يفتح الباب لسوق موازية 

تحديد حكومة النظام سعرًا منخفضًا للشراء يهدد القمح السوري

camera iconمزارع يحصد القمح في دير خبية بريف دمشق- 17 من حزيران 2021 (رويترز)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – محمد فنصة

أعلنت حكومة النظام السوري عن سعر شراء كيلو القمح من المزارعين بحدود 0.3 دولار أمريكي، واصفة السعر بـ”المشجع”، على الرغم من كون قيمته أقل من الذي حددته عام 2022 (0.5 دولار)، ما يطرح التوقعات بنتائج مهددة لموسم القمح الاستراتيجي الحالي.

وحدد مجلس الوزراء، في 18 من نيسان الحالي، سعر شراء كيلوغرام القمح من الفلاحين هذا العام بـ2300 ليرة سورية، ما يعادل أقل من 0.3 دولار أمريكي، وفق سعر الصرف الذي تجاوز 7800 ليرة للدولار الواحد في “السوق السوداء” بحسب موقع “الليرة اليوم”، المختص بتتبع سعر صرف الليرة.

سعر الشراء الذي حددته الحكومة هذا العام، أقل من سعر الموسم الماضي وهو 2000 ليرة للكيلوغرام، إذا ما قورن بسعر الدولار الأمريكي، إذ كان يعادل نحو نصف دولار قياسًا بسعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية وقتها، حين سجل نحو 3800 ليرة.

وحُددت هذه الأسعار بعد “حساب دقيق” لتكلفة الإنتاج، في ظل الدعم المقدم للقطاع الزراعي من بذار ومحروقات وأسمدة، وبهامش ربح للفلاح بنسبة 35% لكل كيلوغرام وفق رئاسة الوزراء، التي اعتبرت السعر “مشجعًا” على تسليم المحصول واستجرار أكبر كمية ممكنة من حصاد الفلاحين.

“سعر مجحف بحجة الدعم”

تبدو الأسعار العالمية للقمح مقاربة أو تتجاوز السعر الذي عرضته الحكومة للفلاحين، ومع الأخذ بعين الاعتبار تكاليف الشحن ونوعية وجودة القمح السوري الطري، مقارنة بالأنواع العالمية، سيكون السعر “مجحفًا” كما وصف مزارعون في مناطق نفوذ النظام لعنب بلدي.

ووصل سعر القمح الأمريكي القاسي إلى 371 دولارًا للطن، والأرجنتيني إلى 338 دولارًا للطن، والفرنسي إلى 277 دولارًا للطن، بحسب “مجلس الحبوب العالمي“، في انخفاض سنوي بنسب تتراوح بين 23 و38%، بعد الارتفاع العالمي لأسعار القمح عقب الغزو الروسي لأوكرانيا.

وبلغ سعر طن القمح الروسي الذي يعد المورد الأساسي لحكومة النظام نحو 272 دولارًا.

زهير القاسم أحد مزارعي سهل الحولة بريف حمص، قال لعنب بلدي، “إن الحكومة دائمًا تتحدث عن دعم زراعة القمح، ثم تفرض هذا السعر المجحف بحجة الدعم الذي لا يكاد يُذكر”.

وعن ماهية الدعم المقدم، شرح زهير أن الجمعيات الزراعية تقدم ليتر مازوت واحد بسعر التكلفة (4500 ليرة) لكل دونم مزروع بالقمح، وكيسًا من سماد “اليوريا” لكل خمسة دونمات، بسعر أقل من “السوق السوداء” بـ50 ألف ليرة سورية، بينما تحتاج كل ثلاثة دونمات كحد أقصى إلى رشها بكيس من السماد للحصول على فعالية مجدية.

وبسبب النقص، يضطر المزارعون لشراء الكميات اللازمة من السماد من الأسواق التجارية، كما يلتزم المزارع بمصاريف أخرى لا تدعمها الحكومة، مثل تكاليف المبيدات الحشرية، وأجرة رش الخزان الواحد منها التي تصل إلى 50 ألف ليرة.

عامر اليوسف من مزارعي مدينة الرستن بريف حمص الشمالي، قال لعنب بلدي، إن سعر القمح الذي أقرته الحكومة “غير عادل أبدًا”، وهو بالكاد يغطي تكاليف زراعته وريه وحصاده.

وأشار عامر إلى أنه في عام 2022 كان السعر “جيدًا جدًا” مقارنة بالسعر العالمي وسعر الدولار، أما هذه السنة فالتقديرات السعرية “كارثية”، والسعر لا يتعدى أجور التكلفة، بحسب قوله، مطالبًا بتحديد سعر يتراوح بين 3000 و3500 ليرة.

مهندس زراعي من مدينة تلبيسة بريف حمص، رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، قال لعنب بلدي، إن سعر القمح هذا العام سيؤدي إلى إقلاع عديد من المزارعين عن زراعته في العام المقبل، إذ إن الدعم المقدم “ضعيف”، والسعر المفروض غير متناسب مع حجم التكاليف.

وتوقع المهندس الزراعي أن يفتح انخفاض سعر القمح في مناطق نفوذ النظام الباب أمام التجار لشرائه من المزارعين وتهريبه إلى لبنان.

خلق سوق موازية

حذّر رئيس مكتب التسويق والتصنيع في اتحاد الفلاحين التابع لحكومة النظام، أحمد الخلف، من خلق السعر المفروض المتدني للقمح “سوقًا موازية بأسعار مرتفعة أكثر من السعر المحدد”، كما أنها قد تؤدي إلى عزوف الفلاحين بالموسم المقبل عن زراعة هذا المحصول الاستراتيجي، واستبداله بزراعات توفر دخلًا أفضل لهم.

وجاء في حديث الخلف لصحيفة “الثورة” الحكومية، في 20 من نيسان الحالي، أن الاتحاد سيتواصل مع الجهات الحكومية المعنية “لإعادة النظر” في هذه التسعيرة، وتأمين مكافأة تسويقية للفلاحين، تراعي التكاليف الحقيقية والجهد الكبير للفلاحين، وتحقق هامش ربح معقولًا يوازي على الأقل جزءًا من جهدهم.

وأفاد الخلف أن التسعيرة يجب ألا تقل عن ثلاثة آلاف ليرة سورية للكيلو الواحد من القمح، مؤكدًا أن هذه ستكون أبرز مطالبات الاتحاد خلال مؤتمر الحبوب، المقرر في 6 من أيار المقبل.

ولم تأخذ تسعيرة الحكومة تكاليف الإنتاج والمعيشة للفلاحين وعائلاتهم من نقل وطعام ودراسة أبنائهم وغيرها بعين الاعتبار، بحسب الخلف، مشيرًا إلى أن سعر كيلو البرغل حاليًا في الأسواق يصل إلى سبعة آلاف ليرة، وكيلو “الفريكة” يصل إلى 20 ألف ليرة، وهما منتَجان من القمح.

الدكتور في الاقتصاد الزراعي بجامعة “الزيتونة” الدولية سليم النابلسي، قال لعنب بلدي، إن الحكومات التي تدعم المحاصيل الاستراتيجية، عند شراء المحصول من المزارعين، تغطي تكاليف الإنتاج بالإضافة إلى تقديم هامش ربح “مجزٍ”.

وفي الحالة السورية مع محصول القمح الاستراتيجي، يرى النابلسي أن السعر المحدد قريب فقط من تغطية التكاليف، وهو من الممكن أن يؤدي إلى تهريب المحصول خارج سوريا، نظرًا إلى وجود فارق “كبير جدًا” بين سعر حكومة النظام وأسعار القمح العالمية، خاصة أن أسعار القمح السوري القاسي المخصص لصناعة الخبز تكون مضاعفة عن نظيرتها الطرية، وذات طلب أكبر.

واعتبر النابلسي أن سعر القمح الذي لا يغطي التكاليف، يمثّل دعوة غير مباشرة للمزارعين إلى إيقاف إنتاج القمح والانتقال إلى زراعة أصناف أخرى ذات جدوى اقتصادية، كما حصل سابقًا عندما انتشرت زراعة حبة البركة.

وفي حين رفعت حكومة النظام تسعيرة القمح العام الحالي بنسبة تصل إلى 30% عن عام 2022 لكن بقيمة فعلية أقل، رفعت تسعيرة شراء مادة التبغ بنسبة نحو 50% عن العام الماضي، وهو ما أثار انتقادات لدعمها هذه المادة أكثر من المحاصيل الاستراتيجية الأخرى.

مخزون متناقص

الدكتور في الاقتصاد الزراعي سليم النابلسي، توقع بناء على تسعيرة الحكومة لشراء القمح، انخفاض المخزون الاستراتيجي لهذا المحصول في سوريا، والحاجة إلى الاستيراد لتغطية الطلب المحلي، وهو ما يؤدي بدوره إلى استنزاف العملات الأجنبية.

وزيرة الاقتصاد السابقة، لمياء عاصي، تساءلت في منشور على صفحتها في “فيس بوك”، حول آلية تسعير شراء القمح، على اعتبار أن الأخطاء تتكرر في كل عام من تسعير بأقل من السعر العالمي، وعدم تشجيع المزارعين على زراعة القمح، وكأنها باتت “سياسة متبناة ودائمة لمصلحة المستوردين”.

وأشارت عاصي إلى أن هذه الأخطاء تسببت العام الماضي بانخفاض الحصيلة المتسلّمة من القمح، والتي لم تكفِ لأكثر من ثلاثة أشهر، استُكملت بالاستيراد، على حد قولها.

وفي تموز 2022، تحدث وزير الزراعة في حكومة النظام، محمد حسان قطنا، في مقابلة مع وكالة “سبوتنيك” الروسية، عن تراجع في إنتاج القمح عما كان متوقعًا للموسم الماضي ليبلغ 1.7 مليون طن، رغم حاجة البلاد إلى 3.2 مليون طن من القمح.

وفي ظل عدم كفاية المنتج المحلي، يفتح النظام أبوابًا بديلة للحصول على حاجة مناطق سيطرته من المحصول، أحدها القمح “المنهوب” من أوكرانيا.

وبحسب تقرير نشرته وكالة “رويترز”، في كانون الأول 2022، فإن كمية القمح التي وصلت إلى سوريا من شبه جزيرة القرم الأوكرانية (ضمتها روسيا بشكل غير رسمي في 2014 لأراضيها)، زادت بمقدار 17 ضعفًا منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 من شباط 2022.

ويرى النابلسي أن الحل يكمن في إعادة تسعير القمح تحت قاعدة تغطية التكاليف، بالإضافة إلى تحقيق ربح مجزٍ للمزارعين، ما يمكنهم من الاستمرار في إنتاج هذا المحصول الاستراتيجي المرتبط بالأمن الغذائي.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة