النظام السوري يفشل في تلبية اشتراطات عربية بتقليص نفوذ إيران

رئيس النظام السوري بشار الأسد (تعديل عنب بلدي)

camera iconرئيس النظام السوري بشار الأسد (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

“ثلاث مراحل تنتهي بخروج إيران وحزب الله”، كان عنوان “المبادرة الأردنية” التي نشرتها مجلة “المجلة” السعودية، واقترب بموجبها النظام السوري من دول المنطقة العربية بعد انقطاع دام أكثر من عشر سنوات، طالبت خلالها النظام بخطوات فعلية مقابل التطبيع معه، والسعي لرفع العقوبات الأمريكية والأوروبية عنه.

وبينما يبدو أن التغييرات التي يجريها النظام مرتبطة بعنوان “المبادرة الأردنية” التي تهدف لإخراج إيران و”حزب الله” من سوريا، لم يشهد النفوذ الإيراني أي تراجع، في الوقت الذي يرى فيه مراقبون أن النظام عاجز عن تقديم خطوات تفضي لإبعاد إيران بسبب سطوتها الأمنية والعسكرية في البلاد.

لا تتضمن الجداول في المبادرة الأردنية، برنامجًا زمنيًا محددًا للتنفيذ، لكنها تنتهي إلى أن الخطوات المتوقعة من دمشق وحلفائها هي سحب جميع الممتلكات الإيرانية العسكرية والأمنية من سوريا، وانسحاب حزب الله والميليشيات الشيعية، مقابل انسحاب جميع القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب من جميع الأراضي السورية التي دخلوها بعد 2011 بما في ذلك مناطق شمال شرقي سوريا وقاعدة التنف الأميركية، ورفع العقوبات، وتمويل المانحين لإعمار سوريا.

ورغم الضغوط التي تواجهها إيران على أكثر من صعيد، منها قصف إسرائيلي يستهدف مسؤوليها الأمنيين والعسكريين في سوريا، واتفاقات بين النظام والعرب لدفعها نحو الخارج، تستمر طهران بتحركاتها داخل الجغرافيا السورية، التي رأى باحثون أنها تحرج النظام خلال سعيه لتحسين علاقته بالدول العربية.

وتباينت آراء الخبراء بين إمكانية نجاح تحركات العرب ضد إيران عبر النظام، ومتانة النفوذ الإيراني في سوريا الذي قد يفشل أي تحرك يهدف لتقليص هذا النفوذ.

على طريق إخراج إيران

تحدثت مصادر إعلامية معارضة خلال الأيام القليلة الماضية عن نية النظام السوري دمج فرعي “الاستخبارات العسكرية” و”المخابرات الجوية” في جهاز أمني واحد، تحت مسمى “مخابرات الجيش والقوات المسلحة”.

موقع “صوت العاصمة” المحلي، قال إن رئيس مكتب “الأمن الوطني” كفاح ملحم، أصدر قرارًا، في 20 من آذار، يقضي بدمج شعبتي الاستخبارات في جهاز أمني واحد بناء على توجيهات من رئيس النظام السوري، بشار الأسد، باعتباره القائد العام للجيش والقوات المسلحة.

ورغم أن مصدرين أمنيين متقاطعين في “الأمن العسكري” جنوبي سوريا، وآخر يقود ميليشيا رديفة بها، قالوا في حديث سابق لعنب بلدي إن قيادة الفرع الأمني لم تصدر أي تعميم بهذا الخصوص، لكن الحديث عن دمج الأفرع الأمنية شائع بكثرة في أروقة الرتب المتدنية في “الأمن العسكري”، واعتبر مراقبون أن الخطوة “متوقعة” استكمالًا لتغييرات أخرى.

مطلع العام الحالي، ظهرت أيضًا تسريبات مشابهة تحدثت عن تعيين اللواء كفاح الملحم رئيسًا لـ”الأمن الوطني”، بدلًا عن علي مملوك الذي عيّن مستشارًا لبشار الأسد لشؤون الأمن القومي.

حينها لم يظهر أي إعلان رسمي، واقتصرت التغييرات على تداولات نقلتها جهات مقربة من النظام، أبرزها وكالة “سبوتنيك” الروسية.

وفي 13 من كانون الأول 2023، أصدر الأسد مرسومًا تشريعيًا يقضي بإحداث “الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية”، وتتبع لرئيس الجمهورية، وتحل محل وزارة شؤون رئاسة الجمهورية، وتهدف إلى تقديم الأعمال التي تساعد في أداء رئيس الجمهورية لمهامه واختصاصاته، وتتولى تيسير الأمور الإدارية والمالية والقانونية في الرئاسة والإشراف عليها، ويرأسها أمين عام يشرف على أعمالها.

أيضًا أصدر النظام السوري سلسلة من القرارات تتعلق بالمؤسسة العسكرية في إطار خطة لإعادة الهيكلة، إذ سبق وقال مدير الإدارة العامة في وزارة الدفاع، اللواء أحمد سليمان، خلال لقاء مع قناة “الإخبارية السورية“، إنها تستهدف إنشاء “جيش محترف حديث ومتطور”.

كما أن تكرار إزالة الحواجز العسكرية والأمنية من مناطق متفرقة في سوريا، كان ذو صلة بـ”المبادرة” التي احتوت على بند ينص على سحب المظاهر العسكرية من الشوارع السورية.

خطوات غير فعالة

جاء التدخل الإيراني لدعم النظام السوري في محاولاته لقمع ثورة السوريين مبكرًا، إذ كانت أول من أرسل الميليشيات المسلحة إلى سوريا، أبرزها ميليشيا “حزب الله” اللبناني، والتي انخرطت في معظم المعارك ضد فصائل المعارضة بمختلف المحافظات.

التدخل بدأ يتطور عقب انتهاء الأعمال المسلحة وتثبيت جبهات القتال بموجب تفاهمات دولية، وبدا أنه سيطرة على أروقة القرار في سوريا، وسطوة على الصعيد الأمني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي.

الباحث المتخصص بالشأن الإيراني، مصطفى النعيمي، يرى أن مطالب العرب من النظام السوري خطوات غير فعالة، إذ يرى أن طهران التي تناور في مواجهة واشنطن في المنطقة، وأنه ضغوط الأردن أو العرب، لن تفضي إلى تغييرات في سياستها في سوريا.

وأشار إلى أن أي تأثير يجب أن يُفرض، ليترك أثرًا على مسار الأحداث في سوريا، يجب أن يتخذ من طهران، وليس من دمشق.

وقلل النعيمي من أهمية الخطوات التي يتخذها النظام السوري، وتتوافق مع مطالب العرب، مشيرًا إلى أنها لن تفضي إلى جديد، ولن تتجاوز كونها محاولة التفاف على المطالب.

ومن جانب إيران، يرى النعيمي أن التغييرات جزء من استثمار طهران لعامل الزمن، إذ تقع سوريا في مرتبة متقدمة على سلم الأولويات الإيرانية، لكونها ورقة على طاولة مفاوضات الملف النووي الإيراني مع الولايات المتحدة، وطريقًا نحو المياه الدافئة (البحر الأبيض المتوسط).

النظام مُحرج

تصاعدت خلال الأشهر القليلة الماضية وتيرة الهجمات الإسرائيلية على الأراضي السورية لملاحقة من تسميهم إيران بـ”مستشارين عسكريين”، وتعتبرهم إسرائيل مسؤولين عن تغذية ميليشيات تديرها إيران في سوريا بالأسلحة والتدريب والخبرات.

هذه الوتيرة قد تبدو تصعيدًا عسكريًا بين طهران وتل أبيب التي لم تتبن أي من الهجمات رسميًا، لكن وقوعها بشكل متكرر على الأراضي السورية، يجعل منها استهدافًا لسوريا لا لإيران.

الباحث مصطفى النعيمي يعتقد أن النفوذ الإيراني في سوريا وصل إلى مرحلة تحرج النظام السوري، على اعتبار أن الضربات الإسرائيلية تتصاعد، لكن إيران مستمرة بنشاطها على الأرض السورية.

وأضاف أن هذا النشاط كلّف النظام السوري 70% من قدراته العسكرية، وبالتحديد أسلحة أرض- جو، التي تغير عليها المقاتلات الإسرائيلية بين الحين والآخر.

ورغم تصاعد القصف، تستمر إيران بتوريد السلاح نحو سوريا، وتثبّت مضادات أرضية في مناطق مختلفة، وتدرب ميليشياتها على استخدام الطائرات المسيّرة، بل وتهاجم القواعد الأمريكية شمال شرقي سوريا.

وينظر الباحث إلى خيارات النظام السوري على أنها “مطامح لتقليل النفوذ التدريجي لإيران”، ويبدو واضحًا أن النظام في دمشق يهدف لتقليل هذا النفوذ على الصعيد السياسي والعسكري، ثم الأمني الذي يعتبر الأكثر تعقيدًا.

وهنا نتحدث عن مطامح، لا قدرات، بحسب الباحث، إذ أشار إلى أن النظام حاول السعي للحيلولة دون تغلغل إيران في الجنوب السوري منذ عام 2018، كونه تعهد إلى جانب روسيا لمنع هذا التغلغل، لكن الواقع اليوم يثبت أن النظام عاجز كليًا.

ضغوط عربية

لا يمكن إشاحة النظر عن كون المطالب العربية للنظام السوري انعكست على أرض الواقع، بناءً على المعطيات التي باتت ترد من المؤسسات الأمنية، والعسكرية، والسياسية، وحتى الحزبية لدى النظام السوري، قابلها تقارب عربي تدريجي، من حضور الأسد للقمة العربية في أيار 2023، وتعيين سفراء لدول الإمارات والسعودية في دمشق.

وبينما يعتقد الخبير في الشأن الإيراني مصطفى النعيمي أن النظام عاجز عن تلبية متطلبات العرب، ينظر الخبير الاستراتيجي الأردني والباحث غير المقيم في معهد “ستيمسون” بواشنطن عامر السبايلة، إلى هذه المطالب على أنها ستترك آثارًا في المستقبل، ولن تكون ذات أثر فوري.

واعتبر الباحث الأردني أن التغييرات من جانب النظام، والتحركات المقابلة من جانب العرب يمكن اعتبارها “خطوات” ترتبط بملفين مهمين في الإقليم، الأول هو “الضغط على إيران وميليشياتها”، وبالتالي وجود كل هذه الملفات على طاولة البحث، والثاني هو الضغط على دمشق لتحقيق الهدف الأول.

وأضاف أن الموقف الأمريكي من النظام السوري يدفع الأسد لبذل جهد باتجاه تحقيق المطالب العربية، في إطار إظهار “مبادرة حسن نوايا حقيقية وخطوات ملموسة على الأرض تعزز موقفه أمام حلفاء أمريكا، وتحديدًا دول الخليج العربي، والأردن”.

وبناءً على الضغوط التي تمارس على النظام بأكثر من اتجاه، يعتقد السبايلة أنها قد تكون منتجة في هذه المرحلة على الأقل.

لا موقف إيجابي معلن

في أيار 2023، نشرت جامعة الدول العربية قرارات الصادرة عن “القمة 32” بمدينة جدة السعودية، وكانت الأولى التي يحضرها رئيس النظام السوري بشار الأسد، منذ اندلاع الثورة السورية.

جملة القرارات التي جاءت في 109 صفحات، احتوت على فقرات خاصة بالملف السوري، منها آلية “خطوة مقابل خطوة” للوصول إلى حل لـ”الأزمة السورية”، وبما ينسجم مع قرار مجلس الأمن “رقم 2254”.

وتتمحور آلية “خطوة مقابل خطوة” على تقديم خطوة إيجابية من قبل دول المنطقة نحو النظام السوري، يقابلها النظام بخطوة إيجابية أخرى على شكل إصلاحات داخلية، حتى الوصول إلى حل شامل لما يحدث في سوريا.

وتعود جذور المبادرة التي طرحها المبعوث الدولي لسوريا غير بيدرسون لعام 2022، لكن النظام لم يبدي موقفًا إيجابيًا منها على الصعيد الرسمي.

وسبق أن علّق وزير خارجية النظام فيصل المقداد في أيار 2023 على “خطوة بخطوة”، خلال لقاء مع قناة “روسيا اليوم” قائلًا: “لم نتحدث عن خطوة مقابل خطوة بل تحدثنا عن اتخاذ خطوات في الوصول إلى حلول للأوضاع التي مرت بها سوريا نتيجة تصديها للهجمة الإرهابية التي تعرضت لها، والمدعومة من قبل بعض الدول الأوروبية والحكومات الإرهابية التي ما زالت تصر على مقاطعة الشعب السوري حتى هذه اللحظة”.

واعتبر المقداد أنه “منذ اعتماد القرار الدولي (2254)، الذي أسهم الأصدقاء في صناعته، قلنا إننا سننفذ ما يهم سوريا منه، وعلى هذا الأساس نسعى إلى الحل السياسي الذي يستلزم القضاء على الإرهاب وإعادة إنعاش الأوضاع الاقتصادية وإزالة العقوبات غير الأخلاقية وغير المبررة المفروضة من الدول الغربية”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة