حسن إبراهيم | محمد فنصة
غيّر الزلزال الذي ضرب جنوبي تركيا وأربع محافظات سورية، مجرى حياة سوريين يقيمون في عشر ولايات تركية تأثرت بـ”كارثة القرن”، التي أسفرت عن أكثر من 43 ألف حالة وفاة في حصيلة غير نهائية، ضمن بقعة جغرافية “منكوبة” يقيم بها نحو مليون و750 ألف لاجئ سوري تحت سقف “الحماية المؤقتة”.
أرواح سورية ضاقت أنفاسها تحت الركام فكان الموت قدرًا محتومًا، وأخرى خرجت فضاقت بها سبل الحياة ومنحتها خيارات محدودة، بعد كارثة قاسية طالت عشرات الآلاف دون استثناء.
التأثير كان مضاعفًا على سوريين قاطنين في تلك المناطق، معظمهم من العاملين على الحد الأدنى للأجور، دون إمكانية توفير مبالغ تُرصد لأوقات الأزمات، فنشأت احتياجات متراكمة لسوريين يبحثون عن مسكن وغذاء وخدمات طبية وأوراق قانونية، وسط مخاوف منظمات حقوقية متعلقة بالحق في الحياة، وسوء المعاملة وحرية التعبير، بعد زلزال لم يشفع حجم أضراره في إيقاف خطاب العنصرية بحق السوريين في تركيا.
تسلّط عنب بلدي في هذا الملف الضوء على وضع السوريين جرّاء الزلزال في تركيا، وتعرض شهادات لمتضررين، وطريقة توثيق الضحايا المجهولي الهوية، والوجهات التي سلكها السوريون أو التي فرضتها عليهم ظروف الكارثة، وحجم الدعم المقدّم سواء من قبل السلطات أو المنظمات غير الحكومية.
طريقان إلى القبر
لم يكن طريق القبر واحدًا بالنسبة للسوريين، إذ نُقلت جثامين الضحايا إلى مقابر جماعية استحدثتها السلطات التركية، وأخرى نُقلت للدفن في الشمال السوري، دون إحصائية دقيقة حتى الآن لأعداد الضحايا السوريين في عشر ولايات “منكوبة” تضم نحو مليون و750 ألف شخص من أصل 3.5 مليون في تركيا تحت “الحماية المؤقتة”.
بعد يوم على الزلزال المدمر الذي كان مركزه ولاية كهرمان مرعش التركية بشدة 7.7 درجة على مقياس “ريختر”، تبعه زلزال آخر في الولاية ذاتها بشدة 7.6 درجة، في ظهيرة اليوم نفسه، أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر في عشر ولايات تركية “منكوبة”، واصفًا إياه بـ”إحدى أكبر الكوارث ليس في تاريخ تركيا فحسب، بل في المنطقة والعالم”.
وفي اليوم الأول للزلزال، وقّع أردوغان على تعميم يقضي بإعلان الحداد العام في عموم البلاد لمدة سبعة أيام بسبب الزلزال، لتنكّس الأعلام التركية داخل البلاد وفي الممثليات الخارجية.
أرقام لا أسماء
ألواح خشبية يعتلي كل واحد منها رقم دون اسم، غُرز الجزء السفلي منها في أرض ترابية اكتظت بجثامين لضحايا الزلزال، بمنطقة نارلجا على الطريق الرئيس بين أنطاكيا والريحانية جنوبي تركيا.
“117” و”118″ لم يكونا مجرد رقمين عاديين بالنسبة للشاب السوري عبد الله مصري وعائلته، فهما التوثيق الوحيد الذي يدل على قبري عمه وزوجته اللذين كانا من بين ضحايا الزلزال المدمر.
ومع مرور اليوم الخامس على الزلزال، تمكّن الشاب وفرق الإنقاذ من استخراج جثمان عمه وزوجته من تحت أنقاض منزلهما في ولاية أنطاكيا، ونقلهما للدفن في المقبرة التي استُحدثت لضحايا الزلزال في مقاطعة نارلجا المجاورة.
أوضح الشاب عبد الله لعنب بلدي، أن جثث الضحايا في أنطاكيا تُنقل إلى المقبرة الجماعية المستحدثة في نارلجا، ويجري توثيقها من قبل فرق الطب الشرعي، وتكفينها في حال كانت قابلة للتكفين، ثم تُملأ بيانات الجثة المعلومة الهوية (من أقرباء الضحية) في ورقة، وتحصل كل جثة على رقم لتُدفن في المقبرة بوجود فريق للدفن وفريق من وقف الديانة التركي الذي يقيم صلاة الجنازة عليها.
وتُملأ الورقة بمعلومات عن اسم الضحية وتفاصيل أخرى كالعنوان ورقم المنزل.
وبالنسبة للجثث المجهولة قال الشاب، إن فرق الطب الشرعي تلتقط صورًا لها سواء أكانت واضحة المعالم أم لا، وتأخذ عينات من الجثة عبر إبر من منطقة الرقبة والفخذ، ثم تنفذ الخطوات نفسها من تكفين وصلاة.
الخبير الجنائي المحلّف والعامل في دائرة الطب الشرعي بمدينة اعزاز بريف حلب الطبيب محمد كحيل، أوضح لعنب بلدي أن الحمض النووي (DNA) المتعلق بالتكوين الجيني للفرد، يمكن أخذه من أي خلية موجودة في جسم الإنسان، تحمل الصفات الوراثية، سواء من “قشاطة جلدية” أو من الشعر أو من العضلة أو من الظفر.
وبعد أخذ العينة يتم التحفظ عليها وأرشفتها، وعند بحث الأقارب عن جثث ذويهم، تُؤخذ منهم عيّنة لقريبهم المفقود (من بقايا أشياء تابعة للشخص المفقود)، وتجري مقارنة العيّنتين مع بعضهما.
بوابات لعبور الجثث
الطريق الثاني الذي سلكته جثث الضحايا، كان المعابر الحدودية التي تفصل تركيا عن سوريا، والتي استقبلت بشكل يومي سيارات دفن الموتى المحمّلة بعشرات الجثث، لتُدفن في مناطق شمال غربي سوريا.
وبلغ عدد الوفيات من السوريين الذين وصلوا من تركيا عبر معبر “باب الهوى” 1570 شخصًا، حتى 23 من شباط الحالي، في أحدث إحصائية نشرتها إدارة المعبر.
مدير معبر “باب السلامة”، قاسم القاسم، قال لعنب بلدي، إن حصيلة وفيات الزلزال من السوريين الذين دخلت جثثهم عبر المعبر وصلت إلى 166 شخصًا حتى 24 من شباط.
بينما دخل عبر معبر “الراعي” 22 جثمانًا، منذ وقوع الزلزال حتى 24 من شباط.
مدير المكتب الإعلامي لمعبر “باب الهوى” الحدودي الذي يصل شمالي إدلب مع تركيا، مازن علوش، قال لعنب بلدي، إن سيارات دفن الموتى التابعة لوزارة الصحة التركية، أوصلت جثامين العديد من السوريين الذين قُتلوا جراء الزلزال إلى المعبر، بهدف تسليمهم لذويهم المقيمين في الشمال السوري.
وأوضح علوش أن ذوي المتوفين يُخطَرون من قبل أقربائهم في تركيا، بإرسال الجثامين إلى الشمال السوري، وينتظر ذوو المتوفين عند المعبر من الجانب السوري لتسلّمهم، ولا يعلم المعبر اسم الشخص (الضحية) حتى تصل الجنازة، ويكون الجثمان مرفقًا باسم صاحبه، ويعمل موظفو المعبر على توثيق الاسم.
ممرات ضيقة
لم تكن خيارات السوريين الناجين من الزلزال واسعة، ولم يملكوا رفاهية الاختيار، فالخيارات مرتبطة بتأمين السكن والغذاء والتدفئة، أو الانتقال إلى ولايات أخرى والدخول في دوامة الأرواق القانونية والطبابة والتعليم، أو خيار التوجه إلى الشمال السوري الذي أعلن كل من فريق “الدفاع المدني السوري” و”الحكومة المؤقتة” وحكومة “الإنقاذ” بأنه منطقة “منكوبة”.
وأسفر الزلزال عن تسجيل 2274 حالة وفاة و12400 مصاب شمال غربي سوريا.
من مناطق منكوبة إلى مثلها
خرجت عائلات من تحت الأنقاض ومن أبنية متصدعة آيلة للسقوط في تركيا ودخلت إلى الشمال السوري الذي نكبته أضرار الزلزال، وسط وجود آلاف العائلات التي تفترش الأرض وتواصل البحث عن خيمة إيواء في منطقة تتعرض لقصف شبه يومي، انخفضت وتيرته مؤخرًا من روسيا والنظام السوري.
وأعلنت معابر “باب الهوى” و”باب السلامة” و”تل أبيض” و”جرابلس” عن السماح للسوريين المتضررين من الزلزال، من حملة بطاقة “الحماية المؤقتة”، بزيارة مناطق الشمال السوري بشكل مؤقت، على أن تكون مدة إقامتهم في الأراضي السورية لا تقل عن ثلاثة أشهر وألا تتجاوز ستة أشهر.
ولم يكن إعلان المعابر بصيغة موحدة ولا بتوقيت واحد، وتباينت الشروط التي خلقت حالة من الضياع والتشتت أمام السوريين، ومخاوف من عدم العودة إلى تركيا في حال استقرت الأوضاع.
مديرة الاتصال في “اللجنة السورية- التركية المشتركة”، إناس نجار، أوضحت لعنب بلدي أن إذن الزيارة الذي تعطيه إدارة الهجرة هو فقط للسوريين المقيمين في المناطق “المنكوبة”، وفقط لحاملي “بطاقة الحماية المؤقتة”.
وقالت إن من سيذهب عبر المعابر الحدودية الأربعة (“باب السلامة” و”تل أبيض” و”باب الهوى” و”جرابلس”) من غير الولايات “المنكوبة”، ستعتبر زيارته “عودة طوعية”، بمعنى أنه لا يحق له العودة إلى تركيا.
ومن المهم، وفق نجار، الالتزام بالموعد المحدد للعودة، وفي حال التأخر عن مدة ستة أشهر ستُبطل بطاقة “الكملك”، وتعتبر الزيارة “طوعية”، نافية وجود أي مخاوف قانونية من الإجازة في حال توفرت شروط الإذن، وأي قانون جديد يصدر لن يكون له أثر رجعي، فالجهة التي أصدرته رسمية.
في 21 من شباط الحالي، قال وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، إن أكثر من 20 ألف سوري عادوا إلى بلادهم منذ وقوع الزلزال جنوبي تركيا، نافيًا وجود حركة لجوء من سوريا باتجاه بلاده، دون أن يحدد ما إذا كانت عودتهم للزيارة أم “عودة طوعية”.
لا خيار.. خيام ومنازل متصدعة
لم تكن العائلات السورية المتضررة في تركيا أفضل حالًا من التي توجهت إلى الشمال، إذ واكب وجودها قرارات وتبعات وظروف جعلت من البقاء أمرًا إجباريًا للبعض لا اختياريًا.
وألغت إدارة الهجرة التركية، في 7 من شباط الحالي، بشكل مؤقت إذن السفر بين الولايات التركية باستثناء اسطنبول، للسوريين المقيمين في المناطق المتضررة من الزلزال، وتعتبر إقامة السوريين في الولايات الأخرى قانونية لمدة 90 يومًا.
وبعد أسبوع من إصدار القرار، عدّلت “الهجرة التركية” قرارها وسمحت للاجئين السوريين القادمين من المناطق المنكوبة بالتوجه إلى اسطنبول لمدة 60 يومًا، بشرط إخبار المؤسسات الحكومية، مثل إدارة الهجرة والقائم مقام والمختار، بعنوان إقامتهم.
ومن قدم إلى اسطنبول ولم يجد مأوى وليس لديه أقارب، فهو مخير بين التوجه إلى مركز الإيواء “Binkılıç” في منطقة “Çatalca”، وبين الانتقال إلى ولاية أخرى.
الشاب السوري عماد خليل، اختار البقاء في خيام ولاية هاتاي مع عائلته وأقربائه، لأن عددًا من أفراد العائلة لا يزالون مصابين إثر الزلزال وموجودين في المستشفيات، ويحتاجون للمساعدة والبقاء بقربهم.
وقال عماد لعنب بلدي، إن السبب الآخر لبقائهم في الولاية هو الأعباء المادية الكبيرة المترتبة على تنقّلهم إلى ولايات أخرى، فهم أكثر من 50 شخصًا بين أطفال ونساء وشباب وكبار بالسن.
بينما قال اللاجئ السوري المقيم في ولاية هاتاي محمد جبلي، إنه اتجه مع عائلته إلى ولاية مرسين، بسبب وجود أقارب وأصدقاء لهم فيها.
ولجأت عائلة أحمد ديب المكوّنة من ثمانية أشخاص إلى خيمة داخل ملعب 12 Şubat””، الذي تحول إلى مركز إيواء يضم أكثر من 192 خيمة في ولاية كهرمان مرعش، بعد تصدّعات وتشققات لحقت بمنزل العائلة.
وأوضحت العائلة لعنب بلدي أنها اختارت البقاء في مركز الإيواء وعدم التوجه إلى اسطنبول، حيث يقطن ابنها، لأن مدة 60 يومًا لا تشكّل حالة استقرار، كما أن التكلفة المادية للتنقل عالية.
وبعد مرور أكثر من أسبوعين على الكارثة، لم يجد السوري حسن محمد (31 عامًا) حلًا آخر سوى إعادة عائلته من اسطنبول والعودة للسكن في بيته المتشقق بولاية كهرمان مرعش، لكن لا يوجد أفق لنهاية حالة “التشرد”، فهو مضطر للبقاء في مركز إيواء قرب منزله المتضرر.
وبرر حسن عدم بقائه مع عائلته في اسطنبول، بأن الترخيص القانوني حُدد بشهرين فقط بشكل يوضح عدم نية السلطات السماح للمتضررين بالاستقرار في الولاية من جهة، وعدم رغبته بنزوح جديد بعد أن أسس حياته وعمله في كهرمان مرعش على مدى سبع سنوات من جهة أخرى.
احتياجات مضاعَفة..
اختلال في دعم المنظمات السورية
طالت آثار الكارثة الجميع بمختلف الجنسيات في الولايات التركية “المنكوبة”، لكنها كانت مضاعفة على السوريين الذين يعتبرون لاجئين ويعيشون في بيوت مستأجَرة، ويتلقون الحد الأدنى للأجور.
وبحسب التقرير السنوي عام 2021، للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، فإن أكثر من 70% من اللاجئين السوريين يعيشون في فقر، وهم معرضون للاستغلال وسوء المعاملة في بلدان اللجوء.
بعد ساعات من وقوع الزلزال، انطلقت مبادرات متنوعة شملت تبرعات عينية ومادية وغيرها، من جهات ومنظمات محلية وإقليمية، للتضامن مع منكوبي الزلزال في تركيا وسوريا، بالإضافة إلى استنفار الجهود الحكومية للاستجابة.
ووصلت المساعدات من 102 دولة، منها 88 دولة شاركت بجهود ميدانية منذ اليوم الأول.
وعلى الصعيد الوطني في تركيا، جمعت حملة أهلية ستة مليارات و108 ملايين دولار أمريكي، شارك فيها العديد من رجال الأعمال والفنانين والسياسيين ومسؤولي المنظمات غير الحكومية من جميع أنحاء البلاد، إضافة إلى رجال أعمال سوريين وأصحاب شركات في تركيا.
فيما خصصت الحكومة التركية عبر وزارة الخزانة والمالية 100 مليار ليرة تركية دعمًا للمتضررين من الزلزال، وأعلنت عن دعم مالي لكل عائلة تضرر منزلها من الزلزال بقيمة عشرة آلاف ليرة تركية، بدأ تحويلها للمستحقين منتصف شباط الحالي بعد تقييم منازلهم.
ولم يكن الدعم المالي مخصصًا فقط لأصحاب البيوت، بل شمل أيضًا المستأجرين الأتراك والسوريين، لكن لم تصل هذه المساعدة للعديد منهم بعد، حسب رصد عنب بلدي.
ويمكن لأصحاب المنازل في منطقة الزلزال الذين تم تقييم منازلهم على أنها مدمرة أو متضررة بشدة أو بشكل متوسط، الحصول على 60 ألف ليرة تركية موزعة على 12 شهرًا، أما بالنسبة للمستأجرين فسيُمنحون كل شهر ألفي ليرة لمدة عام، كمساعدة حكومية لاستئجار بيوت في الولايات الآمنة.
وسيحصل أصحاب المنازل المدمرة، أو التي لحقت بها أضرار شديدة أو متوسطة، على 15 ألف ليرة تركية عند الانتقال لولاية ثانية، في مساعدة سُميت “معونة الانتقال”.
ولم يعلن عن بدء التوزيع أو الآلية للمعونتين الأخيرتين، أو من تشمله كالأجانب أو السوريين أصحاب “الحماية المؤقتة”.
المحامي العامل في المحاكم التركية وسيم قصاب باشي، أوضح لعنب بلدي أنه حسب قانون الأجانب و”الحماية المؤقتة”، يعامَل الأجنبي بنفس معاملة المواطن التركي من الناحية الإنسانية في حالات الطوارئ وغيرها، ما لم يوجد أحد الأسباب التي تُسقط عنه الحماية.
المتطوع في منظمة “اقرأ” العاملة في تركيا عبد العزيز الصاج، أوضح لعنب بلدي أن نحو 65% من سكان المخيم في منطقة إصلاحية بولاية غازي عينتاب من السوريين، حيث كانت المنظمة تعمل في قطاع الغذاء لهذا المخيم الذي يقطنه نحو 4500 شخص.
ووصف عبد العزيز وضع سكان الخيام بـ”المأساوي”، إذ لاحظ عدم امتلاك القاطنين بطانيات أو فرشًا للنوم، ليبدأ بعدها ترحيل السوريين بشكل تدريجي من المخيمات إلى أماكن أخرى لم يعلموا وجهتها.
المحامية التركية جولدن سونماز قالت، إنه لا يوجد بند في قانون “الحماية المؤقتة” يوضح طبيعة التعامل مع السوريين في حالات الكوارث، وذلك خلال ندوة في اسطنبول حضرتها عنب بلدي وأقامتها مجموعة من منظمات المجتمع المدني السورية والتركية، متعلقة بمتابعة أوضاع اللاجئين السوريين المتضررين من كارثة الزلزال في تركيا، بمشاركة ممثلين عن إدارة الهجرة التركية، في 22 من شباط الحالي.
الناشط الحقوقي وعضو منصة “حقوق اللاجئين” طه الغازي قال لعنب بلدي، إن جهود المنظمات والجمعيات السورية بالنسبة لمتضرري الزلزال، تركزت بنسبة 80% على تأمين الغذاء والملابس، في حين أن أهم ما يحتاج إليه اللاجئ السوري حاليًا هو المأوى.
واستند الغازي إلى أن العديد من العائلات السورية لم تجد مأوى في الولايات الآمنة من أقارب أو أصدقاء، كما أنها لا تمتلك القدرة المادية للانتقال بشكل ذاتي إلى ولاية أخرى، ما أجبرهم على البقاء في ولايتهم المنكوبة، وأيضًا أُخرجت بعض العائلات السورية من مراكز الإيواء في ولايتي مرسين وموغلا.
وافترض الغازي أنه لو كان هناك تنسيق بين المنظمات والجمعيات السورية، لكان وضع اللاجئين من ناحية المأوى والإغاثة أفضل بكثير، موضحًا أن معظم الجهود اتجهت نحو أنطاكيا، في حين أن مناطق أخرى لم يصل إليها الدعم الكافي.
عنصرية لا توقفها الكارثة
لم يُسكت الزلزال الذي تبعته أكثر من ثمانية آلاف هزة ارتدادية الأصوات المناهضة للاجئين السوريين، وخرج بعضها على لسان أحزاب معارضة تقتات في مشروعها على السوريين والخطاب الموجه ضدهم.
كما ظهرت بعض الحوادث من اعتداءات لفظية وجسدية بحق السوريين، لم يمنعها خطاب وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، من الظهور أيضًا.
وقال صويلو، في 13 من شباط الحالي، إنه حين يحدث الزلزال تتهم المعارضة التركية السوريين بـ”السرقة والاغتصاب والنهب، نحن كلنا هنا متضررون من الكارثة”، مضيفًا، “ما الفائدة من تفريق الناس بناء على عرقهم ولونهم؟ حسنًا، إذا كنتم تريدون هذا فلنترك السوريين هناك في البرد حتى يفارقوا الحياة، هؤلاء الناس لم يسرقوا بالأمس فهل يعقل أن ينتظروا الزلزال ليسرقوا؟”.
المتطوع في منظمة “اقرأ” عبد العزيز الصاج، ذكر تعرضه وأقرانه السوريين المتطوعين لمعاملة عنصرية رغم تقديمهم المساعدة، باتهامهم من أعضاء المنظمات الخيرية التركية الأخرى بتفضيل السوريين في المساعدة.
“السوريين لازم يطلعوا من هون”، هذه العبارة سمعها مرارًا متطوعون سوريون وهم طلاب استجابوا للكارثة، كما أنهم صاروا عُرضة لعمليات التفتيش من قبل الشرطة التركية، ما حوّل عملهم من البحث والإنقاذ إلى محاولات الدفاع عن أنفسهم والتأكيد على رغبتهم بالمساعدة فقط.
منظمة العفو الدولية أوصت بضمان حقوق الأشخاص المحتاجين إلى حماية دولية بسبب وضعهم كلاجئين وطالبي لجوء، وخصوصًا بعدما وردت أنباء موثوق بها من تركيا تفيد بأن اللاجئين السوريين يُستهدفون من جانب كل من المدنيين والجهات التابعة للدولة، في تقرير صادر في 23 من شباط الحالي.
ويُستهدف اللاجئون السوريون، وفق منظمة العفو الدولية، بالإساءة البدنية، والمضايقات اللفظية في هجمات عنصرية أو من خلال خطاب كراهية، كما أشارت المنظمة إلى أن اللاجئين طُردوا من المخيمات لإيواء الناجين الأتراك.
وينبغي على السلطات التركية ألا تنخرط في عملية تحويل اللاجئين إلى “كبش فداء”، أو تتسامح مع ارتكاب الآخرين إساءات ضدهم، وأن تتصدى للعنصرية والتمييز باتخاذ إجراءات حماية ضد التهديدات.
عضو منصة “حقوق اللاجئين” التركية يلديز أونين، المشاركة في تنظيم المنتدى الذي حضرته عنب بلدي، قال إن “أجواء التضامن ومساعدة بعضنا بعضًا سادت في المجتمع خلال الأيام الأولى من الزلزال، لكن الهجمات على السوريين بدأت لاحقًا بعد بعض الاستفزازات العنصرية”، موضحًا أن السوريين قبل أن يتمكنوا من التغلب على صدمة الزلزال، تعرضوا للنهب واتهامات كاذبة مثل إعطائهم الأولوية في المساعدة.
وذكر تقرير للمركز “السوري للعدالة والمساءلة”، نُشر في 23 من شباط الحالي، أن اللاجئين السوريين أُرغموا على ركوب حافلات إلى وجهات مجهولة، وفي أماكن أخرى، رفض بعض عمال الإغاثة أن يوزعوا على السوريين المواد الحيوية كالأدوية والخيام.
من يملأ الفراغ
حذّر الناشط الحقوقي طه الغازي من أن مجتمع اللاجئ السوري خلال الفترة المقبلة سيمر “بمرحلة فراغ”، لأن الحكومة التركية ستصب جهودها على مواطنيها، ومشاريع إعادة إعمار المناطق المنكوبة.
وقال الغازي لعنب بلدي، إنه يجب على المنظمات التي تمثّل اللاجئين السوريين، من “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة” أو “الحكومة المؤقتة” ومنظمات المجتمع المدني، أن تملأ هذا الفراغ.
ويرى الغازي أن الانشغال التركي يمكن أن يدفع اللاجئين للعودة إلى الشمال السوري أو التوجه إلى أوروبا، مطالبًا الهيئات السورية والجهات الدولية والأممية بدعم واقع اللاجئ السوري.
وقدمت المفوضية الأوروبية، عام 2022، للحكومة التركية حزمًا مالية تقدّر بـ1.2 مليار يورو لدعم الاندماج الاجتماعي، فيما يجب على المؤسسات السورية التنسيق مع الحكومة التركية لتوجيه هذه الحزم نحو الدعم الإغاثي، وفق الغازي.
وطرح الغازي عدة مشكلات سيعانيها السوريون القادمون من الولايات المنكوبة، مثل عدم الاستقرار في اسطنبول بعد قرار منح السلطات إذن شهرين فقط للإقامة فيها، في حين تستحيل العودة إلى ولاياتهم المنكوبة.
وستنشأ مشكلات أيضًا بالنسبة لبقية الولايات، فكيف يمكن للمنكوبين السوريين تسجيل أبنائهم بالمدارس، أو التداوي بالمستشفيات الحكومية، كون السلطات تمكّن فقط أصحاب “الكملك” المستخرجة من ذات الولاية الاستفادة من الخدمات الاجتماعية والطبية.
من جانبها، قالت مديرة الاتصال في “اللجنة السورية- التركية المشتركة”، إناس نجار، لعنب بلدي، إن اللجنة التابعة لـ”الائتلاف الوطني” عبارة عن لجنة تطوعية غير ذات دخل مادي، قامت بدور تنظيمي بين المؤسسات والمنظمات الداعمة والسوريين المتضررين من الزلزال.
وعن نشاطات اللجنة في دعم المتضررين، أفادت نجار بتواصل اللجنة مع إدارة الهجرة التركية للسماح للسوريين المنكوبين بالسفر من ولاياتهم دون الحاجة إلى إذن سفر في الأيام الأولى للكارثة، ولاحقًا بشمل مدينة اسطنبول بين الولايات المتاحة.
وقدمت اللجنة لوزارة الداخلية قوائم بالأشخاص والفرق التطوعية الراغبة بمساعدة المنكوبين في الشمال السوري، وتسعى مع وزارة الداخلية لمعرفة أسماء الأشخاص المفقودين وخصوصًا الأطفال الذين فقدوا والديهم، لإيصالهم إلى ذويهم.
وبالنسبة للتعليم، تواصلت اللجنة مع وزارة التربية من أجل معرفة آلية تسجيل ودعم الأطفال السوريين القادمين من الولايات المنكوبة، بمن فيهم الذين ذهبوا إلى الشمال السوري، واقتراح تخصيص آلية لمواصلة تعليمهم عن بُعد، والتحدث مع وزارة التعليم العالي من أجل تأجيل أقساط طلاب الجامعات.
وأفادت نجار أن اللجنة تلقت موافقة أولية من الاتحاد الأوروبي على مقترح تخصيص بطاقة مالية شبيهة بـ”كرت الهلال الأحمر”، لدعم متضرري الزلزال، ورفع قيمة “كرت الهلال” بما يتناسب مع حجم التضخم الاقتصادي.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :