مزامنة رفع الرواتب مع الخبز.. هل خشي الأسد الشارع 

عملة ورقية سورية- 14 من نيسان 2022 (عنب بلدي/ عبد المعين حمص)

camera iconعملة ورقية سورية- 14 من نيسان 2022 (عنب بلدي/ عبد المعين حمص)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – جنى العيسى

في 5 من شباط الحالي، رفع رئيس النظام السوري، بشار الأسد، الأجور للعاملين المدنيين والعسكريين والمتقاعدين بنسبة 50%، تزامنًا مع رفع سعر ربطة الخبز بنسبة تتجاوز 100%.

رفع الرواتب لم تسبقه كما جرت العادة تلميحات وترويج، إذ لطالما سبق مراسيم رفع الرواتب السابقة حديث حكومي مكثف حول قدرة الحكومة على نسبة الرفع، أو العجز في الموازنة، لتمرير النسبة التي لا توازي حجم الاحتياجات إطلاقًا.

بالمقابل، سبق قرار رفع أسعار ربطة الخبز تمهيد مكثف من قبل الحكومة، إذ عقدت رئاسة مجلس الوزراء قبل أيام من إقراره اجتماعًا خاصًا يتعلق ببحث توريدات القمح، تبعه حديث رسمي موجه للجمهور حول حجم دعم الحكومة لمادة الخبز، وتكاليف الإنتاج التي “ترهقها”، في حالة وضعت السوريين في حالة ترقب لقرار الرفع.

رفع الخبز يدفع إلى رفع الراتب

حالة رفع الرواتب ورفع أسعار مواد أساسية لا تعتبر جديدة، إذ غالبًا ما يترافق رفع الراتب مع رفع في أسعار المحروقات وغيرها من المواد الأساسية الأخرى، إلا أن المختلف هذه المرة رفع الرواتب دون مقدمات أو تلميحات من قبل الحكومة، ما يثير التساؤلات حول مزامنتها مع رفع سعر الخبز تحديدًا.

يعتبر النظام السوري علاقته بالمجتمع والمواطنين علاقة “زبائنية” تفاوضية، منذ تسلم حافظ الأسد للحكم، إذ دومًا ما يترافق رفع أسعار الخبز على وجه الخصوص بزيادة الراتب، بحسب ما يراه الباحث الاقتصادي زكي محشي.

وأوضح الباحث لعنب بلدي، أن رفع الرواتب في هذه العلاقة التفاوضية جاء لتغطية رفع الخبز، إذ يخشى النظام من رد فعل عنيف قد يتولد لدى الناس في حال رفع الخبز دون الرواتب.

ومنتصف آب 2023، رفع الأسد الرواتب والأجور بنسبة 100%، ترافق ذلك مع رفع لأسعار المحروقات بنسبة 300%، أثار القرار حينها موجة غضب كبيرة بين المقيمين في مناطق سيطرة النظام، وشهدت محافظات ومناطق عدة جنوبي سوريا موجة من الاحتجاجات والمظاهرات التي فجرها الواقع المعيشي والاقتصادي المتردي، ولا تزال مستمرة حتى الآن تطالب بإسقاط النظام في محافظة السويداء.

اقرأ أيضًا: “عطب اقتصادي“.. الاحتياج 55 ضعف حد الرواتب في سوريا

توزيع آثار التضخم

مدير البرنامج السوري في “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية”، والدكتور في الاقتصاد، كرم شعار، قال لعنب بلدي، إن الحكومة عبر متابعة قرارتها المتعلقة برفع الرواتب ورفع أسعار السلع الأساسية وتحديدًا منذ عام 2019، تحاول تمويل نفسها بالعجز.

وتهدف سياسة رفع الرواتب وأسعار السلع الأساسية معًا إلى إعادة توزيع الآثار التضخمية، إذ يجب توزيع الأثر التضخمي لطباعة النقد بعد فترة وجيزة على الجميع بالتساوي.

ولضمان عدم تأثر مجموعة من السلع الأساسية بالتضخم بشكل كبير، ترفع الحكومة أسعار السلع والرواتب معًا.

وعند تحليل الأمر في سياق سبب ونتيجة، أوضح شعار أن الحكومة مضطرة لرفع أسعار الخبز أو الكهرباء أو السلع والخدمات المدعومة الأخرى، لتتناسب مع التضخم الحاصل، ولضمان عدم انعكاس الرفع على قدرة موظفي القطاع العام الشرائية يجري رفع الرواتب.

وبحسب تقرير صادر في 10 من آب 2023، سجلت سوريا المرتبة الثالثة عالميًا بمستوى التضخم بنسبة 238% على أساس سنوي، بعد زيمبابوي وفنزويلا، وفق “لوحة هانكي لقياس التضخم الاقتصادي” في عديد من البلدان، دون الاعتماد على الإحصائيات الحكومية.

ووفق البيانات، كان آخر تحديث رسمي لمعدل التضخم بسوريا في أيلول 2019، وكان يبلغ حينها 34.50% على أساس سنوي.

الاستقالات مبرر

الدكتور كرم شعار اعتبر أن الخوف الأساسي لدى الحكومة من رفع الأسعار ليس من الضغط الشعبي، بقدر ما هو سياسة حكومية تهدف إلى الإبقاء على الموظفين بالقطاع العام، خوفًا من الاستقالات التي تكررت كثيرًا خلال الفترة الماضية.

ويعتبر خيار الاستقالة من الوظيفة الحكومية، والبحث عن عمل في القطاع الخاص، للحصول على راتب أفضل، الحل الوحيد للمقيمين في مناطق سيطرة النظام الذين يعتمدون على دخلهم فقط في المعيشة.

وتعد الأوضاع الاقتصادية، وغلاء المعيشة، وعجز قيمة الراتب عن تحقيق أبسط متطلبات المعيشة، السبب الرئيس وراء هذه الاستقالات.

وسبق أن ذكرت مصادر حكومية لدى مؤسسات الدولة في مناطق مختلفة وجود حالات استقالات كبيرة، للأسباب ذاتها.

ويلجأ معظم السوريين إلى الاعتماد على أكثر من مصدر لمحاولة الموازنة بين الدخل والمصاريف، وأبرز تلك المصادر الحوالات المالية من مغتربين خارج سوريا، والاعتماد على أعمال ثانية، كما تستغني عائلات عن أساسيات في حياتها لتخفيض معدل إنفاقها.

الدعم “وهمي”

سبق رفع سعر الخبز اجتماع في رئاسة مجلس الوزراء لمناقشة كيفية إدارة سلسلة توريد وتأمين مادة القمح، والأعباء المالية المرافقة لكل من عمليتي إنتاج وتسويق القمح من جهة، وصناعة الخبز من جهة أخرى، مع الأخذ بالاعتبار العجز المالي الكبير بالخزينة العامة للدولة في توفير مادة الخبز، وضرورة معالجتها تدريجيًا لضمان توفر هذه المادة الحيوية.

قدرت “المؤسسة السورية للحبوب” تكلفة طن القمح المستورد إلى أرض الميناء بـ448.07 دولار أمريكي، تعادل 5.62 مليون ليرة سورية، وفق سعر صرف 1256 ليرة للدولار.

وبإضافة أجور النقل وتكاليف الطحن والتعبئة والتغليف، تصل تكلفة طن الدقيق إلى 7.36 مليون ليرة، ويتم بيع الطن للمخابز بسعر 70 ألف ليرة، أي ما يعادل 1% من التكلفة ليكون مقدار الدعم 7.285 مليون ليرة لكل طن من الدقيق، وفق التقديرات.

وتبلغ الحاجة اليومية لسوريا 5200 طن دقيق، بحسب المؤسسة، مشيرة إلى أن مقدار الدعم اليومي هو 37.9 مليار ليرة سورية، وتعادل 13.8 تريليون ليرة سنويًا.

الدكتور كرم شعار يرى أن حكومة النظام لا تزال تقدم الدعم لمادة الخبز وبشكل كبير، موضحًا أن هذه الزيادات السعرية تأتي مجاراة للتضخم.

بينما لا يتفق الباحث محشي مع الدكتور شعار، معتبرًا أن الأرقام التي تدعيها الحكومة لتكلفة ربطة الخبز المقدرة بـ7800 ليرة سورية مبالغ فيها وغير دقيقة، وهي مسيسة لعدة أسباب.

يتمثل السبب الأبرز، وفق الباحث، بأن سلسلة إنتاج الخبز طويلة، إذ تعمل حكومة النظام على جمع كل الدعم المقدم على طول سلسلة الإنتاج، من الدعم المقدم للفلاح أو المطاحن أو الكهرباء وغيرها، مشيرًا إلى أنه في ظل وجود تشابكات كبيرة بين مراحل الإنتاج من الصعب تمامًا معرفة حجم الدعم المقدم لربطة الخبز.

كما لا تدعم الحكومة كل مادة الخبز، إذ إن هناك فئات تحصل على المادة من خارج الدعم، بأسعار تصل إلى خمسة أضعاف سعرها المقدم، كما تقدمها الحكومة ضمن إطار الدعم بتقنين يدفع الناس لشرائها بسعر “حر”.

وانتقد الباحث محشي تقديم الحكومة رقم الدعم للربطة الواحدة، دون تفصيله بالنسب الكاملة للدعم للخبز المنتج، مفترضًا أنه لو كان الرقم المقدم صحيحًا فهذا يعني أن موازنة دعم الخبز المرصودة يجب أن تقارب قيمة الموازنة العامة للدولة.

حُددت اعتمادات الموازنة للدولة للسنة المالية 2024 بمبلغ إجمالي قدره 35500 مليار ليرة سورية، وهو ما يمثل زيادة بالليرة السورية وتراجعًا بالقيمة بنسبة 48.6%.

توزعت اعتمادات الموازنة العامة لعام 2024 على 26500 مليار ليرة سورية للإنفاق الجاري، و9000 مليار ليرة للإنفاق الاستثماري.

فيما بلغت كتلة الدعم الاجتماعي 6210 مليارات ليرة، من ضمنها 2000 مليار ليرة لدعم المشتقات النفطية، و75 مليار ليرة لدعم المناطق المتضررة من الزلزال.

“غير مدروس”.. انتقادات لرفع الرواتب

يبلغ الحد الأدنى للرواتب بعد الزيادة الأخيرة 278 ألفًا و910 ليرات سورية، ما يعادل 19.3 دولار أمريكي مقارنة مع سعر الصرف وقت تحرير التقرير، إذ سجل سعر الدولار الأمريكي في دمشق 14450 ليرة سورية للشراء و14650 للمبيع، حسب موقع الليرة اليوم المتخصص بمتابعة أسعار الذهب والعملات الأجنبية.

العميدة السابقة لكلية الاقتصاد في محافظة القنيطرة جنوبي سوريا، رشا سيروب، قالت في منشور لها عبر حسابها الشخصي في “فيس بوك”، إن زيادة الرواتب والأجور الأخيرة تعتبر الرابعة من نوعها بعد عام 2020، إذ بلغت نسبة الزيادة ما مقداره 485% مقارنة بالعام 2020 (تقريبًا خمسة أضعاف الراتب في العام 2020).

واعتبرت سيروب أن ما يهم ليس الراتب بل القوة الشرائية للراتب التي انخفضت بما يقارب الثلثين (61‎‎%) بين عام 2020 وشهر آذار 2024 (أول راتب سيحصل عليه الموظف بعد الزيادة).

وأشارت إلى أنه إذا لم تترافق هذه الزيادة مع ضبط الأسعار التي ارتفعت بأكثر من 14 ضعفًا، فإن هذه الزيادة لن تكون سوى دخل إضافي لفئة صغيرة على حساب عموم المواطنين.

وزيرة الاقتصاد السابقة، لمياء عاصي، قالت بدورها، إن زيادة الرواتب تعتبر مسعى جيدًا لردم الفجوة بين الدخل والأسعار، متسائلة في الوقت نفسه عن سبب الإصرار على أن زيادة الراتب يجب أن تكون مترافقة بغلاء أسعار المواد الأساسية.

واعتبرت عاصي أن تزامن هذه القرارات “وصفة محكمة” لتحقيق المزيد من ارتفاع معدل التضخم، وتآكل الزيادة والراتب معًا.

من جهته، قال الباحث الاقتصادي زكي محشي لعنب بلدي، إن قرار رفع الرواتب خاطئ من الناحية الاقتصادية، إذ سيؤدي إلى زيادة السيولة النقدية، فضلًا عن الآثار التضخمية الكبيرة التي ستتأثر بها جميع السلع الأساسية نتيجة رفع أسعار الخبز والمحروقات، ما قد ينجم عنه تعطل أكبر بالإنتاج وانهيار بقيمة الليرة أمام العملات الأجنبية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة