القصف وحصار المدن والتجويع ترافقت مع أكبر موجتي جفاف

كيف دمرت الحرب البيئة في سوريا

صورة من الأقمار الصناعية لحالة فقدان الغابات غرب سوريا (CEOBS/ تعديل عنب بلدي)

camera iconصورة من الأقمار الصناعية لحالة فقدان الغابات غرب سوريا (CEOBS/ تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

طغت التكلفة البشرية الهائلة للحرب في سوريا على عواقبها البيئية، فالصراعات الطويلة والمعقدة عادةً ما يتم فيها إيلاء القليل من الاهتمام للتأثير المحتمل طويل المدى للأنشطة العسكرية على الطبيعة، والآثار التي تنعكس على السكان.

وحتى عندما لا يكون التدمير البيئي متعمدًا، تسبب الحروب ضررًا عميقًا بالبيئة وبطرق عديدة، كـحفر الخنادق، وتسوية الدبابات للغطاء النباتي، وتدمير القنابل للمناظر الطبيعية وإحراقها، وبالدرجة الأولى انطلاق الغازات والجسيمات السامة في الهواء وتسرب المعادن الثقيلة إلى التربة والمياه.

تأثير الحرب على النظام البيئي

ضربت المنطقة الجغرافية لسوريا ثلاث حالات جفاف كبرى منذ الثمانينات، وكان أحدثها بين عامي 2006 و2010، وهو ما يعتبره الكثيرون أسوأ جفاف متعدد السنوات في التاريخ الحديث، ونتج عنه انخفاضات هائلة في هطول الأمطار بالتزامن مع درجات الحرارة المرتفعة، ما أدى إلى تدمير الأراضي الزراعية والتصحر ونزوح جماعي لما يقارب مليوني شخص من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية، بحسب تقرير لـ (MedGlobal).

وشهد حوض الفرات ودجلة بأكمله وأجزاء كبيرة من إيران جفافًا زراعيًا شديدًا واستثنائيًا على مدار 36 شهرًا حتى يونيو 2023، مما يجعله ثاني أسوأ جفاف مسجل في كلا المنطقتين بناءً على دراسة نشرتها (World Weather Attribution).

وتحتل سوريا المرتبة 65 في قائمة تضم 191 دولة معرضة لخطر وقوع كارثة إنسانية أو كارثة طبيعية تعزى إلى تغير المناخ، وفي المرتبة السابعة على قائمة الدول الأقل استعدادًا للاستجابة لمثل هذه الكوارث، وفق ما ورد في الدراسة.

وترجع الزيادة في شدة الجفاف في المقام الأول إلى ارتفاع الحرارة للدرجة القصوى، وأحد أسباب هذا الارتفاع احتراق الوقود الأحفوري الذي تعتمد عليه جيوش العالم بشكل رئيسي، مثل النفط والفحم والغاز، بحسب دراسة (World Weather Attribution).

ويؤدي حرق الوقود الأحفوري إلى خلق غطاء من الغازات تحبس حرارة الشمس على الأرض وترفع درجات الحرارة العالمية، ثم يؤدي الاحترار العالمي إلى تغيرات أخرى مثل الجفاف، وشح المياه، والحرائق، وارتفاع منسوب سطح البحر، والفيضانات، وذوبان الجليد القطبي، والعواصف العاتية، وتدهور التنوع البيولوجي.

إلا أن الافتقار إلى التقارير القوية والفجوات الكبيرة في بيانات جيوش العالم، يخلق صعوبة في تقدير انبعاثات الغازات التي تطلقها آليات ومعسكرات هذه الجيوش، مما يؤدي إلى نقطة عمياء في الخطط العالمية لمعالجة أزمة المناخ، ويكاد يكون من المستحيل الحصول عليها أثناء الحرب.

ويرتفع استخدام الوقود الأحفوري سواء مع الصراعات أو بدونها، فمجرد الحفاظ على الجيش يساهم في تغير المناخ، وذلك لما يستخدمه من وقود للتدريبات العسكرية والاستمرارية بعمل المنشآت، كذلك فإن الحرب النشطة تزيد من هذه الإمكانية إلى أقصى حد.

وبحسب دراسة مرصد الصراع والبيئة (CEOBS)، تشكل انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون الصادرة عن أضخم الجيوش، نسبة أكبر من انبعاثات العديد من دول العالم مجتمعة.

وفي ضوء الصراع المستمر في سوريا، للعام الثاني عشر على التوالي، وزيادة عدم الاستقرار السياسي والانكماش الاقتصادي، يعيش النازحون داخليًا واللاجئون السوريون حياة تتسم بالضعف المتزايد، لا سيما مع تضاؤل المساعدات الإنسانية بسبب طول أمد هذه الأزمة.

طال قصف النظام السوري البنية التحتية البيئية الحيوية للبلاد، مثل أنظمة الطاقة والمياه والصرف الصحي، وتعرضت الشبكات للأضرار بشكل متعمد، وبحسب دراسة المرصد، فإن نسبة خطوط نقل الكهرباء التي تعرضت للهجوم بين عامي 2011 و2014 هي 40%، أما المنازل المتضررة والمدمرة حتى عام 2017 فتجاوزت 300 ألف منزل.

كما ولّد القتال في سوريا كميات هائلة من الأنقاض والنفايات أثرت على المناطق السكنية والصناعية، مما خلق تهديدات بالتلوث، وفقًا لدراسة أخرى لمرصد الصراع والبيئة (CEOBS) عام 2018، بالإضافة إلى تدهور أنظمة إدارة النفايات الصلبة غير الكافية أصلًا من قبل الحرب أكثر، وانهيارها بالكامل في المناطق المتضررة من “النزاع”.

الغابات أحد ضحايا الحرب

غالبًا ما تتزايد إزالة الغابات أثناء النزاعات، ويعود ذلك في كثير من الأحيان إلى الإفراط في الحصاد من قبل المجتمعات التي أصبحت تعتمد فجأة على الخشب والفحم للوقود والتدفئة، بحسب (SciDev.Net)، وهو موقع متخصص بالأخبار والتحليلات بهدف التنمية العالمية.

وبات السوريون يعتمدون على الحطب بشكل شبه رئيسي بعد ارتفاع أسعار المازوت، وانخفاض الحصص التي توزعها الدولة لكل عائلة.

ورصدت مجلة (MDPI)، الرائدة في مجال النشر العلمي، في مقال لها انخفاضاً ملحوظاً في إجمالي مساحة الغابات في المنطقة الساحلية السورية، حيث يعد فقدان الغطاء الحرجي، وانخفاض مساحة الغابات الكثيفة، وزيادة الغابات المتفرقة، مؤشرات على الضغط على الغابات الطبيعية، وكذلك تفتيت هذه الغابات وتدهورها.

وربط المقال، التغيير في الغطاء الحرجي بمجموعة متنوعة من العوامل المختلفة المرتبطة “بالنزاع”، إذ كانت الدوافع الرئيسية هي التغيرات في الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، والاستغلال الواسع النطاق لموارد الغابات، وحرائق الغابات المتكررة، وضعف مؤسسات الدولة في إدارة الموارد الطبيعية والتنمية البيئية.

وكشف تقرير لمرصد الصراع والبيئة (CEOBS)، عن فقدان الغابات في سوريا 3,505 هكتارًا في عام 2020، بزيادة قدرها 159% عن عام 2019، مما يعني أن ما يقارب 20% من غابات سوريا قد فقدت منذ عام 2000، وتعتبر بؤر الحرائق على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط بالقرب من اللاذقية وطرطوس، وهي موطن لأكثر من ثلاثة أرباع مناطق الغابات في البلاد.

وذكر التقرير أن الظروف الجوية تسبب خطر نشوب حرائق في سوريا، لكن وردهم أن شرارة بعض الحرائق كانت بسبب القصف، بينما يعتقد السكان أن بعضها الآخر “مفتعل”.

كما رصدت عنب بلدي انخفاض اللون الأخضر في قعر وادي اليرموك أيضًا، إثر التحطيب المنتشر في المنطقة، وذلك لانعدام الخيارات أمام سكان سوريا.

وأطلقت منظمة “الحملة السورية” (The Syria Campaign) عريضة تطلب من الإمارات العربية المتحدة إلغاء دعوة رئيس النظام السوري بشار الأسد لحضور الدورة 28 لمؤتمر “القمة العالمية للعمل المناخي”.

وسخرت المنظمة من الرأي القائل بأن الأسد “مهتم بالمناخ وحماية الكوكب”، مستندة إلى أنه على مدار العقد الماضي، “حاصر وقصف بلدات ومدن سورية بأكملها، وتناثرت الشظايا وتشرد ملايين الأشخاص من أراضيهم، وأحرقت عمدًا حقول المزارعين لتجويع الشعب السوري”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة