رغم التضييق على السوق..

السلاح.. سلعة رائجة عبر “تلجرام” شمالي سوريا

camera iconصورة تعبيرية (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حسن إبراهيم

باتت بعض الغرف في تطبيق “تلجرام” سوقًا لعرض مختلف أنواع الأسلحة والذخيرة والزي العسكري، بعد أن انحسر وجودها عن السابق وصارت ضمن محال متخصصة على أرض الواقع في شمال غربي سوريا.

عبر منشور بغرف وقنوات مختلفة في التطبيق واسع الانتشار في المنطقة، يعرض أشخاص صورة لنوع السلاح مع معلومات عن مواصفاته وسعره مقدّرًا بالدولار الأمريكي، ملحقين المنشور بوعود عن تخفيض السعر، أو ما يُعرف محليًا بـ”سكرة” في حال اعتمد الزبون.

ولا يقتصر الأمر على عرض السلاح، إذ يتحول المنشور في الغرف مفتوحة التعليق والنشر لأي شخص، إلى أسئلة وأجوبة عن السلاح على العلن في مزاد مفتوح، أو ينتهي بعبارة “التواصل على الخاص للجادّين”.

تمثّل وسائل التواصل الاجتماعي الافتراضية سوقًا نشطة لعرض السلاح وبيعه، وكل ما يتعلق بالتجهيزات العسكرية، أكثر من نشاطها على أرض الواقع، ضمن محال السلاح المنتشرة في المنطقة.

أسلحة بأنواعها.. عرض وطلب

تنشط شمال غربي سوريا عشرات من المجموعات على وسائل التواصل، سواء المختصة ببيع وشراء السلع أو غيرها، مثل العقارات والآليات والأدوات المنزلية والملابس وغيرها.

وتعج هذه القنوات باختلاف تسميتها بصور الأسلحة المتوسطة والخفيفة التي تُعرض للبيع بأسعار مختلفة، ويدير بعض المنشورات تجار أسلحة وجدوا من عرضها على شبكات الإنترنت وسيلة لتحقيق أرباح بتكاليف منخفضة، وبعضهم الآخر يعرض سلاحًا للبيع أو الشراء لأول مرة.

أسلحة صغيرة، بنادق ورشاشات وأسلحة نارية قديمة الطراز، بنادق تعمل يدويًا، قنابل يدوية، مدافع هاون، قاذفات صواريخ خفيفة، قذائف هاون وذخائر لمعظم هذه الأسلحة للبيع مع سلاح أو بشكل منفرد.

تواصلت عنب بلدي مع رقم مرفق بأحد منشورات بيع السلاح، لشخص يدعى “أبو خالد”، وأوضح أنه يتخذ من بيع وشراء السلاح وبعض الذخيرة مصدر دخل له، لافتًا إلى أن هامش الربح قليل لأن سلعة السلاح باتت مكشوفة السعر في الشمال السوري.

وذكر التاجر أنه يحقق أرباحًا جيدة في حالة شرائه سلاحًا يرغب صاحبه ببيعه بسرعة، أو في حالة وجود عذر قابل للصيانة، معتمدًا على فرق تصريف الليرة التركية مقابل الدولار الأمريكي، إذ تباع الأسلحة مقدّرة بالدولار رغم أن العملة المتداولة هي الليرة.

ويعرض “أبو خالد” منتجاته عبر “تلجرام”، وبعد الاتفاق المبدئي أو التعليق على المنشور من قبل أي شخص، يستخدم البائع التطبيق نفسه أو “واتساب” لإجراء عمليات التفاوض على الأسعار، ثم الاتفاق على التسليم في مكان محدد، مثل شارع أو أمام محل أو عند بناء معروف في المنطقة (دوّار، حديقة).

ولا يقتصر الأمر على طرح السلاح، إذ يسأل كثيرون عبر هذه المجموعات عن أنواع أسلحة وذخائر وتجهيزات عسكرية مختلفة بمواصفات محددة، يتم الرد عليهم أيضًا بنفس عملية عرض التاجر لبضاعته والتفاوض.

وأضاف التاجر أن معظم زبائنه من المدنيين وبنسبة قليلة من مقاتلي الفصائل، لافتًا إلى أن السبب وراء معظم حالات الشراء يكون بغرض الحماية وبنسبة أقل الرغبة بالصيد، في حين أن شراء المقاتلين بعض الأسلحة يكون بغرض بيعها أيضًا، إذ يلجأ بعض الأشخاص ممن لا يملكون خبرة في الأسلحة إلى مقاتلين يشترون لهم.

ولفت التاجر إلى أن بعض المقاتلين تحوّلوا إلى تجار يطلبون منه تبليغهم بأي قطعة سلاح جيدة “نظيفة” وعرضها عليهم، أو ذخيرة محددة بسعر منخفض أقل مما يتم عرضه في محال بيع الأسلحة، من أجل تحقيق أرباح لهم.

ويبلغ سعر مسدس “عيار 7″ (تشيكي) 400 دولار أمريكي، و”عيار 9” من 400 إلى 500 دولار، ومسدس “ستار طويل” 800 دولار، ويبدأ سعر المسدس “عيار 14” من 1500 حتى 5000 دولار.

وتتراوح أسعار البندقية “كلاشينكوف” من 100 دولار إلى 500 دولار، وهي أبرز الأسلحة التي تُعرض للبيع عبر وسائل التواصل، مع وجود نوعية ثانية تدعى “الأكيات” تبدأ أسعارها من 800 إلى 1500 دولار.

ويتراوح سعر رشاش “PKC”، وهو سلاح متوسط، من 500 إلى 2500 دولار أمريكي، وسعر القاذفة من 100 إلى 400 دولار للأنواع التدريبية وأنواعها عراقية، وإيرانية، وألمانية، وروسية.

بنادق للبيع داخل محل لبيع الأسلحة بمدينة اعزاز بريف حلب الشمالي- 17 من أيار 2023 (عنب بلدي/ ديان جنباز)

بنادق للبيع داخل محل لبيع الأسلحة بمدينة اعزاز بريف حلب الشمالي- 17 من أيار 2023 (عنب بلدي/ ديان جنباز)

محال الشمال.. تراخيص وشروط

نشاط بيع وشراء الأسلحة عبر وسائل التواصل الاجتماعي لا ينفي وجود محال مخصصة للبيع في الشمال السوري، إذ تنتشر المحال بشكل أقل من السابق، سواء في مناطق سيطرة “الجيش الوطني” بريفي حلب الشرقي والشمالي، ومناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام” في إدلب، لكنها تعمل وفق شروط وضوابط.

ويتسم سوق السلاح السوري بالتنوع الشديد، ويتشكل من خلال التدفق الديناميكي للأسلحة والذخائر على مدى قرن من الزمان إلى سوريا والشرق الأوسط بشكل عام، وفق تقرير بحثي لشركة “ARES” المتخصصة في الاستشارات الاستخباراتية وخدمات أبحاث التسلّح، بعنوان “البازار الرقمي.. التجارة الإلكترونية للأسلحة والذخائر في سوريا التي تسيطر عليها المعارضة”، نشرته في تموز 2022.

التاجر “أبو خالد”، أوضح في حديثه لعنب بلدي أن البيع عبر وسائل التواصل الاجتماعي لا يحمّله أي تكاليف من استخراج رخصة أو دفع إيجار محل أو تبعات أخرى، لافتًا إلى أن العمل قائم على العرض والطلب، معتبرًا أن عمله لا يحمل أي مخاطر.

صاحب محل لبيع السلاح في مدينة اعزاز بريف حلب الشمالي، قال لعنب بلدي، إنه حاصل على ترخيص من قبل “الشرطة العسكرية” على أن محله لـ”تصليح السلاح”، لافتًا إلى أن استخراج الرخصة يمكن أن يكون في حال كان المحل مزوّدًا لفصيل عسكري بالذخيرة، (مذخّرًا).

وأضاف أن الشخص لا يمكن أن يفتح محلًا بطريقة “عشوائية” دون ترخيص، إذ تسأل “الشرطة العسكرية” التابعة لوزارة الدفاع في “الحكومة السورية المؤقتة” عن الترخيص، وتعطي إنذارًا باستخراجه، ثم تغلقه بالشمع الأحمر وتصادر المعدّات في حال استمرار المخالفة.

وذكر صاحب المحل أن عمله تغيّر عن السابق، ومعظم مبيعاته تحولت من السلاح الحربي إلى سلاح الصيد البحري والبري من بندقية صيد (جفت) يدوية و”أوتوماتيك” و”بندقية حبة خردق”، من طراز تركي وروسي وإيطالي وغيرها، و”إكسسوارات” للعسكرة من مناظير ولباس خارجي من خوذ وغيرها.

واقتصر بيع الشاب من الأسلحة الحربية على الأنواع الخفيفة جدًا، كالبندقية والمسدس فقط، لكثرة انتشار المشكلات وحالة الفوضى الأمنية التي تشهدها المنطقة، مشيرًا إلى أنه كان يبيع سابقًا مختلف الأنواع باختلاف البلد المنشأ، حتى إنه كان يبيع مضاد طيران (م.ط)، وفق ما قاله التاجر، طالبًا عدم ذكر اسمه الصريح.

وفي حال بيعه أنواع أسلحة حربية، يختار تاجر اعزاز الفصيل المعروف في المنطقة أو الذي يملك “نقاط رباط” قرب خطوط التماس على الجبهات، ولا يتعامل أو يبيع سلاحًا حربيًا لعناصر ضمن فصائل لا تقاتل على الجبهات، وفق قوله.

وتعتبر أسعار سلاح الصيد منخفضة مقارنة بالأسلحة الحربية، وتبدأ من 25 حتى 1000 دولار، لعدم استقرار العملة التركية، إذ بلغ سعر صرف الدولار الواحد مقابل الليرة التركية 19.72 ليرة، بحسب موقع “Döviz” المتخصص بأسعار صرف العملات.

وفي إدلب حيث تسيطر “تحرير الشام” ومظلتها السياسة حكومة “الإنقاذ”، لا تنشط المحال التي تبيع السلاح بكثرة، وعلى مستوى المدينة، ينشط محل واحد بعيد عن مركزها حوالي 1.7 كيلومتر، قرب دوار معرة مصرين على الطرف الشمالي من إدلب.

قلة المحال تعود إلى مشكلات جرت منذ سنوات وضبطها “جهاز الأمن العام”، رافقتها قرارات من “الإنقاذ” بمنع فتح محال سلاح ضمن مراكز المدن، وحتى قرارات منع بحق من يحمل السلاح ضمن المدينة أو استخدامه حتى في الأعراس، وتُطبق القرارات بشكل أقل في الأرياف.

أحدث قرار من قبل “الإنقاذ” في هذا الصدد كان في كانون الثاني 2021، ونصّ على إغلاق جميع محال بيع الأسلحة في إدلب وريفها، وسحب جميع التراخيص من المحال المرخصة، ومنح مهلة مدتها 15 يومًا لتنفيذ القرار تحت طائلة المسؤولية لمن يخالف ذلك.

وذكرت “الإنقاذ” حينها، أن سبب القرار تكرار حوادث التفجير في محال بيع الأسلحة، ما تسبب بسقوط ضحايا من المدنيين.

مدير إدارة الأمن الجنائي في وزارة الداخلية بحكومة “الإنقاذ”، النقيب إبراهيم حسين اليوسف، قال، إن محال بيع السلاح تحتاج إلى عدة إجراءات في أثناء التقديم على رخصة مزاولة المهنة، وهناك عدد من الشروط التي وضعتها الوزارة، منها الكشف على المحل من ناحية الموقع وجهوزيته بحيث يكون خارج المناطق السكنية للحفاظ على أمن الأهالي.

وأضاف اليوسف في تصريح لعنب بلدي، أنه بعد مطابقة الشروط والأوراق المطلوبة، يتم منح رخصة مزاولة مهنة بيع السلاح لمقدم الطلب من قبل إدارة الأمن الجنائي في الوزارة، تخوله بيع وشراء الأسلحة الحربية المذكورة بالرخصة.

ويحظر على المحال بيع أي نوع من أنواع المتفجرات مثل “الكوارتكس” (خليط سريع الاشتعال ومادة متفجرة صلبة)، أو “تي إن تي” (من أكثر أنواع المتفجرات شيوعًا في العالم).

بنادق للبيع داخل محل لبيع الأسلحة بمدينة اعزاز بريف حلب الشمالي- 17 من أيار 2023 (عنب بلدي/ ديان جنباز)

بنادق للبيع داخل محل لبيع الأسلحة بمدينة اعزاز بريف حلب الشمالي- 17 من أيار 2023 (عنب بلدي/ ديان جنباز)

فوضى سلاح.. لا قوانين تضبط السلاح

تراجع عدد محال الأسلحة ونشاط البيع عبر وسائل التواصل، لا ينفي حالة الفوضى التي يخلقها انتشار السلاح في المنطقة.

وتترافق أي حالة اعتداء أو اشتباك أو اقتتال بقرارات لضبط السلاح وحصره في مناطق “الرباط” وقرب خطوط التماس، لكنه لا يزال منتشرًا بكثرة.

وصار حمل السلاح ظاهرة منتشرة في الشمال السوري، وخاصة في مناطق سيطرة “الجيش الوطني السوري” بريفي حلب الشمالي والشرقي ومدينتي تل أبيض ورأس العين شمال شرقي سوريا.

ودائمًا ما يتحول أي شجار إلى استخدام فوري للسلاح، سواء في الهواء لنشر الهلع والخوف، أو بشكل مباشر لتحقيق إصابات.

أصدرت وزارة الدفاع في “الحكومة السورية المؤقتة”، المظلة السياسية لـ”الجيش الوطني”، في نيسان 2022، تعميمًا لضبط حمل السلاح في مناطق سيطرتها، وحصر وجوده في المعسكرات وخطوط المواجهة مع العدو والنقاط الأمنية، وأوصت بضرورة الاحتكام إلى القضاء للبت في أي خلاف.

وفي نيسان من العام نفسه، أصدرت “غرفة القيادة الموحدة” (عزم)، وكانت تضم عدة فصائل في “الجيش الوطني” قبل حلّها، تعميمًا بمنع حمل السلاح داخل مراكز المدن والبلدات إلا بموجب مهمة رسمية بغرض حماية الأسواق وتأمين المدنيين.

وفي نيسان الماضي، شهد أحد مخيمات النازحين ببلدة أطمة في ريف إدلب الشمالي، خلافات عائلية بين مهجّرين من ريف حماة، أدت إلى مقتل خمسة أشخاص وإصابة أربعة، بعد أن تحول الخلاف من الاشتباك بالعصي إلى إطلاق النار.

في آذار الماضي، اعتدى أحد أولياء الأمور وأشخاص آخرون، من بينهم عناصر في فصائل “الجيش الوطني السوري”، على كادر ثانوية “عبد الله رجب” في مدينة الباب بريف حلب الشرقي، مع تهديد بالسلاح، في حالة تكررت على مدارس ريف حلب بشكل عام، وسط دعوات لضبطه لكن دون جدوى.


شارك في إعداد التقرير مراسل عنب بلدي في اعزاز ديان جنباز




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة