الثورة من الوطن الصغير

no image
tag icon ع ع ع

26حنين النقري – دوما

من أهم الحاجات الأساسية لأي إنسان، وأصعبها تحصيلًا للسوريين، اللبنة الأولى، الوطن بأصغر أشكاله، أكثر النعم افتقادًا اليوم لدى معظم السوريين «البيت»…

في أيام يعزّ فيها الأمان، وتضنّ فيها المدن عليك بمأوى.. ويتنافس التجار على استنزاف كل مال لديك… تدرك تمامًا.. معنى «مأوى»..

هو أكثر من جدران وسقف نرى مشاهد تدميرها ركاما على الشاشات، أكثر من مجرّد ذكريات نحنّ لها ونشتاق…

اليوم، وفي ظل تنقّلي من بيت لآخر، ومن مدينة لأخرى، أدرك تماما صعوبة واقع كان يعيشه الكثير حقّا من السوريين، دون أن نشعر بهم!

ثمة نزوح عمره عقود وعقود لم نكن نفكّر به، لم نكن نفكر بصعوبته، نزوح قسري وإجباري، لكنه يتم بتراضي الطرفين، بعقد قانوني: استئجار السكن!

البحث في المكاتب العقارية عن بيوت، الرضوخ لشروط المالك، والمال الذي تدفعه لقاء ما لا تسكنه، في نهاية الشهر… توسلّاتك للمالك أن يمهلك يومًا أو يومين.. نقل المتاع والتنقّل بيوم محدد من شهر ما ينصّ عليه العقد..ذكرياتك الموزعة على بيوت وبيوت… وعنوانك المتجدد دوما.. أليس هذا نزوحا دائما؟

وإن كان هذا حديثنا عن الاستئجار، فما بالكم بالامتلاك؟

أن يكون الحصول على حاجة أساسية لك، بهذا القدر من الصعوبة، أن يكلّفك إيجاد مأوى صغير لك يتيح لك الاستقلال بحياتك وتكوين عائلة لك، ثلاثين سنة من عمرك، -كحدّ أدنى- قد تقضي جزءًا منها في الغربة متحمّلا كل صعب.. لتأمين حاجة أساسية جدًا لك، هذا غير إنساني!

الأمر قانوني… لكنّه غير إنساني!

الطعام، الدواء، اللباس، المأوى، حاجات الإنسان الأساسية، التي ينبغي أن تتوافر لكل الشعب دون غربة وتغريب وكثير من عناء، الأمور التي تواجه -وواجهت- الجميع اليوم -وأمس-، لا أتحدث عن توزيع المنازل من قبل الحكومات مجانا، بل عن حلول بديلة تسهّل الحصول على مأوى للجميع..بشكل انساني وغير ابتزازي

البناء الذاتي للمسكن وبجهود شخصية ومن مواد متاحة حولنا كالحجارة وما شابه، فكرة جميلة جدا، أتمنى لو وجدت طريقها الى مجتمعنا، لكنها قد لا تروق للبعض، وتبدو صعبة وخيالية .. لذا أجد أن حلولًا بديلة أخرى قد تمهّد لها، وتبدو أكثر واقعية وأكثر قابلية للانتشار..

على سبيل المثال، من أجمل الأفكار التي وصلتني في هذا المضمار، هي تعاون تجار وميسورين في إحدى المدن لبناء مجموعة من المساكن، تستقبل الشباب الراغبين بالزواج لمدة 5 سنوات، دون أجرة تطالبهم بها في نهاية الشهر، ويكوّن الشاب ذاته خلال هذه السنوات الخمس دون دفع مبالغ تختصم من نتاج عمله شهريا، فيكون أكثر قدرة على امتلاك منزله الخاص، ليسلّم هذا البيت المؤقّت لشاب آخر يمضي فيه سنينًا خمس أخرى…

الفكرة رائعة جدًا، ولعلّها تغدو ذات فاعلية أكبر وعلى نطاق أوسع  لو تبنّتها الحكومات، فأمنت في كل مدينة مساكن مؤقتة مجانية مشابهة، تجعل الحصول على سكن أمرًا ايسر، وتستقطب الشباب وتعينهم على العمل -والدراسة- في البلاد لا الغربة، ريثما يمتلكون منازلهم الخاصة…

الأمر ملحّ، وهو اليوم أشد إلحاحًا عندما نرى نسبة الدمار في جميع أنحاء سورية، ونرى أن البيوت التي حصّلها معظم أصحابها بشقّ الأنفس صارت ركاما، الأمر أشد إلحاحا حقا للبحث الجدي عن حلول ميسّرة للحصول على مأوى بشكل إنساني لا يستنزف طاقات شعبٍ آن له أن يكرّم..

هناك العديد من الأفكار لو وجدت الإرادة، ولو وجد الإيمان بأن «الإنسان» السوري، يستحق الأفضل..




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة