"براغماتية" الحفاظ على المكتسبات

 “الإدارة الذاتية” تتحالف مع أمريكا وتغازل روسيا

مقاتلون من قوات سوريا الديمقراطية برفقة جنود من الجيش الأمريكي خلال تدريبات عسكرية شمال شرقي سوريا- 7 من أيلول 2023 (قوات سوريا الديمقراطية/ فيس بوك)

camera iconمقاتلون من قوات سوريا الديمقراطية برفقة جنود من الجيش الأمريكي خلال تدريبات عسكرية شمال شرقي سوريا- 7 من أيلول 2023 (قوات سوريا الديمقراطية/ فيس بوك)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – خالد الجرعتلي

لم يكد صدى الهجوم الذي نفذه تنظيم “الدولة الإسلامية” في العاصمة الروسية موسكو، فجر 23 من آذار الحالي، يتردد في الشوارع الروسية، حتى خرجت “الإدارة الذاتية” لشمال شرقي سوريا لتعلن تعازيها للحكومة الروسية.

وأشارت “الإدارة الذاتية” في برقية التعزية التي وجهتها لموسكو إلى أن مسار مكافحة الإرهاب هو “إجراء ضروري ومهم، وعمل يستوجب التعاون التام والكامل بين كل القوى الحريصة موسكو على محاربته وإنهائه”.

“الإدارة” نفسها تشكل المظلة السياسية لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وهي الحليف الرئيس للقوات الأمريكية في سوريا، التي تعتبر وروسيا على طرفي نقيض في سوريا.

وعلى مقربة من القاعدة العسكرية الروسية على ضفة نهر الفرات الغربية، شمالي دير الزور، تخوض “قسد” بشكل متكرر اشتباكات ومواجهات مع قوات النظام السوري، التي تدعمها روسيا، في الوقت الذي تتشارك معها نقاطًا عسكرية في مدن ومحافظات أخرى.

حالة التحالفات والعداء بين “الإدارة الذاتية” وأطراف محلية ودولية ذات صلة بالملف السوري، تعتبر شائكة، وغير واضحة المعالم.

ما محددات سياسة “الإدارة” الخارجية

تخضع آلية صنع القرار والموقف السياسي داخل “الإدارة الذاتية” لتوازنات تفرضها أجندات وإملاءات من قيادة حزب “الاتحاد الديمقراطي” (PYD)، المتأثرة عضويًا بمحددات يفرضها حزب “العمال الكردستاني” (PKK)، مع الإقرار بوجود بعض المؤثرات الداخلية والخارجية على هذه القرارات، بحسب ما خلصت له دراسة أعدها مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، ونشرت مطلع آذار الحالي.

وتنطلق محددات “الإدارة الذاتية” في تقاربها مع النظام من ضرورة تحصيل مكاسب تشرعن سلطة الأمر الواقع، وللبحث عن خيارات أخرى لمواجهة التهديدات التركية، كما أنها تنفتح على بعض الأطراف المعارضة في محاولة لتأطير مساحات عمل مشتركة تخفف من خسائرها، جراء عدم وجودها في الأطر الرسمية للمعارضة السورية.

الدراسة نفسها أشارت إلى أن عملية “نبع السلام” التي شنتها تركيا ضد “قسد” شمالي سوريا، أثرت بشكل واضح على سلوك “الإدارة” السياسي، إذ انفتحت على روسيا والنظام بشكل أكبر، كما كان للعملية أثر في تغليب “التيار اليميني” بحزب “الاتحاد الديمقراطي” المرتبط بـ”العمال” بشكل ملحوظ، على حساب “التيار الإصلاحي” الذي حاول التقارب أكثر مع الغرب.

دخول روسيا بشكل فاعل في الشرق السوري بعد عام 2019، أعطى “الإدارة الذاتية” ورقة سياسية جديدة للتفاوض، لكنه اضطرها كذلك لتقديم تنازلات سياسية وأمنية، مع احتفاظها بهامش مناورة سياسية في علاقتها مع روسيا والدول الغربية.

وإلى جانب ما سبق، رأت الدراسة أنه إضافة إلى الفجوات والمعوقات البنيوية داخل “قسد”، فإن مشروعها بشكل عام مرتبط باتجاهات الملف السوري المستقبلية، ففي حال تعزيز سيطرة المركز على الأطراف، ستحاول “الإدارة” تحصيل مكاسب بسيطة من النظام وداعميه.

ويشكّل خيار تحريك الملف السوري فرصة لها لتقديم نفسها كشريك جديد، لكنه لن يلقى القبول الإقليمي والمحلي، بينما يُرجح سيناريو بقاء الجمود كما هو عليه، وبالتالي استمرار سعي “الإدارة” لتكريس “لامركزية الأمر الواقع”، بحسب الدراسة.

لمواجهة تهديدات

قبل أيام، خرج القائد العام لـ”قسد”، مظلوم عبدي، متحدثًا عن ثلاث جهات تهاجم مناطق سيطرة قواته شمال شرقي سوريا، هي تركيا والنظام السوري وتنظيم “الدولة الإسلامية”.

وأضاف عبر  كلمة مسجلة، في 27 من آذار الحالي، أن تركيا تستمر بمهاجمة مناطق شمال شرقي سوريا، في حين يحاول النظام السوري وحلفاؤه “زعزعة استقرار المنطقة”، مشيرًا إلى أن “خطر” تنظيم “الدولة الإسلامية” يشكل تهديدًا للمنطقة.

معد الدراسة التي نشرها مركز “عمران”، الباحث سامر الأحمد، قال لعنب بلدي، إن علاقة “الإدارة الذاتية” بالنظام السوري ترتبط بتعزيز سلطتها كـ”سلطة أمر واقع”، لكن الأهم هو البحث عن حلول أمام التهديدات التركية الوجودية لها شمال شرقي سوريا.

واعتبر أن المواجهات المسلحة التي تنشب بينها وبين النظام السوري في دير الزور هي مواجهات محدودة، ولا تعبر عن حالة عداء بين الطرفين، وقد تكون مواجهات على مستوى مجموعات محلية ربما.

الباحث ذكر أن علاقة “قسد” مع النظام هي علاقة استراتيجية، تهدف “الإدارة الذاتية” لتطويرها بشكل مستمر، وعلى نطاق أوسع، لكنها بطبيعة الحال تعتمد مبدأ “لا تضع بيضك في سلة واحدة”، وهو ما يدفعها للانفتاح على النظام والروس، والاتجاه لفتح قنوات مع المعارضة السورية التي يمكن أن تتفاوض معها خارج منصات المعارضة الرسمية.

وأضاف أن وجود “الإدارة الذاتية” خارج منصات المعارضة السورية، سواء في “هيئة التفاوض” أو “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة”، يدفعها للبحث عن حلفاء جدد من التيارات المعارضة غير المنتسبة لهذه المنصات أيضًا، بحثًا عن وسيلة لشرعنة وجودها.

هل من خطوط حمراء؟

تتعامل “الإدارة الذاتية” مع المناطق التي تسيطر عليها على أنها “مكتسبات” حصلت عليها على مدار السنوات الماضية، ولن تفرّط بها، وهو وصف قدمه مسؤولون فيها بشكل متكرر منذ تأسيسها وحتى اليوم.

وفي مطلع العام الحالي، أصدرت “الإدارة” بيانًا علّقت من خلاله على تصعيد عسكري تركي طال المنطقة واستمر فيها لأكثر من أسبوع، دعت عبره مكونات المنطقة لـ”توحيد الصفوف والالتفاف حول إدارتهم الذاتية، لمواجهة جميع المحاولات الهادفة لضرب مكتسباتنا”.

وورد المصطلح نفسه في حديث بدران جيا كرد مطلع 2023، عندما كان يشغل منصب الرئيس المشترك لدائرة العلاقات الخارجية في “الإدارة الذاتية”، إذ قال إنه لا بد من تطوير العمل الدبلوماسي الاستراتيجي في المرحلة المقبلة ليتناسب مع مستوى التطورات التي تواجه “الإدارة” لأداء “المهام التاريخية” الملقاة على عاتقها، والحفاظ على المكتسبات.

الرئيس المشترك الأسبق لـ”الإدارة الذاتية”، عبد حامد المهباش، قال أيضًا في معرض حديثه عن مصير “الإدارة” في ظل مباحثات جمعتها بالنظام، تزامنًا مع تهديدات بهجمات تركية، إن “الحفاظ على مكتسبات الإدارة الذاتية خط أحمر”.

الباحث سامر الأحمد يرى أن خطوط “الإدارة الذاتية” الحمراء مرتبطة بـ”التهديدات الوجودية” التي تعوق هدفها في إطالة عمر وجود مشروعها قدر المستطاع.

وبناء على ما سبق، قال الأحمد، إن “الإدارة” تدير تحالفاتها بشكل متوازن، ما بين علاقاتها مع الشرق والغرب، وحتى مع دول الإقليم (الدول العربية أو إيران).

وأضاف أن أي تحسينات قد تطلبها جهة/دولة ما من “الإدارة الذاتية” يمكن أن تلقى قبولًا، طالما أنها لا تمس بـ”القرار السيادي” لـ”قسد”، والمرتبط بسيادة قرار حزب “العمال الكردستاني” في جبال قنديل.

ويرى الباحث أن “الإدارة الذاتية” أو “قسد” دائمًا ما تظهر نوعًا من البراغماتية، لكنها دائمًا ما تصطدم بمركزية القرار ومرجعية “الإدارة” التي تحدد طبيعة العلاقات وهي “العمال الكردستاني” ومصالحه الإقليمية والدولية.

ورغم أن بوادر انفتاح “الإدارة الذاتية” على دول أو جهات أخرى واضحة، فإنها محددة دائمًا بمصالح “PKK”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة