متطوعون فقدوا حياتهم ومكاتب تتعرض للهجوم

خطاب التحريض ضد كوادر المنظمات.. الكلمة تصبح رصاصة

camera iconعنصر في "الدفاع المدني" في مكان انفجار عبوة ناسفة بمدينة الباب بريف حلب الشرقي- 15 من حزيران 2022 (عنب بلدي/ سراج محمد)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي- لجين مراد

“صرنا خايفين نعيش حياتنا الطبيعية”، اختصر مدير العمليات في فريق “ملهم التطوعي”، محمد الشيخ، حالة الخوف التي فرضتها رسائل الكراهية والتأجيج المستمر على مواقع التواصل الاجتماعي ضد الفريق وغيره من المنظمات العاملة في سوريا.

وفي ظل الحاجة الكبيرة إلى استمرارية عمل منظمات المجتمع المدني التي نشطت منذ سنوات الصراع الأولى، يتعرض مئات السوريين الذين رهنوا وقتهم وأرواحهم ليكونوا عونًا لغيرهم، لهجوم متواصل يقتصر أحيانًا على كلمات تنشر على قنوات “تلجرام” ومواقع التواصل الاجتماعي، ولكنّ المرعب أن يكون هذا التحريض سببًا، ولو بشكل غير مباشر، في قتل أحد العاملين بتلك المنظمات.

وخلال الأيام الماضية، استُهدف مدير مكتب “هيئة الإغاثة الإنسانية” (iyd)، العاملة في الشمال السوري، عامر الفين (45 عامًا)، المعروف بـ”أبو عبيدة الحمصي”، من خلال وضع عبوة ناسفة في سيارته، من قبل مجهولين، ما أسفر عن مقتله في حزيران الماضي.

كلمات قاتلة

لم يكن “أبو عبيدة الحمصي” أول المستهدفين، إذ تعرّض العديد من العاملين في منظمات المجتمع المدني لمحاولات قتل، بينهم مدير مكتب فريق “ملهم التطوعي” في مدينة الباب، محمد أبو الفتوح، الذي استُهدف بعبوة ناسفة، وُضعت أسفل سيارته، وأسفرت عن إصابة مدني كان موجودًا في المكان.

كما تعرضت مكاتب “الدفاع المدني” لهجمات متكررة، أسفر بعضها عن مقتل العديد من المتطوعين.

يأتي ذلك تزامنًا مع حملات الكراهية والتخوين التي حوّلت الانضمام للعمل مع منظمات المجتمع المدني إلى تهمة بالسرقة، أو النفاق، أو “الكفر” في بعض الحالات.

مدير العمليات في فريق “ملهم التطوعي”، محمد الشيخ، أرجع محاولات القتل التي تعرض لها العاملون بالفريق إلى خطاب الكراهية الموجهة ضدهم.

وأوضح الشيخ في حديث إلى عنب بلدي في مكتب الفريق باسطنبول، أن العديد من الأشخاص الذين يحملون السلاح في تلك المناطق، لا يملكون الوعي الكافي لاستخدامه بطريقة سليمة.

وأضاف الشيخ، كثيرًا ما نُتهم بـ”الكفر”، ما يجعل ذلك فرصة للخلايا “الإرهابية” الموجودة في المنطقة، أو لبعض المتطرفين، لاستهداف العاملين في الفريق، بذريعة الدفاع عن الدين.

من جهته، قال أحد متطوعي “الدفاع المدني” إسماعيل العبد الله، إن “الدفاع المدني” كان من أوائل المنظمات التي تعرضت لحملات تكذيب وتخوين.

وأضاف العبد لله أن “الدفاع المدني” فقد نخبة من المتطوعين في حادثتين مأساويتين، بريفي حلب وإدلب، خلال هجومين من قبل مجهولين تعرضت لهما مكاتب “الدفاع” في تلك المنطقتين.

ومن أبرز الاستهدافات التي تعرّض لها “الدفاع المدني”، اقتحام تعرّض له مكتب الفريق في سرمين، بريف إدلب الشمالي، ما أسفر عن مقتل سبعة متطوعين، في 12 من آب 2017.

مؤسس ورئيس “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، فضل عبد الغني، قال لعنب بلدي، إن العديد من الأشخاص يمكن أن يصدقوا الخطاب الموجه ضد بعض المنظمات رغم غياب الأدلة، لافتًا إلى أن الهجوم المستمر على المنظمات والعاملين فيها، دليل حقيقي على انجرار مئات الأشخاص وراء خطاب الكراهية.

ويمكن أن تؤدي هذه الحملات إلى تشويه سمعة العاملين بالمنظمة، كما يمكن أن تتطور في بعض الحالات لتكون كفيلة بإنهاء حياة أشخاص يعملون منذ سنوات لخدمة السوريين.

ما الهدف؟

رغم انتشار حملات التشويه وتكرارها، يحدث معظمها من قبل أفراد وجماعات مجهولة، ليست لها أهداف واضحة.

“إذا كنت ترغب ببناء أطول عمارة فأنت أمام خيارين، إما أن تهدم العمارات حولها، وإما أن تبني حقًا أطول عمارة”، هذا ما قاله مدير العمليات في فريق “ملهم التطوعي”، محمد الشيخ، ليوضح الأهداف الشخصية وراء تلك الحملات، وفق تعبيره.

وأشار الشيخ إلى أن بعض الحملات تحمل طابعًا “دينيًا”، إذ يستغل البعض وجود متطوعات في الفريق لتشويه سمعته.

وأضاف أن كثيرين في المناطق “المحررة” يعتبرون عمل المتطوعين خارج سوريا “رفاهية”، بسبب سنوات الحرمان الطويلة التي عاشوها، وفق ما قاله الشيخ، بينما لا تتأثر فئة المتبرعين بتلك الحملات.

وأوضح أن معظم السوريين في دول اللجوء يدركون حقيقة أن ما يعيشه العاملون في المنظمات خارج إطار عملهم ليس “رفاهية”.

كما اعتبر المتطوع في “الدفاع المدني” إسماعيل العبد الله، أن تلك الحملات تهدف بالمرتبة الأولى لتشويه عمل “الدفاع المدني”.

“الخوف يلاحقنا”

يمضي مئات المتطوعين والعاملين في المنظمات أيامهم داخل وخارج سوريا في خوف مستمر من أن يكونوا الهدف التالي بكلمة تطعن بجهودهم، أو رصاصة تنهي حياتهم.

“في خوف مرافقنا بحياتنا”، بهذه الكلمات وصف الشيخ أثر الهجوم المستمر الذي يتعرض له الفريق على حياته الشخصية، وحياة زملائه ورفاقه العاملين ضمن الفريق، أو في منظمات أخرى.

وتابع، “صرت خاف عيش حياتي الطبيعية، دائمًا نحن مراقبون”، مشيرًا إلى أن وجود أشخاص من أعضاء الفريق داخل مطعم، بات من يسوّق له بأنه جريمة، بحسب تعبيره.

وتحوّلت هذه الحملات إلى هواجس منعت الشيخ والعديد من زملائه من ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، وقيّدت نشاطهم على مواقع التواصل الاجتماعي، خوفًا من أن يتحوّل إلى حجة لهجوم جديد.

من جهته، أكّد العبد الله أن أثر تلك الحملات “كارثي” على جميع العاملين في المنظمة، موضحًا أن العديد من المتطوعين صار لديهم شعور دائم بأن عائلاتهم يمكن أن تكون مستهدفة.

وأضاف أن الاقتحامات التي تعرّضت لها مكاتب “الدفاع المدني” كان لها أثر سلبي كبير على العاملين بالشأن الإنساني، وأن كثيرين فقدوا الشعور بالأمان في البيئة التي يعملون بها، ويعيشون ضمنها.

بدوره، اعتبر رئيس “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، فضل عبد الغني، أن النقد دون معايير يؤثّر سلبًا على الطرفين، المنظمات العاملة في الشأن الإنساني، والشارع السوري الذي يحتاج إلى وجود تلك المنظمات باعتبارها الحامل الخدمي للشارع في ظل غياب الدولة، وفق قوله.

وأكّد أن ذلك النوع من النقد الذي يمكن أن يتطور ليترك أثرًا لا يُمحى، يمكن أن يدفع المنظمات لتحجم عن عملها وعن خدمة الشارع السوري، ما يترك فرصة للعديد من عديمي الكفاءة لملء الفراغ الذي تركته المنظمات.

حلول محدودة الأثر

رغم مضي سنوات على انتشار الخطاب الموجه ضد المنظمات، لا يبدو أن هناك حلولًا تعالج الحملات وتبعاتها، فيلجأ العاملون في المنظمات إلى حلول مؤقتة محدودة الأثر لحماية أنفسهم وزملائهم.

يحذر فريق “ملهم التطوعي” المتطوعين في الداخل السوري من ركوب سياراتهم دون التأكد من عدم وجود عبوات ناسفة أسفلها.

كما يوصي المتطوعين بعدم ارتداء ما يظهر انتماءهم للفريق خارج أوقات عملهم، إلى جانب توصيات للأشخاص خارج سوريا بعدم الإعلان عن انضمامهم للفريق عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، في حال كانوا غير مستعدين لتحمّل الهجوم المتوقع عليهم، وفق ما قاله مدير العمليات في فريق “ملهم التطوعي”، محمد الشيخ.

كما تضع معظم المنظمات أنظمة مراقبة في مكاتبها لضمان سلامة المتطوعين.

رئيس “تجمع المحامين السوريين الأحرار”، المحامي غزوان قرنفل، أوضح لعنب بلدي أن القانون التركي يسائل الأشخاص أو المؤسسات التي تسيء للمنظمات غير الحكومية، أو العاملين بها، ومن يطعن بذممهم المالية دون أدلة.

وأكد قرنفل أنه يمكن للمتضررين من تلك الإساءات اللجوء للقضاء لمحاسبة من ينشرون اتهامات من ذلك القبيل.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة