الرد الإيراني على إسرائيل يمحو خطّ المواجهة المباشرة الأحمر

رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، الفريق هرتسي هليفي (يسار) وقائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال مايكل إريك كوريلا (يمين) خلال اجتماع ضم عسكريين من جيش البلدين- 12 من نيسان 2024 (الجيش الإسرائيلي/ إكس)

camera iconرئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، الفريق هرتسي هليفي (يسار) وقائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال مايكل إريك كوريلا (يمين) خلال اجتماع ضم عسكريين من جيشي البلدين- 12 من نيسان 2024 (الجيش الإسرائيلي/ إكس)

tag icon ع ع ع

سقطت، في 1 من نيسان الحالي، سبعة صواريخ أطلقتها طائرة إسرائيلية على مبنى ملاصق للسفارة الإيرانية في حي المزة بالعاصمة السورية دمشق، لكن الانفجارات الناجمة عنها دوت في طهران، مع اتضاح أن الغارة استهدفت المسؤول عن ملفي سوريا ولبنان في “فيلق القدس” الإيراني، محمد رضا زاهدي، وضباطًا إيرانيين آخرين.

وعلى مدار الأسبوعين التاليين، واظبت إيران على التلويح برد عسكري في حال لم يدن المجتمع الدولي الهجوم الإسرائيلي، وهو ما نفذته في 13 و14 من نيسان الحالي، عندما وجهت مئات الطائرات المسيّرة، وصواريخ باليستية، نحو إسرائيل.

ورغم أن الهجوم الإيراني لم يترك أثرًا فعالًا على الصعيد العسكري، تلوّح إسرائيل بدورها بالرد على الهجوم الإيراني.

ونقلت شبكة “CNN” الأمريكية عن مسؤول إسرائيلي، لم تسمّه، قوله إن بلاده سترد على الهجوم الإيراني، لكن نطاق هذا الهجوم لم يحدد بعد.

وأضاف أن إسرائيل “لم تحدد بعد ما إذا كانت ستحاول كسر كل الأطباق أو القيام بشيء أكثر اعتدالًا”.

المسؤول الإسرائيلي قال أيضًا، إن حكومة الحرب عازمة على الرد، لكنها لم تقرر بعد التوقيت والنطاق، مشيرًا إلى أن ما وصفه بـ”إحدى المعضلات الرئيسة التي تواجه الحكومة” هي تحديد مدى سرعة الرد الإسرائيلي، لكن الجيش مكلف بالتوصل إلى خيارات إضافية للرد.

توتر متصاعد

يعتبر الهجوم الإيراني على إسرائيل هو الأول من نوعه، لكنه جاء عقب تصعيد إسرائيلي ملحوظ أيضًا، إذ استمرت تل أبيب باستهداف من تسميهم طهران “مستشارين عسكريين” في سوريا، وهم ضباط إيرانيون يقيمون في سوريا بدعوة من حكومة النظام السوري تحت اسم “مستشارين”.

وبينما لم تعلن إسرائيل في المرات السابقة مسؤوليتها عن استهداف الضباط الإيرانيين، أو هدفها منها، شكّل مقتل ضابط إيراني يلقب بـ”الحاج صادق” خلال إحدى هذه الغارات في 20 من كانون الثاني الماضي، ملامح عن أسباب القصف الإسرائيلي المتكرر لقادة إيرانيين في سوريا.

ولم توفر إيران معلومات مفصلة عن هوية “الحاج صادق” حينها، لكن مركز “ألما الإسرائيلي” للأبحاث، قال إن القتيل رئيس استخبارات “فيلق القدس” التابع لـ”الحرس الثوري” في سوريا.

قناة “I24” الإسرائيلية، أشارت في تقرير أعدته حول هوية القتلى الذين سقطوا بقصف إسرائيلي ومنهم “الحاج صادق” إلى أن اسم الأخير ورد في تقرير نشرته صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، في حزيران 2023، وأوضح حينها أنه كان مكلفًا بزيادة الهجمات ضد القواعد الأمريكية في سوريا.

وذكرت إحدى الوثائق التي ذكرها التقرير، أن “الحاج صادق” حدد على وجه الخصوص عربات أمريكية من نوع “هامفي” و”كوغار” كأهداف معينة، مشيرة إلى أنه أرسل أفرادًا للاستطلاع، والتقاط بعض الصور للطرق التي تستخدمها القوات الأمريكية في سوريا.

وأشار تقرير “واشنطن بوست” إلى أن استراتيجية إيران التي كان يديرها “الحاج صادق” تقوم على بناء وتدريب قوات على استخدام قنابل خارقة للدروع تزرع على الطرق خصيصًا لاستهداف المركبات العسكرية الأمريكية وقتل الأفراد الأمريكيين.

وبحسب التقرير، فإن مسؤولين في وحدة النخبة بـ”فيلق القدس” وجهوا وأشرفوا على اختبار إحدى المتفجرات، والتي قيل إنها اخترقت الطبقة المدرعة للدبابة في أواخر كانون الثاني 2023 بمنطقة الضمير، شرقي العاصمة دمشق، بحسب الوثائق التي قالت “واشنطن بوست” إنها حصلت عليها.

“بداية لمرحلة جديدة”

على مدار السنوات الماضية، كان شعار “محور المقاومة” مرتبطًا بإيران ودول أخرى منها سوريا ولبنان، وعرف هذا الشعار بأنه اختصار لنهج طهران بـ”مقاومة إسرائيل”، وهو ما عرّفه الباحث المتخصص في تحليل السياسات الحكومية الأمنية مهند سلوم، خلال حديث سابق لعنب بلدي، على أنه مستمد من مفهوم إيران في “تصدير الثورة” الذي اعتمده روح الله الخميني، عندما قلب نظام الحكم في إيران.

وقال الباحث حينها، إن سردية “المقاومة والممانعة” جعلت إيران في مواجهة مفتوحة مع كل دول المنطقة، أي أن أفكارها باختصار كانت قائمة على “إسقاط الحكومات الفاسدة، وبالتالي تحرير فلسطين”.

ومع أن عمر الشعارات الإيرانية الهادفة لـ”تحرير فلسطين” يعود لعشرات السنوات، لكنها لم تصل لمرحلة الاصطدام المباشر مع إسرائيل كما حصل في الهجوم الأخير بالصواريخ والطائرات المسيرة، ولطالما أدارت حربها مع تل أبيب عبر وكلاء من ميليشيات شيعية تنتشر في سوريا ولبنان واليمن والعراق.

من جانبه، يرى الباحث المتخصص في الشأن العسكري بمركز “جسور للدراسات” رشيد حوراني، أنه بغض النظر عن الآثار والنتائج الناجمة عن الرد الإيراني، لكنه يمثل “مرحلة جديدة” في إمكانية الردع الإيراني واستمرار تمدد نفوذ طهران تحت غطاء هذا الردع.

حوراني قال لعنب بلدي، إن إيران وجهت عبر طائراتها المسيّرة التي أطلقتها نحو إسرائيل رسالة مفادها أن خسارة بمستوى تلك التي تكبدتها بقصف إسرائيل لقنصليتها في دمشق “لن تمر دون رد”، ومن الممكن أن يتطور رد الفعل هذا في حال استمرار التصعيد.

وبالنسبة لتل أبيب، يرى الباحث أنها تحاول إشراك واشنطن في مواجهة إيران بالتحديد، لكن إدارة بايدن لا نية لها بتوسيع ساحة الصراع، وعليه فإن الرد الإسرائيلي سيقتصر على الساحة السورية واللبنانية.

ورجح الباحث سوريا ولبنان كجغرافيا للرد الإسرائيلي، نظرًا لامتلاك تل أبيب بنك أهداف “محددًا ودقيقًا” خاصة على الأراضي السورية، وهو ما كشفته ضرباتها على السفارة الإيرانية.

واستبعد الباحث توجيه إسرائيل رد على الأراضي الإيرانية، نظرًا لكون هجوم طهران الأحدث لم يترك أثرًا واضحًا على تل أبيب.

نورمان رولي، هو مسؤول سابق “كبير” في المخابرات الأمريكية بشأن إيران، قال لصحيفة “The Wall Streat Journal” الأمريكية، إن “الشرق الأوسط تغيّر كثيرًا، إذ كان هناك خط أحمر متمثل في عدم قيام إسرائيل وإيران بمهاجمة بعضهما بشكل مباشر، لكن تم محوه الآن”.

الصدام “مستبعد”

في الوقت الذي لا تزال فيه إسرائيل تتوعد برد عسكري على الهجوم الإيراني، يعتقد الباحث في الشأن السياسي جمال الشوفي، أن لإيران دور واضح تعيه طهران، وتكون تحالفاتها على أساسه، فكما كان وجودها من مصلحة أمريكا عام 2003 خلال حرب العراق، يعتبر وجودها اليوم من مصلحة روسيا، وهو ما تبني على أساسه تحالفاتها.

الشوفي قال لعنب بلدي، إن المصلحة بوجود إيران من قبل طرف إقليمي يعتبر سببًا للحيلولة دون صراع مباشر بينها وبين دول أخرى، منها إسرائيل أو أمريكا، لكنها قد تجبر على التخلي عن إحدى أذرعها في المنطقة كقربان للحفاظ على نفوذها في الدول التي وصلت لها اليوم (سوريا، العراق، لبنان، اليمن، فلسطين).

وبناء على ما سبق، أضاف الباحث أن إسرائيل “ملجومة” من الرد على الهجوم بشكل مباشر من قبل الإدارة الأمريكية لتجنب حرب واسعة مع إيران، خصوصًا أن الأخيرة تهدد أمن دول الخليج العربي (حلفاء واشنطن) بالكامل.

ورغم أن إسرائيل تهدف لكف يد إيران عن المنطقة الجنوبية من سوريا، لا يزال للهدف الإسرائيلي علامة واضحة، وهي أن “لا صدام مباشر مع إيران”، وفق الشوفي.

وسبق أن نقلت وكالة “رويترز“، الأحد الماضي، عن مسؤولين أمريكيين، أن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، من أن الولايات المتحدة لن تشارك في هجوم مضاد على إيران، وهو خيار تفضله حكومة نتنياهو الحربية بعد الهجوم الذي استهدفها، بحسب الوكالة.

ما الرد الإيراني

في 13 من نيسان الحالي، أطلقت إيران طائرات مسيرة مذخرة وصواريخ باتجاه أهداف إسرائيلية، ردًا على القصف الإسرائيلي الذي استهدف القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق.

وقال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، دانيئل هغاري، إن إيران أطلقت في المجمل أكثر من 300 قذيفة على إسرائيل، منها 170 طائرة مسيّرة، و30 صاروخ كروز، و120 صاروخًا باليستيًا، واعترض 99% منها بالدفاعات الجوية.

وقالت البعثة الإيرانية في الأمم المتحدة، عبر “إكس”، إن العمل العسكري الإيراني الذي نفذ بناء على المادة “51” من ميثاق الأمم المتحدة المتعلقة بالدفاع المشروع، كان ردًا على عدوان النظام الصهيوني على مبانينا الدبلوماسية في دمشق.

وتابعت “البعثة” أن “الأمر يعتبر منتهيًا، لكن إن ارتكبت إسرائيلي خطأ آخر سيكون رد إيران أكثر حدة بكثير، وهذا الصراع بين إيران وإسرائيل ويجب على الولايات المتحدة الابتعاد عنه”.

من جانبها، قالت القيادة المركزية الأمريكية (سينتكوم)، إنها اعترضت أكثر من 80 طائرة مسيّرة وستة صواريخ باليستية أطلقتها إيران وميليشيات مدعومة من قبلها نحو إسرائيل.

وأضافت عبر منصة “إكس”، الاثنين، 15 من نيسان الحالي، أنها تمكنت من تحديد واعتراض الصواريخ والطائرات التي أطلقت من إيران واليمن، بدعم من المدمرات التابعة للقيادة الأوروبية- الأمريكية.

وفي اليمن، قالت واشنطن إنها دمرت صاروخًا باليستيًا (طويل المدى) بالإضافة إلى سبع طائرات دون طيار قبل إطلاقها، داخل الأراضي التي تسيطر عليها ميليشيا “أنصار الله” (الحوثيون) المدعومة من إيران.

ونوّهت “سينتكوم” إلى أن استمرار سلوك إيران غير المسبوق الذي وصفته بـ”الخبيث والمتهور” يعرّض الاستقرار الإقليمي وسلامة القوات الأمريكية وقوات التحالف للخطر.

هجمات متكررة

تعلن إيران بشكل دوري عن مقتل عناصر وقياديين لها على الأراضي السورية أو تكشف عن هوية جثث لمقاتلين قُتلوا في وقت سابق في سوريا، وقلما تنعى من تطلق عليهم وصف “استشاريين” أو قياديين من هذا النوع.

وفي 25 من كانون الأول 2023، قصفت طائرة إسرائيلية منزلًا في بلدة السيدة زينب بمحافظة ريف دمشق، ما أسفر عن مقتل “أحد أقدم مستشاري الحرس الثوري” في سوريا، رضي موسوي.

وتعتبر دمشق (جنوب) وحمص (وسط) مركزين رئيسين في إطار النشاط الإيراني، فالمنطقتان الجغرافيتان “محطات تخزين” قصير المدى للأسلحة قبل تسليمها إلى “حزب الله” في لبنان، و”محطات تخزين” طويلة الأمد لاستخدامها في المستقبل من قبل “المحور الشيعي” في سوريا، وفق تقرير لمركز “ألما” البحثي الإسرائيلي، صدر في 2 من نيسان 2023.

وفي كانون الثاني الماضي، أعلن “الحرس الثوري” مقتل أربعة مستشارين في صفوفه، إثر قصف إسرائيلي استهدف مبنى سكنيًا في حي المزة بالعاصمة السورية دمشق.

وقال “الحرس الثوري” حينها، إن “الكيان الصهيوني اعتدى مرة أخرى على العاصمة السورية دمشق”، وخلال الهجوم الجوي قتل عدد من القوات السورية وأربعة “مستشارين عسكريين” يتبعون له، دون تحديد هويتهم.

وفي شباط الماضي أيضًا، قالت وسائل إعلام إيرانية، إن “مستشارًا عسكريًا” في “الحرس الثوري” قتل بغارة إسرائيلية استهدفت بلدة السيدة زينب جنوب العاصمة دمشق.

أيضًا في 1 من آذار الماضي، نقلت وكالة “مهر” الإيرانية، عن البحرية التابعة لـ”الحرس الثوري” أن مستشارًا إيرانيًا اسمه رضا زارعي، قتل في هجوم شنته إسرائيل في وقت مبكر من صباح اليوم نفسه، واستهدف مبنى في ميناء بانياس السوري.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة