دور سياسي وتأثير وخيبة الجمهور

لماذا انقسم الفنانون في سوريا

لماذا انقسم الفنانون في سوريا

camera iconالفنانون، مي سكاف- فارس الحلو- محمد آل رشي- محمد أوسو- دريد لحام- باسم ياخور- سلاف فواخرجي (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – يامن مغربي

اعتقلت قوات النظام السوري، في عام 2012، الممثل زكي كورديللو وابنه مهيار من منزلهما في منطقة دمر البلد، ولم يخرجا من المعتقل حتى لحظة كتابة هذا التقرير.

إلى جانب كورديللو، ظهر فنانون سوريون في المظاهرات الشعبية، منهم محمد أوسو ومحمد آل رشي، والممثلة الراحلة فدوى سليمان، وشارك خالد تاجا ومي سكاف وفارس الحلو وغيرهم في مظاهرة “المثقفين” بحي الميدان في العاصمة دمشق، في موقف واضح من الاحتجاجات الشعبية التي طالبت برحيل النظام السوري.

وفي موقف مغاير، تبنى ممثلون رواية النظام السوري، وظهروا عبر وسائل الإعلام المحلية والعربية للدفاع عن ممارساته في اعتقال وقتل المتظاهرين بالشوارع.

هذا الانقسام الحاصل بين الفنانين السوريين يطرح أسئلة حول مدى تأثير مواقفهم السياسية على الناس، والتداخل بين الفن والسياسة، وإلى أي مرحلة يمكن تحميل الفن والفنان مسؤولية مواقف أخلاقية وسياسية وإنسانية مما يحصل حوله.

الأثر في المجتمع

أطلق السوريون صرختهم الأولى في آذار 2011، للمطالبة برحيل النظام السوري ورئيسه بشار الأسد، وسرعان ما رد الأخير بالنيران عبر قوى الأمن والاستخبارات، ثم الجيش الذي نزل إلى الشوارع.

استمرت المظاهرات في الشوارع السورية، وانضم إليها فنانون سوريون اعتقلوا ضمن ما عرف بمظاهرة “المثقفين”، التي ضمت حينها الراحل خالد تاجا وفارس الحلو والمخرج الراحل نبيل المالح والممثلة مي سكاف وغيرهم.

مع تطور الأحداث السياسية والأمنية في سوريا، انقسم الممثلون السوريون إلى ثلاث شرائح، الأولى وقفت إلى جانب النظام السوري بشكل كامل، وتبنّت روايته لما يحصل في البلاد، والثانية وقفت على النقيض تمامًا، فيما اكتفت الشريحة الثالثة بالصمت.

طوال سنوات، ساد جدل بين السوريين حول مواقف الفنانين السوريين من الثورة السورية والعنف الذي مارسه النظام السوري، خاصة مع التصريحات الصادرة عنهم، واللوم الموجه إليهم، بسبب تأثيرهم، كشخصيات عامة، في المجتمع.

أهم خاصية يجب أن تتوفر في العمل الفني هي قدرته على خلق “الوهم” لدى المشاهد، لدفع الأخير لمتابعة المشاهدة وخلق عملية التأثير المطلوبة، ومن هذه النقطة يتحول الممثل من إنسان يتفاعل مع الأحداث الجارية حوله ولديه حياته الخاصة المنفصلة عن أعماله الفنية والشخصيات التي يؤديها، إلى شخصية وهمية يتوقع منها المجتمع تصرفات ومواقف محددة.

الدكتور في الدراما والممثل عبد القادر المنلا، أوضح لعنب بلدي أن الممثل ومع تأديته شخصيات درامية، يخلق صورة في أذهان الناس على أنه شخص صادق وشفاف وفوق مستوى الشبهات، يحاول إيصال صوتهم ومشكلاتهم، وبالتالي تزول أي فكرة تتعلق بانتصار الفنانين لمصالحهم الشخصية أو وجود صفات سلبية.

عملية الوهم تحوّل الشخصيات الدرامية إلى أبطال في الخيال الشعبي لدى الناس، وهنا تكون التوقعات مختلفة عن الواقع، وبالتالي تتشكل صورة معينة تؤدي إلى رفض مواقفهم في حال كانت مخالفة لما يريده الناس.

هذه الفكرة يشرحها كاتب السيناريو حافظ قرقوط، لعنب بلدي، بأن الممثل يتحول إلى شخصية عامة قريبة من النفس البشرية وتؤثر بها، وتستفيد منها الدول والأنظمة وحتى المنظمات الدولية.

وأضاف أن الأمر يتحول لاحقًا إلى عملية تماهٍ بين الممثل والشخصية التي يؤديها، لأن الممثل بطل وهمي مطلوب منه أن يكون قريبًا من رغبات الناس، وفي حالة المواقف السياسية تحديدًا، خاصة أن النجومية بحد ذاتها هي عملية شعبوية، خُلقت بسبب حضور الممثل وما يمتلكه من إمكانيات، وبالتالي يصبح حالة عامة تعود ملكيتها لمن صنعها لا لذاته، بحسب قرقوط.

الباحث الاجتماعي الدكتور حسام السعد، قال لعنب بلدي، إن التأثير يأتي من اتجاهين، الأول هو إعلاء قيمة الأعمال الفنية التي تعبر عن حياة الناس اليومية، وبالتالي يصبح صناع العمل الفني، لا سيما المخرج والممثل، ضميرًا جمعيًا في كل مجتمع وثقافة.

أما التأثير الثاني فيتمثل بالأعمال الفنية التي لا تمت لواقع الناس، وهو ما يجعل من تلك الأعمال مثار سخرية وتندر، أو وسيلة للهروب من واقع مرير لحياة متخيَّلة، وهنا تكمن خطورة هذا التأثير، وفق السعد.

وأداء دور ما هو جزء من الخيال، والدراما هي تصنيع، والصناعة لا يمكن أن تكون متقنة دون إبداع، وعليه يلعب الخيال والوهم دورًا كبيرًا لإضفاء حالة خاصة تسهم في خلق شخصية يؤديها ممثل عبر “الكاريزما” لتكون حالة ناجحة، بحسب قرقوط.

الجدل حول الدور

أحد أكثر الجدالات الدائرة حول الفن يتعلق بالدور الذي يلعبه الأخير، وما إذا كان أحد قطاعات الترفيه، أم أنه حالة مختلفة يحمل رسائل وقيمًا لتطوير المجتمعات وإيصال صوت الناس.

تبدو أهمية هذه المسألة من خلال ردود فعل السوريين على الفنانين السوريين ممن اتخذوا مواقف مخالفة لما انتظره منهم سوريون على طرفي نقيض، بين الموالاة والمعارضة على حد سواء.

هناك رأيان للجدل الدائر حول الدور الذي يلعبه الفن، وبالتالي الممثل، يتبنى الأول إعادة الفيلم والعمل الدرامي إلى أصله، حكاية يشاهدها الناس يرويها مخرج بالاعتماد على عناصر فنية، أحدها الممثل.

فيما تقول وجهة النظر الثانية، إن الفن ليكون فنًا حقيقيًا عليه أن يحمل قيمة ورسالة ويحكي معاناة الناس، مستدلة بفيلم “المدرعة بوتمكين” (1925) للمخرج الروسي سيرغي آيزنشتاين، الذي يتبنى قضية ثورة نفذها بحارة على متن بارجة حربية تحمل الاسم نفسه.

هذا الجدل يشير إلى سؤال ثالث، وهو إلى أي مرحلة يمكن أن يجبر الفنان على تبني موقف سياسي من حدث ما، وهل يمكن أن ينفصل الفن عن السياسة.

وفق عبد القادر المنلا، فإنه لا يمكن فصل السياسة عن الفن، إلا في حال كان الفن المقدم خاليًا من أي رسالة، أي كان ترفيهًا لغرض التسلية فقط، ولكن في المقابل، فإن أي مشروع فني يحمل قضية ما، حتى لو كان قصة حب، خاصة أن السياسة تلاحق حتى العشاق في سوريا، بحسب رأيه.

ويرى المنلا أن ما حصل في سوريا لا يستدعي اتخاذ موقف سياسي من قبل الفنانين، على اعتبار أنه ليس صراعًا بين أحزاب سياسية، بل ما حصل يستدعي موقفًا أخلاقيًا وإنسانيًا ووطنيًا، وعندما يمر بلد ما بفترة تحول كبرى، يتخذ الموقف طابعًا وطنيًا لا سياسيًا، بحسب رأيه.

وتؤثر الأعمال الفنية ومواقف الفنانين من الناحية الاجتماعية على الناس، خاصة أن الفن لا ينفصل عن السياسة والمواقف الاجتماعية، بحسب الدكتور حسام السعد، الذي أشار إلى قائمة طويلة من الأفلام والأعمال الفنية التي حملت رسائل سياسية، بما في ذلك الأعمال الناقدة للسلطة في سوريا، والتي شكلت نافذة لاتخاذ مواقف من قبل الناس تجاه قضايا اجتماعية واقتصادية وسياسية.

يستمد الممثل تفاصيل الشخصيات التي يؤديها من المجتمع المحيط، عبر الملاحظة الدائمة لتصرفاتهم وآرائهم وقصصهم، كما أن حصولهم على النجومية والانتشار يأتي بسبب قبول الناس لهم.

ومن هذه النقطة، يرى الكاتب حافظ قرقوط أن الناس يطلبون من الممثل أن يأخذ موقفًا أخلاقيًا من قضاياهم، وهذا واجب على الممثل باعتباره ابن هذه البيئة واستند إلى حب الناس وعليه ألا يخذلهم.

وأضاف أن الدراما هي بنت السياسة، رغم جانبها الترفيهي الذي يستغل لرغبات السلطة والمال والأنظمة، لذا دائمًا الدراما لديها جانب سياسي.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة