تحدث لعنب بلدي حول تحديات الدراما السورية وأزمة النص

ممدوح حمادة: الظروف الأمنية أوقفت أعمالًا بلهجات الدير وإدلب وحمص ودرعا

يعد ممدوح حمادة من أبرز كتاب السيناريو السوريين (تعديل عنب بلدي)

camera iconممدوح حمادة ممدوح حمادة كاتب سوري قدم إنتاجًا وفيرًا في المسرح والدراما والقصة القصيرة والرواية. (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

نجحت الدراما السورية على مدى سنوات بحجز مكانها لدى المشاهد العربي، عبر مئات الأعمال الاجتماعية والكوميدية وغيرها من أنماط المسلسلات، وكان أساس هذه الأعمال، إلى جانب جماهيرية ممثليها وجودة مخرجيها، نصوص وقصص تلامس حياة السوريين ومعظم شرائح المجتمع العربي.

خلال السنوات العشر الأخيرة، برزت أسماء جديدة سورية في عالم الكتابة واختفت أخرى لأسباب متعددة، وقلة من استمرت في الإنتاج وإيصال رسائلها للمشاهدين، وأحد هؤلاء الكتاب، ممدوح حمادة، الذي كتب للمسرح والتلفزيون وفي القصة القصيرة والطويلة أيضًا.

في هذا الحوار مع عنب بلدي، يتحدث حمادة عن أزمة النص في الدراما السورية، وكيف يحدد النص إن كان للتلفزيون أو المسرح، وعلاقة الكاتب بمنصات الإنتاج الرقمية الحديثة، بالإضافة إلى السخرية اللاذعة في أعماله، وأسباب توقف مسلسلات اللهجات بعد مسلسلي “ضيعة ضايعة” و”الخربة”.

“الجلاد المتقاعد” كمسرحية ولوحة في “بقعة ضوء”

في عام 2004، أنتجت شركة “سورية الدولية” للإنتاج الفني، الجزء الرابع من مسلسل “بقعة ضوء”، والذي تضمن في إحدى حلقاته لوحةً كتبها ممدوح حمادة، بعنوان “صحوة“، وتتحدث عن محاولة مساعد في أحد الأفرع الأمنية الاعتذار لضحاياه، وكانت من تمثيل الراحل نضال سيجري وزهير عبد الكريم.

اللوحة مقتبسة بالأصل من مسرحية “الجلاد المتقاعد“، لحمادة، ونشرتها دار “موزاييك” في عام 2020، وتحمل تفاصيل أكثر مما شاهده المتفرجون ضمن اللوحة الدرامية، ويمكن ملاحظة هذا الأمر بسهولة لمن شاهد اللوحة وقرأ المسرحية.

كثيرًا ما يتخيل الكتاب أثناء تأليفهم لقصة أو رواية أو مسرحية، صورًا بصرية مختلفة عما قد يظهر لاحقًا، لكن حمادة وفي حواره مع عنب بلدي، قال إن تنفيذ المشهد المقتبس من المسرحية، كان قريبًا للغاية مما تخيله، كما أن الراحل نضال سيجري “تألق في دور الضحية، وأدى زهير عبد الكريم دور الجلاد ببراعة”، حسب وصفه.

https://www.enabbaladi.net/archives/649684

لم يكتب حمادة كثيرًا للمسرح، اكتفى بعمل ثان إضافة إلى “الجلاد المتقاعد”، وهي مسرحية “صانع الفراء” المخصصة للأطفال، لكن المسرحيات أحد القوالب الأدبية التي صنع حمادة تجربته الخاصة بها، إلى جانب الرواية والقصص القصيرة والدراما التلفزيونية.

في ظل الأزمات الحالية التي تمر بها سوريا على جميع الصعد، يبدو مستغربًا أن يلجأ كاتب لتأليف عمل مسرحي، خاصةً أن المسرح كان يعاني من أزماته الخاصة قبل 2011 في البلاد.

رغم التجربتين، يقول حمادة لعنب بلدي، إنه “ليس ضليعًا في الكتابة المسرحية”، وبرغم رغبته الشديدة بكتابة المزيد من المسرحيات، إلا أنه لا يعتبر نفسه كاتبًا مسرحيًا، خاصةً وأن كلتا المسرحيتين لم تجسدا على الخشبة.

ورغم الأزمات التي مرّ فيها المسرح في سوريا، إلا أن حمادة لا يرى أن أوانه قد فات، بل يعتقد بأن أوانه لم يحن بعد، لأن الظروف لم تتح له -أي المسرح- أن يتواجد بشكل حقيقي، خاصةً مع حاجته لمناخ من الحرية، والتي يفتقدها في سوريا، وبكاد يقتصر وجوده على نوعين، التجاري والتجريبي، والأخير يعتمد بشكل أساسي على ما ينتجه خريجو المعهد العالي للفنون المسرحية وتعرض مسرحياته لأيام قليلة ثم ينتهي.

هذا الأمر، وفق حمادة، لا يسمح للعمل المسرحي بتكوين جمهوره ولا إيصال فكرته، على عكس البلاد التي تشهد نشاطًا مسرحيًا حقيقيًا حيث تعرض المسرحية لسنوات وكذلك في كافة أيام الموسم المسرحي، بالإضافة إلى الأسباب الاقتصادية التي تجعل المردود المادي للمسرح ضعيفًا وشبه معدوم.

المشاكل الاقتصادية للمسرح، يرى حمادة أنه يمكن تلافيها في حال تمكن المسرح من إنشاء مجتمع له كما كان في مرحلة من مراحله في سوريا، وبالتالي يمكن تمويل نفسه بنفسه.

كيف يتم تحديد قالب النص؟

كتب ممدوح حمادة، المولود في عام 1959، وتعود أصوله إلى الجولان السوري المحتل، عددًا من الروايات والمجموعات القصصية، منها “المحطة الأخيرة”، و”ضمانات للمستقبل”، بالإضافة إلى سلسلة “دفاتر” التي عالجت مواضيع الغربة والحب والقيادة والحرب والإجبار والقرية والهذيان، ضمن سبعة دفاتر، وكتابين بحثيين في الصحافة، دراسته الأساس التي سبقت دراسته للإخراج السينمائي في بيلاروسيا.

أن يحدد الكاتب الجنس الأدبي للنص الذي وجد فكرته لا يبدو الأمر سهلًا، وكما لكل فكرة مساحتها وتفاصيلها، كذلك الأمر بالنسبة للنص وعملية تحوله لاحقًا إلى سيناريو مسلسل أو مسرحية أو رواية، يقول حمادة.

الأساس الذي ينطلق منه حمادة في تحديد القالب الأدبي يعود إلى اعتقاده أن هذه الفكرة تصلح لخشبة المسرح، أو بأن تتحول إلى مسلسل، أو أن تكون الفكرة بحاجة لمساحة أوسع من أن تكون قصة قصيرة، كما حصل معه في رواية “المحطة الأخيرة” التي كانت بالأساس قصة قصيرة، بحسب ما قاله لعنب بلدي، وذلك على عكس قصة “نهاية معروفة لقصة غير معروفة” التي بدأت كرواية وانتهت كقصة قصيرة.

لذا فإن تحديد القالب الأدبي الأخير للفكرة، يمرّ أيضًا بمراحل المعالجة والتجربة وكذلك خبرة الكاتب نفسه، ومن هذه النقطة يرى حمادة، أن تحديد نوع المنتج الأدبي يأتي وفق إحساسه الشخصي بمدى صلاحيته لقالب أو نوع دون آخر.

أجزاء جديدة من مسلسلات اللهجات السورية

ولا يمرّ عمل واحد لحمادة، دون أن تحجز السخرية على مكانها سلفًا، ليس فقط في المسلسلات واللوحات الكوميدية التي كتبها للتلفزيون، أو الحوارات الواردة في مسرحيته “الجلاد المتقاعد” أو حتى في روايته “ضمانات للمستقبل”.

هذه السخرية اللاذعة، وصلت إلى الانتقاد المباشر لقانون الطوارئ في سوريا والحرب مع العدو الإسرائيلي وانتظار النصر، ودفن النفايات النووية (ذكرت هذه المواضيع في مسلسل ضيعة ضايعة بجزئه الثاني).

تستهوي حمادة الكتابة الساخرة، وهي ليست فقط سلاح في مواجهة الرقابة، بل للتأثير على الرأي العام، يقول حمادة، خاصةً أن السخرية استخدمت في العديد من المراحل التاريخية والصراعات المختلفة، وأثناء الحرب العالمية الأولى والثانية عبر فن الكاريكاتير، وهي مستمرة اليوم عبر وسائل التواصل الاجتماعي بما يحصل في سوريا.

حقق ضيعة ضايعة من تأليف ممدوح حمادة انتشارًا كبيرًا في سوريا في 2008 و2010 (يوتيوب)

“ضيعة ضايعة” من تأليف ممدوح حمادة حقق بجزئيه في 2008 و2010 انتشارًا كبيرًا في سوريا (يوتيوب)

“ضيعة ضايعة” الذي يتذكره السوريون ويستمر بحصد المشاهدات حتى اليوم، كان الخطوة الأولى إلى جانب مسلسل “الخربة” لعدد من المسلسلات الكوميدية بلهجات سورية مختلفة وفق حمادة، بما فيها اللهجات الديرية (دير الزور) ولهجة الجزيرة السورية وإدلب وحمص ودرعا، ضمن مشروع طويل، توقف بسبب الظروف الأمنية في سوريا وفق حمادة.

وأوضح أن المشروع لم يكن ليتوقف عند لهجتين لولا مرور سوريا بالظروف الحالية والمستمرة منذ عقد كامل.

والتوقف هنا يأتي لأن تنفيذ هذه الأعمال يجب أن يكون في بيئتها الأصلية، لمنحها المصداقية وتمكين طاقم العمل من استخدام مكونات اللهجة إلى أقصى درجة عبر الاستفادة المباشرة من حاملي اللهجة نفسها والكلمات والمفردات والعبارات وحتى طريقة النطق، وهذه الإمكانيات لم تعد متاحة منذ 12 عامًا، بحسب حمادة.

كما أن الانقسام والتشتت الجغرافي للفنانين والفنيين، يمنع الكثير منهم من التواجد في سوريا بسبب موقفه السياسي أو غير ذلك من الأسباب المرتبطة بالوضع الحالي، وفي حال أتيحت ظروف مغايرة يمكن إنتاج المزيد من الأعمال ضمن هذه السلسلة، وفق حمادة.

هذا سبب أزمات الدراما السورية

شهدت الدراما السورية منذ تحقيقها لانتشار واسع في العالم العربي في تسعينيات القرن الـ20، أزمات عدة ارتبطت بالسياسة والمشاكل الإقليمية تارةً، أو لما عرف بـ”أزمة النص”، بعد عام 2005، والتي كثر الحديث حينها حول ضعف نصوص المسلسلات السورية المنتجة.

وحالها حال كل القطاعات في سوريا، تأثرت الدراما السورية بالظروف التي مرت بها البلاد بعد 2011، وتراجعت سوية الأعمال المقدمة.

أزمة النص ما تزال مستمرة وموجودة منذ زمن بعيد، يقول حمادة لعنب بلدي، لكن سببها الرئيس لا يعود إلى غياب الكتاب، بل إلى آليات اختيار النص لدى شركات الإنتاج، إذ تعتمد الأخيرة على الأسماء المعروفة التي يساعد وجودها على تسويق العمل.

يضيف حمادة، قلما نجد شركات إنتاج تبحث عن نص، معظمها أقرب إلى المنتج المنفذ، أي أن  علاقته بالنص علاقة مموّل لا علاقة تقييم، وهذا أمر طبيعي لأن عمل معظم المنتجين يسيطر عليه الطابع التجاري، يفتقد لـ”المؤسساتية”، وفق حمادة.

عرض مسلسل ضبوا الشناتي الذي ألفه حمادة في عام 2014 (يوتيوب)

عرض مسلسل ضبوا الشناتي الذي ألفه حمادة في عام 2014 (يوتيوب)

ويتابع حول أزمة النص وغلبة الطابع التجاري، أن ذلك يعود لأن المنتج ليس مضطرًا لبناء مؤسسة وصرف الأموال عليها، لذا تموت العديد من النصوص الجيدة التي يمكن أن تكون نصوصًا قيمة، كما أنه وعلى عكس المؤسسات الرسمية، لا يوجد لجنة قراءة يمكنها انتقاء النصوص، وفي غياب محطات وطنية، غير القناة الرسمية، وبضعة قنوات خاصة فإن استيعاب جميع النصوص أمر صعب.

كما تلعب الواسطات والمحسوبيات التي تحكم معظم علاقات العمل في سوريا، تلعب دورًا أيضًا وفق حمادة، ويضيف أن الأزمة موجودة في آلية اختيار النصوص وآلية تقديمها، وإن وجدت هذه الآلية ووجد السوق المحلي للتسويق فإننا ربما نتجاوز الحديث عن الأزمات، بحسب حمادة.

وسبق لحمادة تأليف عدد من المسلسلات السورية التي حازت جماهيرية واسعة، وبالإضافة إلى “ضيعة ضايعة” و”الخربة”، هناك أيضًا “ضبوا الشناتي” و”الواق الواق” و”عيلة 7 نجوم” من تأليفه.

الدراما والكتابة ووسائل التواصل الاجتماعي

تحديات الدراما السورية لا تتوقف على الأزمات الداخلية التي مرّت بها خلال الأعوام الطويلة الماضية، هناك تحديات جديدة تتعلق بتغير عقلية السوق العربي وآلية عمله، وخاصةً مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية أيضًا.

يرى ممدوح حمادة في حواره مع عنب بلدي، أن وسائل التواصل والمنصات الإلكترونية التي تتكاثر يومًا بعد يوم، هي سلاح ذو حدين، فكما يسمح للمبدعين من صناع المحتوى تقديم أفكارهم بحرية وتساهم بعمل مؤسسي يتيح المشاركة للجميع، فإنها أيضًا تساهم بنشر التفاهة وجعلها تتصدر المشهد.

ويضيف “تجد مشهدا لرجل يمد لسانه يحصد ملايين المتابعات، تصور حجم التفاهة، ولكن بالمقابل فإن وجود مثل هذه المنصات هو أمر طبيعي ولا يمكن تجاهله ولذلك علينا استغلاله لنقدم ما نريد من فكر وثقافة، صحيح أننا لن ننجح مثل الشخص الذي يمد لسانه ولكننا لن نكون بلا تأثير”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة