجاح المسار الاستخباراتي والعسكري بين الطرفين، فالقضايا الأساسية العالقة بين الطرفين مسائل أمنية بمعظمها، وعلى رأسها مستقبل الوجود العسكري التركي في سوريا، وعلاقة أنقرة بالمعارضة السورية.

واستبعد الحاج وجود تقدم في المسار السياسي دون تقدم في المسار العسكري والاستخباراتي، كون الوصول إلى مرحلة جديدة في علاقات الطرفين يتطلب التفاهم على الخطوط العريضة للعلاقة الجديدة، وهذا بدوره يفرض التوصل لتفاهمات مبدئية على الأقل، فيما يتعلق بالقضايا الأساسية.

“انعقاد هذا الاجتماع خطوة متقدمة في مسار العلاقات، أو على الأقل تحريك للجمود الذي طرأ على مسار المفاوضات في الآونة الآخيرة، وهذا يعني أن لقاء وزراء الخارجية ليس صعبًا”، أضاف الباحث، مبيّنًا أن المسار السياسي والدبلوماسي في الحوار التركي مع النظام مرتبط  بنتائج الحوار على المستوى الأمني والاستخباراتي.

لا رهانات كبيرة

الباحث في العلاقات الدولية، محمود علوش، اعتبر أن الاجتماع على مستوى وزراء الخارجية سيأتي تدشينًا للتقدم الذي قد يطرأ على مسار الحوار، سيما في الجواب المهمة كمستقبل الوجود العسكري التركي في سوريا.

وفي الوقت نفسه، دعا الباحث إلى عدم وضع رهانات كبيرة على الحوار التركي مع النظام بالنظر لتعقيدات العملية وارتباطها بظروف إقليمية ودولية وظروف الانتخابات التركية.

“هناك تحرك مهم في المسار منذ تراجع النظام عن رفض الاستمرار في الحوار دون أن تضع أنقرة جدولًا زمنيًا واضحًا لانسحابها من سوريا، كنتيجة للضغط الذي يمارسه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على الأسد لمواصلة الحوار مع تركيا على اعتبار أن أي تسوية للوجود العسكري التركي في سوريا قد تكون كنتيجة للمفاوضات، لا شرطًا يسبقها”، قال الباحث.

ويعتبر التطبيع مع الأسد ورقة انتزعتها الحكومة التركية من المعارضة قبل الانتخابات، ما يدفعها لمحاولة عقد لقاء بين أردوغان والأسد قبل موعدها المقرر في 14 من أيار المقبل.

هذا اللقاء المحتمل ربطه الأسد في آذار الماضي، خلال مقابلة مع “روسيا اليوم“، بالانسحاب التركي من سوريا.

وخلال المقابلة نفسها، وصف الأسد الرئيس التركي، بأنه “إخواني ينتمي للإخوان المسلمين بشكل عميق، ومعلن، وهو لا يخفي هذه الحقيقة، والشخصية الإخوانية أو الإخوان المسلمون بشكل عام، يسعون لشيء وحيد هو الوصول إلى السلطة، ويستخدمون الدين من أجل الوصول إلى السلطة، ولا يستخدمون الدين من أجل إصلاح المجتمع أو نشر المحبة بين الناس أبدًا”.

أنقرة لا تقبل شروط.. حسم تركي

بعد حديث وزارة الدفاع في حكومة النظام السوري عن تناول المباحثات مع الجانب التركي في موسكو، مسألة الانسحاب التركي من الأراضي السوري، جاء النفي التركي عبر “مصدر تركي كبير” لم يذكر موقع “ميدل إيست آي” اسمه.

وفي ظل حال التجاذب وتبادل نفي التصريحات بين الطرفين، قال المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، إن الاجتماع التالي على المستوى الرباعي سيحصل بعد الانتخابات التركية، وفق ما نقلته وكالة “الأناضول” التركية، في 26 من نيسان.

وأضاف، “أمامنا انتخابات الآن، سيعقد الاجتماع بعد الانتخابات، ويعمل أصدقاؤنا على تحديد التاريخ”.

ولفت المسؤول التركي إلى أن المباحثات “ليست مهمة سهلة للغاية تنتهي من اليوم إلى الغد”، وفق تعبيره.

كما شدد على رفض أنقرة لأية شروط مسبقة لسير المباحثات مع النظام السوري، قائلًا “يجب أن تستمر هذه الاجتماعات دون شروط مسبقة لاستمرار المفاوضات، نحن نواصل جهودنا لضمان أمن حدونا وسلامة أرواح وممتلكات اللاجئين، آمل أن تمضي العملية بطريقة إيجابية من الآن فصاعدًا”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة