“المركزي السوري” يروّج لانخفاض التضخم.. ما واقعية الأرقام

camera iconفئات ورقية من العملة السورية - (سبوتنيك)

tag icon ع ع ع

يطرح المصرف السوري المركزي أرقامًا تشير إلى انخفاض معدلات التضخم السنوية بشكل غير رسمي عن طريق موظفين له خلال تصريحات صحفية ولقاءات إذاعية، دون طرح أدلة واقعية تؤكد هذه الأرقام.

وقال مدير مديرية الأبحاث الاقتصادية والإحصاءات العامة والتخطيط في المصرف المركزي، منهل جانم، في 29 من كانون الثاني الماضي، إنه بعد الإجراءات النقدية التي اتخذت في عام 2022، وأهمها رفع أسعار الفائدة من 7% إلى 11% على الودائع الشهرية، “كُبح جماح التضخم” ليتراجع معدله العام السنوي من 118.8% عام 2021 إلى 59.5% لعام 2022.

وشرح جانم أن الدول التي تعاني التضخم تفقد عملتها المحلية قيمتها، ما يؤدي لتوجه الأفراد إلى حفظ أرصدتهم المالية بأشكال أخرى عن طريق شراء الذهب أو العملات الأجنبية أو العقارات.

وتراجعت قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي بنسبة وصلت إلى 100% على أساس سنوي خلال عام 2022، إذ شهدت الأشهر الستة الأخيرة من السنة تغيرات كبيرة على قيمة الليرة، ويعتبر انخفاض الليرة أمام الدولار عام 2022، الأكبر الذي تم تسجيله في تاريخها.

وبحسب موقع “الليرة اليوم”، سجل سعر صرف الدولار في “السوق السوداء” اليوم، الجمعة 3 من شباط، 6950 ليرة سورية للدولار الواحد، بينما كان سعر الصرف 3615 ليرة مطلع عام 2022.

الواقع يكذب الأرقام

ذكر مدير مديرية الأبحاث الاقتصادية والإحصاءات العامة والتخطيط في المصرف المركزي، منهل جانم، أن أرقام نسب التضخم الصادرة من المصرف متناسبة مع تنبؤات البنك الدولي، في حين لا توجد إحصائية عن معدل التضخم في سوريا على موقع البنك الدولي بعد عام 2012، كما تشير إحصائية المنظمة الأحدث أيضًا إلى انكماش في الناتج المحلي السوري بنسبة 54.6% عام 2020.

ولم تذكر تنبؤات البنك الدولي الأحدث لعام 2023 معدلات التضخم في سوريا، لكنها أظهرت انخفاضًا في نسبة الناتج المحلي (GDP) خلال الأعوام الماضية.

الباحث الاقتصادي خالد تركاوي قال لعنب بلدي، إن تصريحات البنك المركزي محاولة منه لإظهار فعالية عمله على ضبط قيمة الليرة السورية، لكن على أرض الواقع التضخم في سوريا “أعلى بعشرات المرات” مما ذكر، على حد تقديره.

ودعا تركاوي إلى مقارنة أسعار المواد الأساسية في 2022 والسنة التي قبلها، مثل المحروقات أو الطحين أو السكر، ليظهر تضاعف على الأقل في أسعار هذه المواد.

وكان سعر ليتر المازوت “غير المدعوم”، وهو الأكثر استخدامًا نظرًا إلى محدودية توزيع “المدعوم” منه، بداية 2022، 2300 ليرة ليصبح 5400 ليرة في نهايتها، وارتفع أيضًا غرام الذهب عيار 21 من 179 ألف ليرة في بداية عام 2022، ليبلغ 330 ألف ليرة في نهايته.

ومن المواد الأساسية، ارتفع سعر كيلو السكر في الأسواق من 2600 ليرة للكيلوغرام في بداية 2022 إلى ستة آلاف ليرة في نهايته.

كبح التضخم “ليس أولوية”

لم تكن تصريحات مدير الأبحاث الاقتصادية في المصرف المركزي، منهل جانم، الأولى من نوعها، بل كانت له تصريحات مشابهة في تشرين الثاني 2022، عن “تراجع ملحوظ” في معدلات التضخم بعد أن كانت الوتيرة تصاعدية، قائلًا إن السياسات النقدية الحكومية بدأت “تأخذ مفعولها”.

واختلفت الأرقام الواردة في التصريحات السابقة لجانم مع التصريحات الأحدث، إذ قال حينها إن معدل التضخم العام في سنة 2020 بلغ 114%، وتراجع عام 2021 إلى 101%، ووصل حتى أيلول 2022 إلى 55%.

المختص في الشأن الاقتصادي خالد تركاوي، يرى أن أولوية حكومة النظام السوري ليست كبح التضخم، بل تأمين القطع الأجنبي لتمويل المستوردات من وقود ومواد طبية وغيرهما.

ولا يملك البنك المركزي أو وزارة المالية القدرة على كبح التضخم، والأدوات التي يملكانها غير فعالة، وفق تركاوي.

وعلى عكس أغلبية بلدان العالم، توقف البنك المركزي عن طرح تقارير رسمية شهرية أو سنوية عن معدلات التضخم في سوريا منذ آب 2020، حين بلغ 139% وهو ما يختلف أيضًا عن النسبة التي ذكرها جانم.

وعن سبب هذه الحالة، يعتقد تركاوي أنه يعود لإخفاء “الأرقام المرعبة” عن التضخم من جهة، وعدم تسليط انتقادات السكان نحو السلطات من جهة أخرى، وخصوصًا البنك المركزي الذي سيضع نفسه في موقف “المراقب” غير العامل في حال ذكره للأرقام الفعلية، مشيرًا إلى انعدام الشفافية في مؤسسات حكومة النظام.

وحافظت سوريا على مرتبتها قبل الأخيرة في قائمة التقرير السنوي لعام 2022 لمؤشرات “مدركات الفساد” الذي أصدرته “منظمة الشفافية الدولية” الأسبوع الماضي، والذي يرصد حالتي الشفافية والفساد في 180 دولة حول العالم.

وبحسب أحدث تقرير للمكتب المركزي للإحصاء في سوريا، وصلت نسبة التضخم السنوي لجميع السلع في عام 2020 مقارنة بعام 2019، إلى نحو 163%.

الأستاذة في كلية الاقتصاد بجامعة القنيطرة رشا سيروب، انتقدت في حديث إلى صحيفة “الوطن” المحلية، في نيسان 2022، الرقم الإحصائي في سوريا، واعتبرته “مشكلة ليس لها حل، كونه يعاني عدم الكفاية والشمول وغياب المشاركة والشفافية، وهذا ما يمكن لحظه في تصريحات المسؤولين، في حال تم ذكر رقم ما، إذ إنها غالبًا ما تكون أرقامًا غير متطابقة”.

وترى سيروب أن انخفاض جودة البيانات وعدم توفرها بالوقت المناسب يعني وضع سياسات وسيناريوهات خاطئة وغير منطقية، ولا يسهم في توفير المؤشرات الإحصائية اللازمة لرسم السياسات وصنع القرار وتقييم الأداء الحكومي في أي دولة.

وبحسب تقرير صادر عن مركز “جسور للدراسات” مطلع 2021، تفتقد الليرة السورية حدود المقاومة اللازمة للدفاع عن استقرارها، ومن الصعب أن تصمد أمام أي هزة مهما كانت صغيرة، ما يؤكد أنها عُرضة للانخفاض السريع.

وأضاف التقرير أنه غالبًا ما يكون أثر التحولات السياسية والاقتصادية في سعر صرف الليرة على شكل موجات ارتفاع واضحة، أي بانخفاض قيمة الليرة، الأمر الذي يجعل من الصعب تحديد المستويات التي يمكن أن تحققها.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة