هوامش للتحرك في ملف المعتقلين رغم التطبيع العربي

camera iconمعتقل خلفه شعار الجامعة العربية (تعبيرية - تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – يامن المغربي

فتحت التحركات العربية تجاه النظام السوري الحديث مجددًا عن المعتقلين والمغيبين قسرًا في سجون النظام السوري ومصيرهم، خاصة مع غياب أي حديث عنهم في البيانات العربية التي ركّزت بمجملها على نقطتي وقف تهريب المخدرات (الكبتاجون) من مناطق النظام السوري، وعودة اللاجئين السوريين إلى مدنهم.

وشكّلت زيارة وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، إلى مدينة جدة السعودية، في 12 من نيسان الماضي، بدعوة رسمية من وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، نقلة في مسار العلاقات العربية مع النظام السوري.

وبدأ هذا المسار بشكل فعلي منذ انفتاح الإمارات على النظام وافتتاح سفارتها مجددًا في 2018، ثم زيارة وزير الخارجية المصري، سامح شكري، إلى دمشق ولقاء رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في زيارة وصفها الأول بـ”الإنسانية” عقب الزلزال الذي ضرب مدنًا سورية في شباط الماضي، وصولًا إلى اجتماعَي وزراء خارجية مصر والسعودية والعراق والأردن مع المقداد بالعاصمة الأردنية عمّان في 1 من أيار الحالي.

أفضت هذه التحركات كلها إلى صدور قرار بإعادة سوريا إلى الجامعة العربية، وهي آخر خطوات التطبيع العربي مع الأسد، وسط رفض أوروبي وأمريكي، والسعي لإصدار قانون من قبل واشنطن لتجريم التطبيع مع الأسد.

“نقاتل لأجل حياة أهلنا”

“نقاتل لأجل حياة أهلنا” عبارة قالتها الناشطة السورية وفا مصطفى، في حديث إلى عنب بلدي، على هامش ندوة عقدها تحالف “أنقذوا معتقلي سوريا” إلكترونيًا، في 11 من أيار الحالي، للحديث عن أثر تطبيع الدول العربية مع النظام السوري على ملف المعتقلين السوريين، بحضور مركز “العدالة والمحاسبة” (CJA)، وعبادة مزيك المواطن السوري- الأمريكي الذي رفع دعوى ضد النظام السوري في الولايات المتحدة الأمريكية.

واعتبر مزيك خلال الندوة، التي حضرتها عنب بلدي، أن خطوته تمثّل ملايين السوريين ممن طالهم الأذى لاعتقال أولادهم وأفراد عائلاتهم وأصدقائهم، معتبرًا أنها وثيقة جديدة ضد النظام السوري.

في 12 من نيسان الماضي، أعلن مركز “العدالة والمحاسبة” أن موكله السوري- الأمريكي عبادة مزيك تعرض للتعذيب في فرع “المخابرات الجوية” بمطار “المزة” العسكري، بعد اعتقاله في كانون الثاني 2012.

في اليوم نفسه، أعلنت مجموعة من المنظمات والأفراد السوريين عن تحالف “أنقذوا معتقلي سوريا”، منها حركة “عائلات لأجل الحرية”، و”رابطة عائلات قيصر”، و”مبادرة تعافي”، وحملة “تحرك لأجل سما”، بالإضافة إلى وفا مصطفى.

وقالت وفا مصطفى، على هامش الندوة، إن توقيتها جاء لاستغلال تزايد الحديث في وسائل الإعلام العربية والعالمية عن تطبيع الدول العربية مع النظام السوري، للتذكير بملف المعتقلين واستمرار جريمة الاعتقال والإخفاء القسري في سجون النظام السوري.

وفا اعتبرت، في حديثها إلى عنب بلدي، أن التطبيع العربي مع النظام السوري “يؤثر بشكل مباشر على ملف المعتقلين، ويقتل أي فرصة وكل الجهود لإيجاد حل لهذه القضية”.

لكن “خيار عدم فعل شيء” هو خيار غير مطروح، باعتقاد وفا، ويجب استمرار التواصل مع الحكومات الأوروبية والأمريكية للضغط عليها واستغلال كل فرصة ممكنة لإثبات أن النظام السوري استخدم الاعتقال بشكل ممنهج وواسع الانتشار، وبالتالي التأكيد على عدم وجود أي إمكانية للتطبيع مع النظام السوري.

وفا مصطفى، الشريكة المؤسسة في تحالف “أنقذوا معتقلي سوريا”، عُرفت بتحركها المستمر للحديث عن اعتقال والدها علي مصطفى على يد النظام السوري، والذي يكمل في أثناء نشر هذا التقرير ثلاثة آلاف و604 أيام من الاعتقال.

ووفق “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، يوجد 135 ألفًا و235 معتقلًا في سجون النظام السوري، من أصل 154 ألفًا و817 معتقلًا لدى مختلف أطراف الصراع.

فيما تبلغ حصيلة الاختفاء القسري في سوريا 111 ألفًا و907 أشخاص، منهم 95 ألفًا و696 شخصًا لدى النظام السوري، بما يمثّل 85.51% من أعداد المختفين قسرًا، وفق “الشبكة” نفسها.

العملية السياسية يجب أن ترتبط بملف المعتقلين

عقد وزراء خارجية عرب اجتماعَين منفصلَين خلال أيار الحالي، لمناقشة عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية، الأول في جدة والثاني في عمّان.

وصدر عن الاجتماعَين بيانان منفصلان، لم يحمل أي منهما حديثًا صريحًا عن المعتقلين، وهو ما يعكس غياب هذا الملف أمام ملفات المخدرات وعودة اللاجئين، ثم “المصالحة الوطنية الشاملة”، وهو ما يؤدي بشكل مباشر إلى مخاوف تتعلق بإغلاق هذا الملف دون محاسبة مرتكبي جريمته أو وجود حل حقيقي له.

المحامي المتخصص بالقانون الجنائي المعتصم الكيلاني، قال لعنب بلدي، إن أي تطبيع مع النظام السوري مرفوض أخلاقيًا بموجب القانون الدولي على الأقل، وإن أي عملية سياسية يجب أن تتوافق مع القرار “2254”، الذي يصر على إطلاق سراح المعتقلين والكشف عن مصير المفقودين، وهو بند أساسي في القرار.

واعتبر الكيلاني أن أي عملية سياسية لا تشير إلى هذا الملف، “لن تلعب دورًا إيجابيًا للحل في سوريا”.

وأوضح أن وجود عشرات الآلاف من المفقودين والمعتقلين بشكل تعسفي وعشرات آلاف الضحايا، يحتاج إلى ملاحقة ومحاسبة، وإلا فإن هذه الجرائم ستستمر وقد تصل إلى دول أخرى أيضًا.

وسبق أن اعتبرت السفيرة الأمريكية للعدالة الجنائية العالمية، بيث فان شاك، في حديث مع صحيفة “العربي الجديد” في نيسان الماضي، أن التطبيع مع النظام السوري يجب ألا يكون هدية مجانية  بل فرصة لانتزاع بعض التنازلات الإنسانية وغيرها، كالإفراج عن المعتقلين والمغيبين قسرًا.

تحركات وفق الهوامش المتاحة

عقب الخطوات العربية الأخيرة، أكدت الولايات المتحدة الأمريكية ودول من الاتحاد الأوروبي أن “التطبيع مع الأسد مرفوض”، وذهبت واشنطن لإصدار قانون عبر “الكونجرس” يجرّم التطبيع مع الأسد.

وقالت وكالة “رويترز“، في 11 من أيار الحالي، إن مشرّعين أمريكيين من الحزبين “الديمقراطي” و”الجمهوري” قدموا مشروع قانون يستهدف منع الحكومة الأمريكية من التطبيع مع الأسد، وتعزيز قدرة واشنطن على فرض عقوبات على المطبّعين.

ونقلت “رويترز” عن موظف كبير في “الكونجرس”، لم تذكر اسمه، أن مشروع القانون هو تحذير للدول العربية من مواجهة العواقب بعد التحركات الأخيرة.

في حين قال رئيس اللجنة الفرعية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا الوسطى، وهو أحد مقدمي القانون، إن الدول التي اختارت التطبيع مع مرتكب القتل الجماعي وتاجر المخدرات تسير في اتجاه خاطئ، وفق “رويترز”.

القانون وإن لم يُشر بشكل مباشر إلى ملف المعتقلين، فهو يستهدف عملية التطبيع التي تثير المخاوف حول أثرها السلبي على هذا الملف، وهو ما يعني استمرار وجود هوامش متاحة للتحرك لدى المنظمات والناشطين السوريين.

وفا مصطفى قالت لعنب بلدي، إن التحركات تأتي عبر لقاءات مباشرة مع سياسيين وجهات دولية، كمجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان.

وأضافت، “صحيح أن هذه الجهات لم تنجح بفعل شيء حقيقي في هذا الملف، إلا أننا مضطرون لسلك جميع الطرق، كما أننا نعمل على مستوى المجتمع نفسه عبر نقاشات عامة ومظاهرات ومحاولة خلق روابط مع جاليات أخرى، والوصول إلى الجمهور الألماني (تقيم وفا في ألمانيا)، وتقديم معلومات حقيقية حول ما يحصل في سوريا”.

واعتبرت وفا أنه يوجد كثير مما يمكن فعله لأجل هذه القضية، التي هي بأساسها قضية إنسانية وسياسية أيضًا.

فيما اعتبر المعتصم الكيلاني أن التحرك يأتي عبر الاستمرار بالمناصرة والضغط للوصول إلى أصحاب القرار وإيصال الصورة الحقيقية.

وأشار الكيلاني إلى أهمية جهود السوريين في هذا الصدد، لأن “المجتمع الدولي لن يتحرك دون تحرك السوريين أنفسهم في هذا الملف”.

وتُعدّ عمليات الملاحقة والعقوبات بحق النظام السوري أحد أساليب الضغط، وهذا هو الهامش المتاح حاليًا للتحرك، وفق الكيلاني، الذي اعتبر أن هذه الخطوات قادرة على الضغط للإفراج عن المعتقلين.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة