"مصنع جواسيس" أم مصلحة أمنية مشتركة؟

سوريا.. تحقيق يكشف تورط المخابرات الفرنسية بتجنيد عاملين في “لافارج” للتجسس

camera iconالرئيس التنفيذي لشركة "لافارج" والمتنحي عن منصبه، إريك أولسن خلال مؤتمر صحفي عقب الاجتماع السنوي للشركة في مدينة زيورخ السويسرية -3 أيار 2017 (AFP)

tag icon ع ع ع

كشف تحقيق استقصائي فرنسي ارتباط مسؤولين في شركة “لافارج” الفرنسية لإنتاج الأسمنت في سوريا بالمخابرات الفرنسية، وبناء شبكة تجسس في شمالي سوريا على الجماعات المسلحة خلال الفترة من 2011 إلى 2014.

وبحسب ما جاء في الفيلم الاستقصائي الذي عرضة قناة “الجزيرة” القطرية، في 16 من حزيران، كان هناك شبكة تجسس أخرى في دبي يديرها رجل الأعمال السوري، فراس طلاس، صاحب أسهم في شركة “لافارج”، والذي لجأ إلى باريس مكان إقامته الحالي، منذ مطلع الثورة السورية عام 2011.

وحصل فريق التحقيق، وفق الفيلم الاستقصائي، على آلاف الوثائق المتعلقة بقضية “لافارج”، وقابل من كانوا على صلة بالموضوع من عملاء مخابرات، ومسؤولين في المصنع وهرم السلطة بفرنسا.

وافتتحت الشركة مصنعها في قرية الجلبية بشمال غربي سوريا، قرب الحدود التركية في 2010، بعد استثمار 860 مليون دولار.

وأظهر الفيلم أن كبار المسؤولين في مصنع “لافارج” بنوا شبكة تجسس في شمالي سوريا، للحفاظ على مصالح شركتهم التجارية، وفي الوقت نفسه تسريب معلومات عن نشاطات الفصائل العسكرية والمجموعات الجهادية بالمنطقة إلى أجهزة الاستخبارات الفرنسية والأمريكية.

وأكد مدير الاستخبارات العسكرية الفرنسية (2013- 2017)، الجنرال كريستوف غومار، في شهادته لفريق التحقيق أن موظفي “لافارج” كانوا مصدرًا مهمًا للمعلومات و”أفادوا بلدهم فرنسا”.

وتكونت شبكة الجواسيس من مدير الأمن في المصنع، جان كلود فيار، المرتبط مع وزارة الدفاع الفرنسية، وعمل تحت إمرته كل من النرويجي، جاكوب وارنيس، مسؤول الأمن بالمصنع، والأردني أحمد جلودي، الذي عمل في ذات المنصب حتى عام 2015.

وكان كلود فيار يزود المخابرات العسكرية وجهاز مكافحة الإرهاب والمخابرات الخارجية الفرنسية بدءًا من منتصف 2011، بتفاصيل عن مقرات بعض الفصائل الجهادية وأسماء أفرادها وعناوينهم.

أما الشبكة التي كان يديرها فراس طلاس (63 عامًا)، فقد كانت تسرب المعلومات عن العديد من الفصائل السورية المسلحة والمقاتلين الفرنسيين المنضمين لتنظيم “الدولة الإسلامية” لدبلوماسي فرنسي في القنصلية الفرنسية بدبي.

ووفقًا للتحقيق، فإن فريق طلاس كان يحصل على أسماء وأرقام هواتف للاشخاص المستهدفين مقابل أموال يدفعها عند نقاط التفتيش، قائلًا في شهادته إن لديه رجالًا في كل الأراضي السورية يبعثون له المعلومات كل يوم، وإنه أرسل نسخًا عديدة من الفيديوهات لصالح المخابرات الخارجية الفرنسية.

ومقابل هذه “المهمات” كان طلاس يتقاضى شهريًا بين 60 إلى 100 ألف يورو، يدفع منها لعملائه داخل سوريا، بحسب نوع المهمة.

طلاس يعترض

اعترض فراس طلاس، ابن وزير الدفاع السوري الأسبق، مصطفى طلاس، على التسمية التي أطلقت على الفيلم الاستقصائي الفرنسي (مصنع الجواسيس)، في منشور ضمن صفحته على “فيس بوك”.

وذكر طلاس أنه خلال فترة عمل المصنع بعد انطلاق الثورة، أجرى مفاوضات “شاقة” لتأمين حياة العاملين بالشراكة مع إدارة المصنع، في تلك الفترة.

ورفض طلاس تسمية “شبكة علاقاته” في سوريا بـ “شبكة جواسيس”، واعتبرها “إساءة” بحق “الشباب السوري الثائر السلمي الذي امتهن العمل السياسي المدني”، بالإضافة إلى علاقاته الواسعة مع أشخاص خلال فترة إقامته في سوريا.

ووصف عمله حينها بمحاولة “دفع الضرر عن محاولات حرف مسار الحراك السلمي لصالح الإرهابيين وعملاء النظام وأطراف أخرى”، كما اعتبر أن “رصد شبكات الإرهاب وتحجيمها” كانت مصلحة مشتركة سورية- فرنسية- أمريكية.

وأما عن المبالغ التي تلقاها مقابل هذا العمل، اعتبر طلاس الحديث عنها نوعًا من “الشفافية”، ووصفها بـ”المبالغ العادية جدًا” لتغطية نفقات عمل أمني ولوجستي مماثل، مقارنًا إياها بـ “الثروة التي تركها خلفه في سوريا ليصادرها رئيس النظام السوري الأسد عندما اختار طلاس “موقف الضمير”.

تحقيق قضائي

فقدت “شبكات التجسس” التابعة لمصنع “لافارج” فعاليتها، في أيلول 2014، حين سيطر تنظيم “الدولة الإسلامية” على مصنع الأسمنت.

وبعد ستة سنوات من التحقيق توصلت الشرطة القضائية إلى أن مصنع “لافارج” مكّن التنظيمات المسلحة من الحصول على ما يتراوح بين مليونين وسبعة ملايين يورو، دفعها كرشاوى لزبائن المصنع، وكقيمة لأطنان الأسمنت التي تركت في سوريا.

كما أصدرت السلطات الفرنسية عام 2017، مذكرة اعتقال بحق فراس طلاس للاشتباه به في “تمويل الإرهاب”.

المدير التنفيذي لشركة “لافارج”، برونو لافون، في مقابلة مع صحيفة “ليبيراسيون” الفرنسية، في آذار الماضي، اتهم الاستخبارات الفرنسية بـ”اختراق” فرع الشركة خلال تلك الفترة.

وقال برونو لافون الذي أدار الشركة المصنعة للأسمنت حتى عام 2015، “نعلم أن هناك علاقة خاصة بين الدولة الفرنسية واستخباراتها، وشركة (لافارج)، ومن أسباب اهتمام الدولة بنا أن موقع المصنع كان حقًا استراتيجيًا للتحالف المناهض للإرهاب وفرنسا، لذلك أعتقد أن السلطات شجّعتنا على الأقل على مواصلة نشاطنا في سوريا”.

وأكد أنه لم يعلم باختراق الشركة، زاعمًا أنه لم يكن يعلم أي شيء عن المدفوعات لجماعات مسلحة وأنشطة الدولة في المصنع.

أعلنت شركة “لافارج” في تشرين الأول 2022، التي استحوذت عليها مجموعة “هولسيم” السويسرية عام 2015، أنها وافقت على دفع غرامة مالية قدرها 778 مليون دولار في الولايات المتحدة، والإقرار بالذنب لمساعدتها منظمات “إرهابية” من بينها تنظيم “الدولة” بين 2013 و2014.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة