إقراض بالعملات الأجنبية في سوريا.. تحريك العجلة من خزائن المصارف الخاصة

camera iconأحد أفرع المصرف التجاري في سوريا- 8 من نيسان 2022 (المصرف التجاري)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – جنى العيسى

في 5 من نيسان الحالي، أصدر مصرف سوريا المركزي قرارًا سمح بموجبه للمصارف المرخص لها التعامل بالقطع الأجنبي بمنح القروض بالعملات الأجنبية، لتمويل مشاريع استثمارية تنموية وفق شروط محددة.

القرار اشترط أن تكون للمشاريع الاستثمارية التي تُمنح بموجبها القروض أنشطة وخدمات اقتصادية تصديرية، أو خدمية تؤدي إلى تحصيل تدفقات نقدية بالعملة الأجنبية، وأن يتوفر لدى المصرف ما يثبت أن التدفقات النقدية المتوقعة بالعملة الأجنبية للمشروع لا تقل عن قيمة أقساط وفوائد التسهيلات الائتمانية الممنوحة.

يمنح المصرف القرض بالعملة الأجنبية بالتدريج، وفق برنامج زمني محدد يرتبط بكشوفات الإنجاز التي ينبغي على المصرف التأكد من صحتها، ويستوفي الفوائد والعمولات بالعملات الأجنبية بحسب أنظمته، على أن يكون السداد بنفس العملة التي مُنحت التسهيلات بها أو بوسائل الدفع المحررة بالعملات الأجنبية.

ويجب أن يُستخدم القرض في تمويل احتياجات المشروع الاستثماري باستيراد الآلات أو التجهيزات أو المعدات أو وسائط النقل الخدمية أو المواد الأولية، وفي جميع الأحوال أن تقابل هذا القرض أصول في المشروع الاستثماري.

لتشجيع الاستثمار

أرجع مصرف سوريا المركزي سبب اتخاذه قرار السماح بالإقراض بالعملات الأجنبية إلى توفير شروط وبيئة مناسبة للعمل في القطاع المصرفي، نظرًا إلى أهميته في جميع المجالات الاقتصادية.

وتأتي أهمية القرار من تأمينه الحصول على التسهيلات الائتمانية بالقطع الأجنبي في المرحلة الحالية والمقبلة ضمن الموارد المتاحة للمصارف، بالإضافة إلى تشجيع الاستثمار وتوفير خدمات مصرفية مناسبة للمستثمرين، خاصة ممن لديهم تعاملات بالقطع الأجنبي لتجهيز منشآتهم أو تطويرها سواء في استيراد الآلات أو التجهيزات أو المعدات أو وسائط النقل الخدمية، أو توريد المواد والبضائع اللازمة للإنتاج.

ويسهم القرار، وفق المصرف، بخلق فرص استثمارية مناسبة محليًا لدى المصارف، كي تمارس دورها في التنمية الاقتصادية وفق الأدوار المنوطة بالمؤسسات المالية المصرفية العاملة.

تحريك كتلة الدولار

الباحث الاقتصادي في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” محمد العبد الله، يرى أن للنظام ثلاثة أهداف من هذا القرار، يتمثل الأول بتحريك كتلة القطع الأجنبي لدى المصارف السورية واستثمارها بالاقتصاد المحلي، معتبرًا أن المصارف الخاصة هي المستهدفة بشكل أساسي من هذا القرار، على اعتبار أن خزائن المصارف الحكومية محدودة من حيث القطع الأجنبي.

ويتمثل الهدف الثاني بتحريك عجلة الإنتاج المحلي، عبر ضخ القطع الأجنبي من خلال مشاريع استثمارية تنموية في القطاعات الاقتصادية المختلفة ذات الأنشطة والخدمات الاقتصادية، إذ من المفترض أن تولد تدفقات نقدية بالقطع الأجنبي، وفق حديث العبد الله إلى عنب بلدي.

كما يحاول النظام من وراء القرار، توريد القطع الأجنبي من الخارج عبر سماحه بسداد الأقساط والفوائد من الحسابات الخارجية للمقترضين، والاتكاء على هذه الجزئية، بحجة أن هذه التوريدات خاصة بالمشروعات التنموية وليست موجهة للنظام بشكل مباشر، وبالتالي فهي محاولة لتخفيف القيود المفروضة بالعقوبات الدولية التي تستهدف بعض أنشطة الكيانات الحكومية ذات الصلة بالنظام.

ملاحقة التضخم

من جهته، أرجع مركز “جسور للدراسات”، عبر مقال نشره في 6 من نيسان الحالي، قرار الإقراض بالعملات الأجنبية لعدة أسباب، أبرزها إزالة حجج المصارف الخاصة بالاستنكاف عن منح القروض بسبب التضخم الكبير الذي حصل في سوريا، فمعظم المقترضين الذين حصلوا على قروض بالعملة المحلية عام 2011 وما قبله انخفضت قِيَم قروضهم بنسب مضاعفة لانخفاض قيمة الليرة، ما تسبب بخسائر كبيرة للقطاع المصرفي.

ويرى المقال أن هذا القرار أيده سابقًا رجال أعمال في غرف التجارة والصناعة السورية، بهدف تمويل عمليات استيراد الآلات والماكينات للمشاريع الجديدة، التي لا يمكن أن تُستورد بالليرة السورية.

كما يسعى مجلس النقد والتسليف إلى تنشيط عمليات الاستثمار، وجلب مزيد من العملات الأجنبية إلى القطاع المصرفي السوري، وفق المقال، وذلك عبر وضعه شروطًا حول ضرورة التأكد من أن موارد المشروع يجب أن تكون بالعملة الأجنبية، وألا تقل عن قيمة أقساط وفوائد التسهيلات الائتمانية الممنوحة.

بينما يشير توقيت القرار إلى أن مجلس النقد والتسليف يتطلع لكسب أكبر فائدة ممكنة من استثناء النظام من العقوبات الأمريكية عبر السماح بتحويل الأموال من وإلى سوريا، الذي صدر على خلفية الزلزال في 6 من شباط الماضي، لكن هذه الرخصة محددة بوقت زمني قصير نسبيًا هي 180 يومًا، فيما يسعى النظام عبر مجلس النقد والتسليف لخلط الأوراق باستثمار الأموال الأجنبية الموجودة في البنوك والخاصة بمنظمات إنسانية، أو تلك التي تُرسَل على أساس إنساني في عمليات تنشيط الاستثمار، وفق المقال.

مُجدٍ بشروط

اعتبر رئيس مجلس المفوضين في “هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية”، عابد فضيلة، أن قرار المركزي يعتبر تطورًا إيجابيًا وجريئًا للسياسة النقدية والمالية، رغم أنه جاء متأخرًا وفق رأيه، مضيفًا أن من شأنه توسيع مرحلة التعامل المصرفي والاستثماري من جهة، ويؤكد أيضًا أن حيازة القطع الأجنبي والتعامل به قانونًا وأصولًا هما حالة لأزمة واقع وتطور وتمويل للقطاع الاقتصادي عمومًا، خاصة القطاع الصناعي منه.

ويرى فضيلة، في حديث لصحيفة “الوطن“، أن القرار أظهر حالة تطور وتحسن في قدرة القطاع المصرفي على التعامل والتمويل بالقطع الأجنبي، مشيرًا إلى أن خلق بيئة استثمارية ومناخ قادر على جذب الاستثمارات الخارجية، يحتاج أيضًا إلى قرارات وإجراءات تخص منح توضيحات وتسهيلات في عملية إدخال أموال المستثمرين وإخراجها.

من جهته، يعتقد الباحث الاقتصادي محمد العبد الله أن القرار يمكن أن يكون جيدًا بالنسبة للمستثمرين السوريين في حال كانت أسعار الفائدة مناسبة والشروط الائتمانية مسهلة لهم.

لكن قد تكون نسبة نجاحه محدودة للغاية، وفق رأي العبد الله، بسبب تخوف المصارف الخاصة من الشروع بعمليات إقراض بالقطع الأجنبي في ظل واقع اقتصادي وإنتاجي متردٍّ، ووسط الخوف من فشل العديد من المشروعات الممولة بهذه القروض، إلى جانب محاولة بعض شبكات النظام الداخلية استثمار هذا القرار للحصول على هذه القروض والمشاريع لمصلحتها.

مناخ يحتاج أكثر

يُعرف مناخ الاستثمار بالظروف الاقتصادية والمالية والاجتماعية والسياسية في بلد ما، التي تؤثر على مدى استعداد الأفراد والبنوك والمؤسسات لإقراض الشركات العاملة الخاصة فيها.

ويتأثر مناخ الاستثمار بعدة عوامل غير مباشرة، منها مستوى الفقر، ومعدل الجريمة، والبنية التحتية، ومشاركة القوى العاملة، واعتبارات الأمن القومي، والاستقرار السياسي، والضرائب، والسيولة، واستقرار الأسواق المالية، وسيادة القانون، وحقوق الملكية، والبيئة التنظيمية، وشفافية الحكومة ومساءلتها.

وناقش تقرير أعدته عنب بلدي في تموز 2022، مدى جهوزية البيئة الاقتصادية في مناطق سيطرة النظام للبدء بالاستثمارات الأجنبية، والعوامل الأمنية والاقتصادية المختلفة التي تحول دون تحقيق ذلك.

اقرأ أيضًا: مناخغير مناسبلتحقيق الأرباح يعرّي دعوات الاستثمار في سوريا

من الناحية العملية، يحتاج تنشيط الاستثمار الجديد وعمليات التنمية وبناء الأصول في سوريا إلى أبعد من قرار الإقراض بالعملات الأجنبية، وفق مقال مركز “جسور للدراسات”، إذ يعد الاستقرار الشرط الأول اللازم لقيام أي استثمارات كبيرة، كذلك فإن التسلط الذي تمارسه الأفرع الأمنية والمؤسسات الحكومية على التجار وأصحاب المنشآت لا يمكن أن يشجع أي رجل أعمال على بناء مصنع أو منشأة اقتصادية كبيرة، إلا إذا كان جزءًا من المنظومة التي تدير البلاد.

ورغم أن أصحاب رؤوس الأموال والمستثمرين في البنوك أيدوا هذه الفكرة نظريًا بعد طرحها من قبل موظفين يناقشون قضايا فنية بحتة، فإن المخاطر المرتفعة لمنح مثل هذه القروض ستجعلهم ينكفئون عن تقديم أي مبالغ إضافة إلى ما لديهم حاليًا كرؤوس أموال في البنوك، ولا يتوقع أن تستطيع هذه البنوك جلب أي مبالغ من مساهمين أجانب أو مؤسسات مالية أجنبية لنفس الأسباب، بحسب المركز.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة