كيف منع النظام السوري إنتاج أعمال فنية عن حرب “تشرين”

تعبيرية عن حرب تشرين عام 1973 (تصميم عنب بلدي)

camera iconتعبيرية عن حرب تشرين عام 1973 (تصميم عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

جندي من قوات الاحتلال الإسرائيلي يراقب خط الجبهة، وفي الخلفية أغنية أجنبية تدعو للاسترخاء، يقطعها صوت ضابط مصري متهدج وحماسي يعطي الأوامر بالقصف، لتنهمر نيران المدفعية والدبابات وتنطلق القذائف لتهاجم خطوط العدو في شبه جزيرة سيناء المصرية المحتلة ليتصاعد الغبار والدخان والأسود، مع مشاهد عسكرية للطيران العسكري المصري وجثث القتلى الإسرائيليين.

يعود المشهد السابق إلى فيلم “الرصاصة لا تزال في جيبي”، الذي أنتجه مراد رمسيس نجيب، بعد عام واحد من حرب تشرين، أو كما تعرف في مصر “حرب أكتوبر”، وهو واحد من عشرات الأفلام التي أنتجتها مصر عن الحرب وتحرير سيناء.

إلى جانب القوات المصرية، خاض السوريون حربهم على جبهة الجولان المحتل، بالإضافة إلى قطعات عسكرية من العراق والمغرب والسعودية والجزائر والأردن وتونس ولبنان وليبيا.

احتفى الفنانون المصريون بانتصار الجيش المصري بالطرق الممكنة كافة، عبر إنتاج أفلام ومسلسلات وأغان، والتي تضمن الكثير منها مشاهد عسكرية صورها مخرجون مصريون من الميدان، وناقشت تفاصيل المعركة منذ حرب الاستنزاف بعد عام 1967 وصولًا إلى تشرين الأول وشن الهجوم، لكن العكس ما حصل في سوريا تمامًا.

السياسة و”الهزيمة” يلقيان بظلالهما على الإنتاج

لم تخلُ السينما السورية من أفلام روائية تحدثت عن حرب تشرين، لكن عددها قليل لدرجة أن صحيفة “البعث” التابعة للحزب الحاكم في سوريا، انتقدت في تقرير نشرته في 2019، قلة الأعمال الفنية التي جسدت الحرب، واعتبرت أنها لم تنجح في ترسيخ أفكارها سوى عبر فيلم واحد هو فيلم “عواء الذئب”، الذي أخرجه شكيب غنام عن قصة حقيقية جرت في منطقة الزبداني في ريف دمشق.

الأمر نفسه أشارت إليه صحيفة “الوطن” المقربة من النظام السوري، في 5 من تشرين الأول الحالي، معتبرة الأعمال شحيحة، وغيابها تقصير وإجحاف بحق حدث تاريخي.

تتعدد الأسباب التي غيبت الأعمال الفنية السورية عن تناول الحرب والمعارك، تتعلق بالظروف السياسية التي مرت بها سوريا منذ عام 1973 وحتى عام 1990، وكذلك وجهة نظر النظام السوري عن السوريين واستغلال الآلة الإعلامية في هذا الشأن، بالإضافة إلى عدم تحقيق القوات السورية حينها لنصر حقيقي على الأرض.

ويرى كاتب السيناريو حافظ قرقوط، في حديث لعنب بلدي، أن غياب إنتاج أفلام ومسلسلات عن حرب تشرين خلال عهد حافظ الأسد يتعلق بمحاولة الأخير بناء تاريخ شخصي يصوره كبطل وحيد في البلاد.

جنود سوريون على خط الجبهة خلال حرب تشرين 1973 (سانا)

جنود سوريون على خط الجبهة خلال حرب تشرين 1973 (سانا)

وأوضح أن الأسد همّش تاريخ الآباء المؤسسين للدولة الوطنية السورية في مرحلة ما بعد الاحتلال الفرنسي لسوريا (1920- 1946)، وخاض الحرب باعتبارها مجدًا شخصيًا، لذا اتخذ تسجيل التاريخ طابعًا آخر.

ومن جهة أخرى، فإن الأسد سعى لعدم خلق بطولات شعبية في ذاكرة السوريين، إذ تلعب الأفلام والمسلسلات دورًا كبيرًا في هذا الشأن، ومن عادة مشاهدي الأفلام والمسلسلات أن تتحول الشخصيات الدرامية لديهم إلى أبطال شعبيين، لذا لو أراد الأسد والنظام السوري صناعة أعمال فنية عن بطولات السوريين في المعارك لكان بإمكانهم فعل ذلك، إلا أن الأسد أراد أن تكون البطولة شخصية له، وفق قرقوط. 

لم يكن سعي الأسد وحده لصنع البطولة الشخصية، سببًا وحيدًا لغياب الأعمال السورية التي تتحدث عن حرب تشرين، فغياب نصر حقيقي للجانب السوري بعد انتهاء المعارك لعب دوره في هذا الأمر أيضًا، وفق الكاتب والناقد الفلسطيني- السوري، سلام نصار.

ويرى نصار، في حديث إلى عنب بلدي، أن حرب تشرين فشلت على الأقل سياسيًا، وجاء هذا الفشل بعد سنوات قليلة من هزيمة عام 1967، وبالتالي كان هناك شعور سلبي لدى الجمهور، وهو ما انعكس على جميع تفاصيل المجتمع السوري، بما في ذلك الأعمال الفنية أيضًا، بالتزامن مع غياب عملية متكاملة للإنتاج الفني في سوريا في تلك الفترة، على عكس الحالة الفنية المصرية التي كان لها باع طويل في الإنتاج الفني.

وبالتالي انعكست الخيبات السياسية على الفن، وفق نصار.

اللجوء إلى السينما الوثائقية

وفق وزارة الدفاع التابعة للنظام السوري، شن الاحتلال الإسرائيلي هجومًا معاكسًا على الجبهة السورية، ونجح باستعادة العديد من النقاط العسكرية التي سيطر عليها السوريون في وقت سابق.

ومنذ تاريخ 15 من تشرين الأول 1973، حاول السوريون استرداد هذه النقاط دون جدوى، بسبب المقاومة الكبيرة التي أبداها الاحتلال الإسرائيلي، وبعد معارك كثيرة خاضها الطرفان، نجح الاحتلال باسترداد أحد أهم النقاط الاستراتيجية في مناطق الجولان المحتل، مرصد جبل الشيخ في 22 من تشرين الأول.

رئيس النظام السوري السابق حافظ الأسد يرفع علم سوريا حينها في مدينة القنيطرة 1974 (وزارة دفاع النظام السوري)

رئيس النظام السوري السابق حافظ الأسد يرفع علم سوريا حينها في مدينة القنيطرة 1974 (وزارة دفاع النظام السوري)

توجد في السينما السورية إنتاجات روائية تتحدث عن حرب تشرين، لعل أبرزها فيلم “عواء الذئب”، الذي يتحدث عن أحد المطلوبين للقضاء، يلتقي في منطقة الزبداني قرب دمشق بطيار إسرائيلي أسقطت طائرته، ليقع في مفاضلة بين تسليمه وتسليم نفسه وفقدان حياته أو إطلاق سراحه، ومن هذا العمل انطلقت الجملة الشهيرة في المجتمع السوري “ألف حبل مشنقة ولا يقولوا بو عمر خاين يا خديجة”.

وتابع نصار أن النظام السوري سيطر على السينما السورية عبر “المؤسسة العامة للسينما” (أنشأت عام 1963).

وأضاف أن الإنتاج السينمائي أصبح تحت الرقابة والسيطرة، وسحب البساط من القطاع الخاص، في حين ذهبت الأفلام التي تحكي عن الحرب باتجاه الإنتاجات الوثائقية لانخفاض التكلفة وتوافر الأرشيف المطلوب.

عملية اللجوء إلى الأفلام الوثائقية، تعود وفق السيناريست حافظ قرقوط إلى أن عملية التوثيق من المفترض أن تعطي الحقيقة كما هي، وقد لا تتضمن الحالة الإنسانية والشاعرية المطلوبة التي تضيفها الدراما، وبالتالي لا تتحول الحرب إلى حالة أسطورية بالنسبة لشعب أراد تحرير أرضه.

وفي المقابل، لجأ النظام بعد سنوات لدعم إنتاج “دراما الفانتازيا” التي لا ترتبط بالواقع، وخلق أبطالًا وهميين وأنهى السينما والمسرح في سوريا.

ووفق نصار، لم يكن هناك اهتمام أكبر بحرب تشرين، التي كانت في الوعي الجماهيري الداخلي كانت حربًا فاشلة ومنيت بهزيمة ولم يكن هناك انتصار بالأساس، ربما هذا الأمر دفع صناع الدراما والسينما أن يبتعدوا عن هذا الأمر لغياب حقائق ثابتة حول هذا الأمر، لذا توجهت لأعمال بيئية واجتماعية أكثر.

“مركزية القضية” والقومية العربية

“أمة عربية واحدة.. ذات رسالة خالدة”، هذه الجملة هي شعار حزب “البعث” الحاكم في سوريا منذ عام 1963.

ومنذ وصول حافظ الأسد إلى السلطة في عام 1971، بعد الانقلاب الذي نفذه على رفيق دربه صلاح جديد في 1970، تبنى بشكل كامل شعارات قومية عربية، بالتزامن مع استمرار احتلال فلسطين من قبل إسرائيل.

وبالمقارنة بين الأعمال التي تحدثت عن القضية الفلسطينية في سوريا وتلك التي تحدثت عن حرب تشرين، ترجح للكفة للأولى بشكل كامل تقريبًا.

بعد عامين فقط من حرب تشرين، اندلعت الحرب الأهلية اللبنانية (1975- 1990)، وبعد عام واحد، دخلت القوات السورية إلى لبنان بتفويض من جامعة الدول العربية، واشتبكت مع أطراف لبنانية وفلسطينية وكذلك مع قوات إسرائيلية، طيلة سنوات الحرب.

ويتهم النظام السوري بتنفيذ مجزرة مخيم “تل الزعتر” عام 1976، بعد حصار خانق للفلسطينيين فيه، وبعد المجزرة هدم المخيم بالكامل.

حالة التباين بين الشعارات المناصرة للقضية الفلسطينية من قبل النظام السوري، والمعارك ضد الفلسطينيين على الأرض، لعبت دورها في اتجاه الإنتاج الفني للحديث عن فلسطين، وفق نصار وقرقوط.

ووفق قرقوط، ارتكب الأسد مجازر بالفلسطينيين بعد ثلاثة سنوات فقط من حرب تشرين، لذا لم يترسخ لدى المواطن السوري حالة استقرار، وبقيت الحالة العسكرية هي المسيطرة، وأي دراما أو أعمال فنية لن يقبلها الناس بسبب هذا التناقض.

فيما يرى سلام نصار، أنه من المستغرب للوهلة الأولى أن تغيب أعمال سورية فنية عن حرب تشرين، باعتبارها تناقش موضوعًا وطنيًا وجذابًا للنظام.

وأضاف أن الحروب التي خاضها النظام والتغيرات السياسية دفعت الإنتاج الخاص إلى القضايا الاجتماعية والكوميديا والفانتازيا، ولم تعد شركات الإنتاج تهتم بهذه المواضيع لأن المرحلة صارت لها مفردات جديدة لقضايا اجتماعية وداخلية واحتلت مرحلة أوسع.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة