علاج آثار الحروق.. بتقنية تمديد الأنسجة بالبالون

tag icon ع ع ع

د. أكرم خولاني

لا يتوقف العلم عن التطور، وقد طور الطب التجميلي عملية لعلاج آثار الحروق والجروح وغيرها من التشوهات الجلدية، عن طريق تمديد الجلد السليم واستخدامه بتغطية الجزء المشوه، وهو ما يسمى بتقنية تمديد الأنسجة، وأصبحت هذه التقنية تقدم حلولًا سحرية ومبهجة لعديد من المشكلات التي كان علاجها سابقًا صعبًا أو لا يخلو من العيوب.

ما المقصود بتقنية تمديد الأنسجة

عملية تمديد الأنسجة (Tissue expansion) هي عملية جراحية بسيطة نسبيًا، تجعل الجسم قادرًا على تنمية جلد سليم إضافي للاستخدام في ترميم جلد أي جزء من الجسم، وتتم بإدخال بالون سيليكون تحت الجلد بالقرب من المنطقة المطلوب ترميمها، ويُملأ بمحلول ملحي بشكل تدريجي خلال عدة أسابيع، مسببًا نمو الجلد وتمدده، ليتم شده وتغطية المنطقة المشوهة.

اقتبست هذه التقنية فكرتها الرئيسة من عديد من الظواهر التي تحدث في الجسم بشكل طبيعي، كالحمل والسمنة، أو في ظروف معينة كنمو الأورام الكبيرة وغيرها من الظواهر التي اجتمعت على فكرة تمديد الجلد الطبيعي للإنسان وبصورة بطيئة وطبيعية، ليتمكن من تغطية ذلك الجزء الجديد من الجسم الذي حدث نموه بشكل خارج عن المعتاد لنمو الجسم، ومن هنا بدأ التفكير بوسيلة جديدة تساعد على ترميم الجلد وتلبية المطالب التجميلية، عن طريق إحداث ظاهرة أشبه بالظواهر السابقة عن قصد في الجسم، لذلك استخدم مصطلح “تمديد الأنسجة بالبالون” في وصف العملية.

بدأت فكرة تمديد الأنسجة في عام 1975 على يد الطبيبين رادوفان وأوستاد، اللذين طورا ممددات الأنسجة المصنعة من السيليكون، وأجريت أول عملية تمديد أنسجة عام 1976 لإعادة بناء منطقة الصدر لمريضة كانت قد خضعت لعملية استئصال الثدي، ومنذ ذلك الحين بدأ أوستاد وروز وأرجينتا وغيرهم من الأطباء بدراسة آثار تمديد الأنسجة على الخلايا والبحث في مدى أمنها وسلامتها.

حاليًا يتوفر عدد كبير من ممددات الأنسجة متنوعة الأشكال والحجوم، ويمكن أيضًا تصنيع ممددات أنسجة مخصصة بحسب الحالة، وهي عبارة عن بالونات من السيليكون لها قناة رقيقة للغاية وصمام ذاتي الغلق يسمح بملئها بمحلول المصل الملحي أو غاز ثاني أكسيد الكربون، وهما أشهر مادتين تُستخدمان لملء البالونات.

ما مناطق الجسم التي يمكن إجراء تمديد الأنسجة فيها

تعد هذه التقنية خيارًا مناسبًا في إصلاح مناطق من فروة الرأس، حيث مع نمو الشعر يصبح صعبًا تطعيم الأنسجة المفقودة أو التالفة بجلد من منطقة أخرى في الجسم.

وبشكل عام تعطي نتائج ممتازة عند استخدامها في ترميم بعض المناطق من الوجه والرقبة واليد والذراع والساق، كما يتم استخدامها بشكل واسع في عملية ترميم الثدي عندما لا يكون هناك جلد كافٍ لملاءمة الاستئصال الدائم للثدي.

وقد تكون هذه التقنية أكثر صعوبة باستخدامها في الظهر أو الجذع أو المؤخرة أو أي مناطق يزيد فيها سمك الجلد.

وبغض النظر عن منطقة الجسم فإنه في حالة شدة الإصابة والتلف قد يصبح تمديد الأنسجة غير ممكن، إذ إن مطلبها الرئيس هو جلد سليم لتعمل على زيادته.

كيف تُجرى عملية تمديد الأنسجة بالبالون

تُجرى عملية تمديد الأنسجة بالبالون إما تحت تأثير المخدر الموضعي والمهدئات التي تساعد المريض على الاسترخاء والنوم في أثناء العملية، وإما تحت التخدير الكلي.

وتنقسم العملية إلى جزأين رئيسين، الأول هو زراعة البالون القابل للتمدد تحت الجلد في المنطقة المطلوبة، والثاني تتم فيه إزالة البالون واستخدام الأنسجة الجديدة بالترميم المطلوب.

في العملية الأولى يبدأ الجراح بعمل شق جراحي صغير بجوار المنطقة المطلوب ترميمها، ثم يقوم بإدخال بالون من السيليكون في جيب يتم عمله تحت الجلد، ويترك صمام البالون مباشرة تحت سطح الجلد، وفي معظم الحالات تستغرق هذه العملية نحو ساعة إلى ساعتين، بناء على حجم وموضع منطقة الجلد المطلوب ترميمها.

وبمجرد التئام الشق الجراحي يبدأ الجراح بحقن البالون بمحلول ملحي إضافي بشكل متكرر، ومع زيادة حجم البالون تحدث استطالة وشد للجلد، في بعض الحالات قد يحدث بعض عدم الراحة من هذه الخطوات.

بعدما يشد الجلد ويستطيل بشكل كافٍ لتغطية المنطقة المطلوب ترميمها، ويحدث ذلك خلال مدة ثلاثة أشهر تقريبًا، يتم إجراء العملية الثانية لإزالة البالون وإعادة تصحيح وضع الأنسجة الجديدة، بإدخال مزروع تحته في حالة ترميم الثدي المستأصل، أو استخدامه لتغطية جزء الجسم المشوه.

هل لعملية تمديد الأنسجة بالبالون تأثيرات على المريض

يعتمد إحساس المريض بعد العملية على مدى شدة وتعقيد العملية، وبشكل عام:

قد تسبب العملية الأولى لإدخال البالون القليل من عدم الراحة للمريض، ويمكن التحكم بذلك بواسطة بعض الأدوية المسكنة التي يصفها الطبيب، ويمكن للمريض أن يعود إلى الحياة الطبيعية في غضون 2-4 أيام.

وقد يشعر المريض ببعض عدم الراحة في كل مرة يتم فيها حقن المحلول الملحي داخل البالون، لكن ذلك يستمر لنحو ساعة أو ساعتين فقط.

ويجد معظم المرضى الذين يستخدمون البالون أنهم قادرون على ممارسة حياتهم الطبيعية مع وجود البالون داخل الجسم.

كذلك قد يصاحب عملية المتابعة وإزالة البالون والترميم بعض عدم الراحة، لكن أيضًا يتم التحكم بذلك ببعض الأدوية، ويكون معظم المرضى جاهزين للعودة إلى حياتهم الطبيعية في غضون أسبوع.

هل لعملية تمديد الأنسجة بالبالون أخطار

مثل بقية العمليات الجراحية، هناك بعض المخاطر المصاحبة للعملية، منها:

الخطر الرئيس أن يحدث تسريب في البالون خلال وجوده داخل الجسم، وفي حالة حدوث ذلك فإن المحلول الملحي المستخدم في ملء البالون يتم امتصاصه دون ضرر بواسطة الجسم، ويتم تغيير البالون في عملية أخرى بسيطة نسبيًا.

الخطر الثاني المحتمل هو حدوث العدوى حول البالون، ورغم أنه عادة يلاحَظ في حال حدوثه بعد أسابيع قليلة من زرع البالون، فإنه قد يحدث في أي وقت، وفي بعض الحالات تكون هناك حاجة لإزالة البالون لعدة أشهر حتى تزول العدوى ثم يتم زرع بالون جديد بعد ذلك.

ما مزايا عملية تمديد الأنسجة بالبالون

تتميز هذه الطريقة عن أساليب وطرق زراعة الجلد القديمة بأنها تسمح بتغطية مساحات كبيرة دون الاضطرار إلى زراعة جلد غريب عن الجسم (كما في الطرق التي كانت سائدة قديمًا لعلاج المنطقة المصابة بالحروق).

ومن أهم مزايا استخدام جلد من نفس الشخص، هو عدم التعرض لعمليات رفض الجلد المزروع، وعدم الاضطرار لتناول مثبطات المناعة التي تساعد على تقبل الجسم للجلد الجديد الذي تمت زراعته.

كذلك فإن عملية تمديد الأنسجة بالبالون توفر للشخص مساحة من الجلد تشبه جلد المنطقة المطلوب تجميلها في اللون والملمس والكثافة الجلدية والنسيجية والقدرة على نمو الشعر.

ونظرًا إلى أن عمليات تمديد الجلد بالبالون لا تتطلب تحريك الجلد أو إزالته وإعادة ترقيعه مرة أخرى، فإن ذلك يقلل من احتمالية وجود الندوب وترك آثار في الجلد.

كذلك فإن استمرار اتصال منطقة الجلد الجديد ببقية جلد الجسم يوفر له إمدادًا دمويًا وعصبيًا طبيعيًا، ما يزيد من احتمالية نجاح العملية لأقصى درجة، ويوفر عناء القلق من فشلها أو من موت الأنسجة.

ما عيوب عملية تمديد الأنسجة بالبالون

من عيوب عملية تمديد الأنسجة بالبالون أنها أبدت بعض الصعوبات في أنسجة الظهر والجذع والمؤخرة، والمناطق التي يكون الجلد فيها أكثر سمكًا وأقل استعدادًا للتمدد.

كما أنها لا تستخدم إلا على الجلد السليم والمتعافي، ولا يمكن استخدامها على جروح أو حروق مفتوحة إلا بعد تعافيها.

من العيوب أيضًا طول المدة اللازمة لنمو الجلد الإضافي، فبناء على المنطقة التي يتم ترميمها، قد يستغرق الإجراء وقتًا يصل حتى ثلاثة أشهر، وخلال هذه المدة يحتاج المريض إلى زيارة عيادة الجراح مرات متكررة بشكل أسبوعي لحقن المحلول الملحي في البالون.

أخيرًا فإن ممدد الأنسجة (البالون) يسبب انتفاخًا ملحوظًا في مظهره الخارجي، وقد يكون ذلك مقبولًا في حالة ترميم الثدي، لكنه قد يكون غير مقبول من قبل بعض المرضى في حالة ترميم منطقة ظاهرة، مثل الوجه وفروة الرأس.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة