الأطباء النفسيون “عملة نادرة” شمال شرقي سوريا

عنصر من قوى الأمن الداخلي التابعة لقوات سوريا الديمقراطية يتدفأ على النار في مدينة القامشلي - 31 كانون الثاني 2021 (AFP)

camera iconعنصر من قوى الأمن الداخلي التابعة لقوات سوريا الديمقراطية يتدفأ على النار في مدينة القامشلي - 31 كانون الثاني 2021 (AFP)

tag icon ع ع ع

يعاني شقيق بسام من حالة هلع منذ ثماني سنوات، بدأت بعد مشاهدته عناصر من تنظيم “الدولة الإسلامية” يعدمون أربعة شبان بالرصاص أمام العامة في بلدة الصبحة شرقي دير الزور.

وقال بسام لعنب بلدي إن شقيقه يعاني من اضطرابات عصبية وأمراض قلبية، لا يوجد من يداويها في ريف دير الزور الواقع تحت نفوذ “الإدارة الذاتية”، ولذلك يتحمل تكاليف فوق طاقته في محاولة لعلاج شقيقه في مدينة الحسكة.

ولم يكن شقيق بسام الوحيد في المنطقة من يبحث عن طبيب، فمدينة دير الزور تخلو تمامًا من أي طبيب نفسي أو عصبي، والحال نفسه في مدينة الرقة والطبقة ومناطق أخرى داخل نفوذ “الإدارة الذاتية”، الذين يعانون من ندرة الأطباء النفسيين ما يضطر المرضى لقطع مسافات طويلة متكبدين خسائر مالية إضافية “تزيد الطين بلة”.

بينما يوجد في مدينتي الحسكة والقامشلي عدد قليل من الأطباء يتراوح عددهم بين الثلاثة والأربعة، حسبما رصدته عنب بلدي، واحد منهم فقط ضمن مناطق نفوذ “الإدارة الذاتية”، بينما البقية داخل المربع الأمني التابع للنظام السوري.

قلة الأطباء

فقدت سيدرا (33 عامًا) والمنحدرة من مدينة الرقة، زوجها وأطفالها الثلاثة خلال قصف طيران “التحالف الدولي”، في ظل سيطرة تنظيم “الدولة” على المدينة.

وقالت سيدرا لعنب بلدي، “صوت صراخ طفلي وهو يناديني لآخر مرة ما زال عالقًا في أذني وصورته لا تغيب عن مخيلتي”، مضيفة أنها فكرت مرات عديدة بالانتحار وكان أحدثها عن طريق تناول جرعات زائدة من الحبوب، غير أن شقيقها أسعفها فورًا.

لجأت سيدرا إلى طبيب عصبية وسط ندرة الأطباء النفسيين، واصفًا لها بعض المهدئات.

من جهة أخرى قالت إيناس (27 عامًا)، المنحدرة من ريف دير الزور، لعنب بلدي إن الاضطرابات التي تعانيها بدأت بعد علاقة زواج وصفتها بـ”الفاشلة”، ما دفعها للانعزال، إضافة إلى أن ما تشهده المنطقة من صراع لا يدعو للسعادة.

وأضافت أن المنطقة لا تحوي أطباء أو معالجين نفسيين، ولا المجتمع يرحب بفكرة العلاج النفسي، واصفين من يراجعهم بالمجنون، بينما يقتصر دعم منظمات محلية على الأطفال.

طبيب نفسي في مدينة القامشلي قال لعنب بلدي، إن قلة الأطباء ليس جديدًا، فالحالة موجودة في العالم كله ومن ضمنه سوريا وشمال شرقي سوريا.

وأرجع الطبيب، الذي تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية، قلة الأطباء إلى المردود المادي الذي يعتبر قليلًا مقارنة ببقية الاختصاصات الطبية، إضافة إلى قلة الوعي بأهمية دور الطبيب النفسي.

والمرض النفسي هو خلل بكيمياء الدماغ، نقص أو زيادة في بعض المستقبلات العصبية، ولا يوجد في الطب النفسي كلمة “مجنون” ولا يتعامل معها.

اقرأ أيضًا: طبيبان نفسيان فقط في مشفى “ابن سينا” للأمراض العقلية

تكاليف إضافية

عند نزوح عائلة ثامر من دير الزور إلى الشدادي بريف الحسكة بعد احتدام المعارك بين التحالف الدولي وتنظيم “الدولة” في 2016، أضاعت ابنة خاله زهرة مفتاح بيتها مع أوراق رسمية وهويتها، ما تسبب بمشكلة بينها وبين زوجها.

ومن ذلك الوقت تبحث زهرة عن المفتاح في كل مكان، وتسأل كل من تعرفه عنه.

وتضطر عائلة زهرة للذهاب إلى القامشلي لمراجعة طبيب نفسي مختص لعدم وجود طبيب في الشدادي، بعدما جربوا الذهاب إلى أطباء عصبية وشيوخ الدين دون جدوى.

وتتحمل العائلة تكاليف الطريق، إضافة إلى 50 ألف أجور المعاينة، وتكلفة الأدوية التي تصل إلى 100 ألف ليرة سورية.

وتراجع زهرة الطبيب سرًا خوفًا من نظرة المجتمع.

وصمة العار وعدم تقبل المجتمع لفكرة المرض النفسي، تمنعان المريض من مراجعة الطبيب النفسي، ويفضل الذهاب إلى اختصاصات أخرى، أو يراجع طبيبًا من خارج منطقته، بحسب الطبيب النفسي في القامشلي.

ما دور المنظمات

عامل في منظمة “مهاد”، التي تنشط شمال شرقي وغربي سوريا، وتعرف نفسها بأنها منظمة فرنسية غير حكومية عاملة في مجال الصحة والتضامن الدولي، قال لعنب بلدي، إن العديد من المنظمات تعمل على تقديم الدعم النفسي والجلسات الفردية والدعم النفسي الاجتماعي وغيرها في شمال شرقي سوريا.

إلا أن قلة الأطباء والاختصاصين النفسيين، دفع المنظمات للجوء إلى الـ”PSW”، وهم خريجو كلية التربية أو علم الاجتماع الذين خضعوا لتدريبات معينة عن مفهوم الصحة ومواضيع مختصة بالصحة النفسية.

ولا يملك جميع الخريجين الخبرة الكافية للتواصل مع المريض والتعامل معه، ويعمل العديد منهم خارج مهامهم، المنحصرة بإرشاد المراجعين على مفهوم الصحة والاضطرابات النفسية، وأهمية مراجعة الطبيب في حال الشعور بأعراض معينة.

وأشار العامل، الذي تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية، إلى أن الـ”PSW”، يخلطون بين أفكارهم الشخصية والإرشاد النفسي، ويتدخلون بقرار المريض الذي يحدد مصيره أحيانًا.

وتتبع المنظمات في الطبقة والرقة نظام الإحالة في محاولة لتجنب تقديم الاستشارات من غير المؤهلين.

ويعمل النظام على استقبال المريض، أو المستفيد كما أسمته المنظمة، وتحديد موعد له مع طبيب نفسي يأتي مرة في الأسبوع من القامشلي إلى الرقة والطبقة، فعدد الأطباء في المنطقة “يساوي الصفر”، بحسب العامل.

وأشار العامل في المنظمة إلى أن طبيبًا واحدًا فقط يجول بين القامشلي والرقة والطبقة والكرامة ومنبج لمعالجة المرضى.

اقرأ أيضًا: طبيب أم معالج نفسي.. لمن نتوجه ومتى؟

تفاقم.. لا علاج

تشير تقديرات غير رسمية إلى أن نحو مليون سوري (4% من السكان) يعانون من اضطرابات نفسية شديدة، في حين يعاني 5% من اضطرابات نفسية متوسطة الشدة.

وسجلت الرابطة السورية للأطباء النفسيين 80 طبيبًا نفسيًا يعملون في الأراضي السورية في 2018، مما يخلق تحديات لدى المرضى والأطباء بنفس الوقت.

ويرى الطبيب الذي قابلته عنب بلدي في القامشلي، أن عدد الأطباء لا يتناسب مع الحالات الموجودة في المنطقة، ما يزيد من ضغط العمل على الطبيب، فلا يأخذ المريض حقه، بينما البعض لا يعرف بوجود طبيب في المنطقة، فيبقى دون علاج إلى أن تتفاقم حالته، وتصل إلى مرحلة مزمنة يصعب علاجها.


شارك في إعداد المادة مراسل عنب بلدي في دير الزور عبادة الشيخ.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة