حمى الاستهلاك ..هل تبني بلدًا ؟!

no image
tag icon ع ع ع

نقلت لنا التجربة الأمريكية صورة مادية عن مفهوم الحضارة، فغدا الاستهلاك معيارًا لتطور الامم، ومقياسًا يحاول الجميع استيراده والاقتداء به، بل قالبًا جاهزًا يحاولون قسر أي محاولة للنهوض والبناء لتصبح وفق مقايسيه.

لكن مهلًا، هل هذا ما يناسبنا حقّا؟ هل هذا هو ما نريده؟ هل نمط سوريا الذي نريد بناءه هو سوريا المجمعات التجارية الكثيرة، وعقيدة التسوق حتى الموت، والمعايير المادية الطاغية، والأرباح المتداولة بين فئة نخبوية قليلة، بينما ترزح الغالبية العظمى تحت خط الفقر بتهميش إعلامي يحافظ على صورة الحلم البرّاق والهوس الأمريكي في مخيلة الملايين؟

رغبتنا في بناء بلدنا، والنهضة العمرانية، الاجتماعية، الثقافية، العلمية، الاقتصادية، لا تعني أن نستورد معايير تجربة حضارية أخرى -مهما بدت براقة- ونرغم أنفسنا على مقاس لا يناسبنا، إنما أن نبني بلدنا ضمن معاييرنا وقيمنا، أن ننفض الغبار عن مكامن ابداعنا، وننطلق من ثوابتنا بالاستفادة من تجارب وعثرات الأمم الأخرى، لا تقليدها بشكل أعمى!

الاستهلاك مثلًا، عقيدة راسخة في الحلم الأمريكي، لكنها ستجعلنا عبيدًا للأشياء، وستجعل «ممتلكاتنا» تتملكنا!، اللهاث وراء صيحات الموضة وآخر التقنيات، السيارات الأحدث، والبيت الأكبر، سيجعلنا حب الاستهلاك نرغب في كل جديد، ويجعل من حياتنا سباقًا محمومًا في سبيل جمع المزيد من المال، ومن ثم الاستهلاك، لنجمع المال مجددًا، وننفقه من جديد!

سيجد التجار الكبار دومًا ما يعلنون عنه كمنتج جديد وسبيل لتحقيق حياة أفضل، وسنجد دومًا «جديدًا ما» ننفق مالنا لقاء تكديسه مع مشتريات أخرى في منازل صار من الضروري أن تكون أكبر لتتسع لمقتنياتنا!

 برغم كل الاجهزة والتقنيات ووسائل الراحة والرفاهية ووو…هل سنرتاح؟

هل سيحقق نمط الحياة هذا الراحة لنا؟

هل سنكون أهدأ بالًا وأهنأ عيشًا؟

أم أننا سنشعر دومًا أن ثمة ما لا نمتلكه…ثمة ما ينبغي شراؤه؟

و هل يلزمنا الكثير لنكون سعداء؟

تمتعنا بالحياة حقيقة ينبع من ذواتنا، من حياة بسيطة يتساوى فيها الجميع بالأولويات.. يشعرون فيها بالسعادة من الانتاج لا الاستهلاك، حياتنا البسيطة تلك، ستحقق لنا السعادة بشكل أكبر وتعيننا على البناء أكثر بكل تاكيد، يتأتى كل ذلك بداية من قناعتنا أننا نملك ما نحتاج حقًا، وعدم شراء ما لايلزمنا…

قناعتنا تلك، وعدم خوضنا في سباق الاستهلاك، ستجعل رغبتنا بجمع المزيد والمزيد من المال أمرًا غير محوري ومرهق لنا في حياتنا، سنرغب  بعمل يحقق لنا طموحاتنا ولو بأجر أقل، سنحيا بشغفنا ولو بمردود مادي أقل، لكن بمردود إنتاجي يعود على بلدنا بنفع أكبر، ويمنحنا وقتًا أكبر لبناء أنفسنا والاهتمام بإصلاحها وتربية أبنائنا كما يجب، لنكون أبناء فاعلين حقًا في بناء حضارة، بالانتاج والعلم، لا حمى الاستهلاك، بمجتمع يؤمن أولويات الحياة والعيش لجميع أفراده، لا مجتمع قائم على الطبقية.

ربما تبدو أفكارًا نظرية ومبالغات لا يمكن الوصول لها، لكنها حقيقة تبدأ من كل واحد منّا، مدى إدراكه لأهمية كونه منتجًا في مجتمعه، قادرًا على تقديم ما يفيد، أن تكون سعادتنا بالفعل والأداء،
لا بالامتلاك، ونحن فقط من سنحدد بسلوكياتنا المنزلية حتّى، ما نريد أن يكون عليه حالنا في سوريا الغد،  علّنا نعيدها إلى مكانتها البارزة الطبيعية بين مصاف الأمم، وماذاك ببعيد.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة